هل بمقدور تايوان التصدي لغزو صيني بدون تدخل أمريكي؟
شهدت الآونة الأخيرة تصاعدا في التوتر بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان في ضوء زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي.
ومنذ عقود تنتقد بيلوسي، التي تعد ثالث أعلى مسؤول أمريكي بعد الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، الصين بشدة وتظهر دعمها للمعارضة في الصين بما في ذلك مظاهرات عام 1989 في ساحة تيانانمن في بكين وأيضا تأييد الزعيم الروحي البوذي دالاي لاما والنشطاء المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ.
وأثارت زيارة بيلوسي إلى تايوان (الثلاثاء الثاني من آب/ أغسطس) رد فعل غاضب من الحكومة الصينية، فيما أفادت وزارة الدفاع التايوانية بدخول 21 طائرة عسكرية صينية منطقة الدفاع الجوي التايوانية بالتزامن مع تدريبات عسكرية تجريها بكين بشكل متكرر.
هل ستدافع أمريكا عن تايوان ضد الصين؟
ورغم التأكيد الأمريكي على دعم تايوان، إلا أنه من غير الواضح إلى أي مدى تعتمد تايوان على الدعم الأمريكي لصد أي توغل عسكري صيني.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة دأبت لعقود على التمسك بما يُطلق عليه “الغموض الاستراتيجي” بشأن تايوان المعروفة رسميا بجمهورية الصين الوطنية. إذ حافظت على علاقة ودية مع حكومة الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي لكن دون إقامة علاقات دبلوماسية رسمية أو حتى الاعتراف بها كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة.
ورغم أن واشنطن تقوم ببيع أسلحة ومعدات عسكرية دفاعية لتايوان، إلا أنها لم تعلن التزاما عسكريا بالتدخل في حالة تعرض الجزيرة للعدوان.
في المقابل، ترى الصين جزيرة تايوان جزءا من أراضيها، حيث أعدت خططا لإعادة السيطرة على الجزيرة بالقوةلو تطلب الأمر. كذلك عمدت المؤسسة العسكرية الصينية لعقود على التقليل من قدرات جيش تايوان بالنظر إلى القدرات التي يمتلكها الجيش الصيني الذي يقول خبراء إن سيكون الأقوى من أي قوات قد تنشرها الدول المؤيدة لتايوان لاسيما الولايات المتحدة واليابان في المنطقة. بيد أن الخبراء يشيرون إلى أن هذا لا يعني أن تايوان ستقف عاجزة عن صد أي توغل عسكري صيني.
“استراتيجية النيص”؟
ولا يعد التهديد الصيني لتايوان وليد اللحظة، إذ يعود لعقود مضت. وهو الأمر الذي ساعد الجزيرة ذات الحكم الذاتي على تطوير قدراتها الدفاعية بما يتناسب مع موقعها وحجمها الجغرافي.
وفي إطار التعامل مع قوة عسكرية كبيرة مثل الصين، شرعت تايوان في تبني ما يُعرف بـ “إستراتيجية النيص” العسكرية التي تهدف إلى جعل أي غزو يستهدفها مكلفا وصعبا في الوقت نفسه.
وفي هذا الإطار، قامت تايوان بتخزين كميات كبيرة من العتاد العسكري بما في ذلك الأسلحة المضادة للطائرات والدبابات والسفن وطائرات مسيرة والذخائر منخفضة التكلفة مثل الأنظمة الدفاعية الساحلية المتنقلة التي تملك القدرة على تدمير السفن البحرية والمعدات البحرية الصينية باهظة الثمن.
ويشار إلى أن المقاتلات العسكرية من طراز “الشبح” والقوارب المخصصة للهجوم الصاروخي تعد أسلحة رخيصة الثمن نسبيا، لكنها تمتلك قدرات تدميرية كبيرة، فضلا عن أنه بمقدور تايوان نشر هذه القوارب صغيرة الحجم بين قوارب الصيد الراسية على موانئها.
ويقول الخبراء إن هذه القوارب بالإضافة إلى الألغام البحرية قد تعوق أي عمليات إنزال عسكرية تستهدف تايوان.
منظومة دفاعية بحرية “متعددة”
ويرى الخبراء أن الجيش الصيني في حاجة إلى نقل الكثير من الجنود ومعدات عسكرية كبيرة تشمل مركبات مدرعة وأسلحة وذخيرة ومؤن غذائية وطبية عبر مضيق تايوان من أجل اجتياح الجزيرة بشكل سريع.
وتشكل “جزيرة تايوان” 99 بالمائة من مساحة أراضي البلاد التي تُعرف رسميا بجمهورية الصين الوطنية، لكنها تضم أيضا عددا من الجزر بعضها قرب الشواطئ الصينية، وقد يساعد ذلك على تنبيه جيش تايوان في حالة قيام الصين بشن عمل عسكري بحري.
ومن شأن ذلك أن يمنح القوات التايوانية الوقت الكافي للبدء بإطلاق منظومة دفاعية متعددة الأوجه تقوم على استخدام الألغام البحرية والزوارق الهجومية السريعة والقوارب المخصصة لشن هجمات صاروخية والأسلحة البحرية من أجل استهداف نقاط ضعف القوات الصينية قبل أن تشرع في عملية إنزال عسكري والبدء في عملية التوغل.
حرب العصابات أيضا!
وفي سياق الاستعداد لأي هجوم صيني، أعلنت تايوان استعداد مدنها لسيناريو “حرب العصابات” في حالة نشر الجيش الصيني قوات برية، ما قد يشمل استخدام أنظمة الدفاع الجوي المحمولة وأنظمة متنقلة مضادة للدبابات وراجمات صواريخ من طراز “هيمارس” عالية الحركة مع تحويل المباني إلى ثكنات عسكرية.
وقد أشار تقرير صدر عن مؤسسة “راند” الأمريكية عام 2017 إلى امتلاك تايوان قرابة 2,5 مليون جندي احتياطي بالإضافة إلى مليون متطوع في منظومة الدفاع المدني، وهو ما يمثل إجمالا حوالي 15 بالمائة من تعداد سكان الجزيرة.
الاستمرار في القتال
تعد قضية حماية الأنظمة الدفاعية الرئيسية من أهم أهداف الاستراتيجية الدفاعية للجزيرة في صد أي توغل عسكري يستهدفها، ويتضمن استخدام مقاتلات عسكرية وأنظمة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية أيضا.
يشار إلى أن تايوان قد عززت قدرات جيشها خلال العامين الماضيين بشراء العديد من المقاتلات العسكرية الأمريكية المتقدمة فضلا عن تصنيع مقاتلات تشينغ-كو، فيما جرى نشر العديد من الطائرات في قواعد تحظى بتحصين جيد.
كذلك قامت تايوان بتدريب طيارين على أساليب عسكرية متطورة تشمل الهبوط على الطرق السريعة في حالة قصف المطارات.
ورغم أن الولايات المتحدة قد لا تتدخل عسكريا في حالة تعرض تايوان لهجوم عسكري، إلا أن واشنطن تعهدت بالاستمرار في بيع أسلحة دفاعية لتايوان بالإضافة إلى تقديم الدعم الاستخباراتي.
ومن شأن كل هذه الأمور أن تُرسل رسالة إلى الصين مفادها أن أي حرب تندلع على الأراضي التايوانية ستكون مكلفة ودموية، بيد أن السيناريو الأفضل لتايوان يتمثل في الحيلولة دون نشوب أي صراع.
dw
اقرأ ايضاً:الغارات الإسرائيلية على سوريا.. خلافات مع روسيا؟