رغم ترديد بايدن ذلك مراراً.. هل اكتشفت أمريكا أخيراً مدى صعوبة عزل روسيا عن العالم؟
يروق لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن تردد أن “روسيا أصبحت معزولة دولياً بسبب غزوها لأوكرانيا”. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يتوقف عن عقد اجتماعات مع قادة العالم، مثل رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا العضو في حلف الناتو. وفي الأثناء، يتنقل وزير خارجيته سيرجي لافروف، من دولة لأخرى، ويبتسم، ويصافح، ويلتقط الصور مع القادة الأجانب، وبعضهم من أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها.
على أنه يوم الأربعاء، 27 يوليو/تموز، وفي تصريح فاجأ كثيرين، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إنه “يريد إنهاء أشهر من القطيعة الدبلوماسية الأمريكية” مع لافروف لمناقشة الإفراج عن المعتقلين الأمريكيين بول ويلان وبريتني غرينر، وكذلك بعض القضايا المتعلقة بأوكرانيا. وبالفعل وزير الخارجية بلينكن يجري محادثة هاتفية مع لافروف الجمعة 30 يوليو/تموز، لتكون الأولى بينهما منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا. فهل يعني ذلك أن الولايات المتحدة اكتشفت أخيراً مدى صعوبة عزل روسيا؟
أمريكا تصرُّ على أن روسيا “معزولة” رغم التواصل معها
تقول وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، إن هذه المصافحات والمكالمات الهاتفية تُلقي بظلال الشك على جزء أساسي من استراتيجية الولايات المتحدة، الهادفة إلى إنهاء حرب أوكرانيا المتمثل في أن العزلة الدبلوماسية والاقتصادية، إلى جانب النكسات في ساحة المعركة، ستجبر روسيا في النهاية على سحب قواتها.
ولا يزال بلينكن، رغم الاتصال بروسيا، مصرّاً على أن روسيا معزولة فعلاً. وقال إن سفر كبار مسؤوليها ليس أكثر من محاولة للحد من الأضرار، ورد فعل على الانتقادات الدولية التي تواجهها موسكو بسبب حربها على أوكرانيا.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن روسيا تحاول تعزيز التحالفات القليلة المتبقية لها، وبعضها مع خصوم لأمريكا مثل إيران. لكن البلدان التي تبدو في الظاهر شريكة للولايات المتحدة، مثل مصر وأوغندا، تستقبل كبار المسؤولين الروس بحرارة أيضاً.
وبعد أن قررت الولايات المتحدة في فبراير/شباط أنه لا جدوى من التحدث مع روسيا؛ لأنها لا تتعامل بجدية مع الدبلوماسية، ولا يمكن الوثوق بها، سلّمت بحاجتها إلى التعامل مع موسكو أيضاً.
ويعد اتصال بلينكن بلافروف أرفع مستوى اتصال بين الولايات المتحدة وروسيا منذ 15 فبراير/شباط، أي قبل الغزو الروسي، وقد يمهد الطريق لمناقشات شخصية محتملة، رغم أن مسؤولي الإدارة يقولون إن الإدارة لا تنتوي ذلك، بحسب أسوشيتد برس.
اتصال بلينكن-لافروف يأتي بنتائج عكسية على الخطط الأمريكية
يقول إيان كيلي، الدبلوماسي المتقاعد الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في جورجيا إبان حكم أوباما وترامب: “الروس سيحاولون المماطلة وإذلالنا قدر المستطاع. ولا أظن أن هذا يتماشى مع السياسة العامة للإدارة”.
وقال كيلي إن طلب الاتصال “يأتي بنتائج عكسية لمحاولتنا عزل روسيا”. مضيفاً: “ستنظر دول أخرى إلى هذا وتقول: “لمَ لا نتوسع في تعاملنا مع لافروف أو الروس؟”.
ويبدو أن المحاولات الغربية لإقناع الدول الآسيوية والإفريقية والشرق أوسطية بالابتعاد عن روسيا لم تلقَ اهتماماً، ولافروف مستمر في جولاته حول العالم.
على أن بلينكن قلل من أهمية رحلات لافروف العالمية. وقال إنها رد فعل على الاستقبال الجاف الذي قوبلت به روسيا على خلفية نقص القمح والحبوب الناجم عن حرب أوكرانيا الذي تعاني منه الآن أجزاء كبيرة من العالم النامي، خاصة أن اتفاقية مدعومة من الأمم المتحدة للإفراج عن هذه الإمدادات لم تنفَّذ بعد.
وقال بلينكن: “ما أراه هو لعبة دفاع يائسة لمحاولة تبرير الإجراءات التي اتخذتها روسيا للعالم. فهي تحاول تبرير ما لا يمكن تبريره”.
ويشير مسؤولون أمريكيون وأوروبيون إلى أن روسيا تعرضت لانتقادات حادة بسبب غزو أوكرانيا ونقص الغذاء وأمن الطاقة الذي نتج عنه. ويتحدث مسؤولون، ومنهم بلينكن، بثقة أن لافروف فضّل مغادرة الاجتماع الأخير لوزراء خارجية مجموعة العشرين في إندونيسيا بعد الاستماع إلى سلسلة من الشكاوى من نظرائه عن التأثير العالمي للحرب.
“لافروف يجوب العالم ويلتقط صوراً مع حلفاء أمريكا”
رغم ذلك، لا إشارة على استبعاد روسيا من فعاليات دولية كبرى، مثل المنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا الأسبوع المقبل، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، أو القمم الثلاثية للزعماء في آسيا، المقرر عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني.
ولا تزال روسيا على علاقة وثيقة بالصين والهند والعديد من الدول النامية في آسيا وإفريقيا. وتعتمد دول كثيرة على روسيا في الحصول على الطاقة والصادرات الأخرى، وإن كانت تعتمد أيضاً على أوكرانيا للحصول على الحبوب.
ولم تتجنب الهند روسيا، رغم عضويتها في ما يسمى بـ”الحوار الأمني الرباعي” مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان. والهند التي تجمعها بروسيا علاقة وثيقة طويلة الأمد، عززت واردات الطاقة من روسيا رغم ضغوط الولايات المتحدة وأوروبا.
إذ استهلكت الهند، على سبيل المثال، ما يقرب من 60 مليون برميل من النفط الروسي منذ مطلع 2022 حتى الآن، مقارنة بـ12 مليون برميل فقط عام 2021 كاملاً، وفقاً لشركة بيانات السلع الأساسية Kpler.
على الوجه الآخر من العملة، ألغت الفلبين، حليفة الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي صفقة لشراء 16 طائرة هليكوبتر نقل عسكرية روسية؛ لخشيتها من العقوبات الأمريكية.
وردت وزارة الخارجية الروسية على تأكيدات العزلة الروسية بالتغريد بصور لافروف في عواصم العالم المختلفة.
وكان من ضمن هذه الصور، لافروف في اجتماع مجموعة العشرين في بالي مع وزراء خارجية الصين والهند وإندونيسيا؛ وفي أوغندا مع الرئيس يوويري موسيفيني، وهو شريك قديم للولايات المتحدة، وفي مصر مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو أيضاً شريك للولايات المتحدة، وتتلقى بلاده كل عام مساعدات أمريكية بمليارات الدولارات.
اقرأ ايضاً:بمشروع “عماد فوق السري”.. إيران تٌهدد بإنتاج رأس حربي نووي