السبت , نوفمبر 23 2024

ما دلالات توقيت الدعوة التركية للمصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة؟

ما دلالات توقيت الدعوة التركية للمصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة؟

في خطوة قد تمثل تحولًا استراتيجيًا في الموقف التركي تجاه سوريا، أعربت أنقرة عن دعمها للمصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة، حيث أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أنه دون هذه المصالحة لن يكون هناك سلام دائم.
وكشف الوزير التركي عن عقده لقاء سريعا – لم يفصح عنه من قبل – مع نظيره السوري، فيصل المقداد، العام الماضي، على هامش قمة حركة عدم الانحياز في بلغراد، مضيفًا: “لمنع تقسيم سوريا، يجب أن تكون هناك إدارة قوية للبلاد، يمكنها أن تسيطر على كل ركن من أراضيه، وذلك ممكن فقط من خلال الوحدة”، وفقا لـ”سكاي نيوز”.

ويرى المراقبون أن الخطوة التركية مهمة في ظل إدراك أردوغان أن الأزمة مع دمشق لا يمكن حلها سوى بالحوار، مؤكدين أن تقييم جدية الالتزام التركي بأية تفاهمات مرهون بتطبيقها على أرض الواقع.
فرصة جديدة
قال الدكتور أسامة دنورة، الخبير السياسي والاستراتيجي السوري، عضو سابق في الوفد الحكومي المفاوض في جنيف، إنه مع زيادة حدة الملفات الضاغطة على حكومة أردوغان داخليًا، لا سيما الملف الاقتصادي وملف اللاجئين، تبدو في المقابل إمكانيات المناورة لديه محدودة، فإمكانية شن عمل عسكري واسع النطاق ضد “قسد” دونه الكثير من العقبات.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، فإن “الهجوم التركي من المنظور الانتخابي قد يكون سلاحًا ذو حدين، فمن جهة أولى يمكن لعملية سريعة، يحصد فيها التركي نتائج سياسية وميدانية، أن تكون رافعة انتخابية قوية، ولكن من الجهة الأخرى فإن توغلًا واسع النطاق جغرافيًا وزمانيًا يمكن له أن يتحول إلى مشهد استنزاف للنظام التركي بما يفاقم شعبيته المتراجعة”.

وتابع: “وهذا يوحي بمزيد من التورط غير المدروس وغير محسوب النتائج في المستنقع السوري، حيث يمكن أن يمثل هذا التوسع في التورط التركي اسوأ كوابيس أردوغان ما قبل الانتخابات، ومن هنا يبدو أن النظام التركي قد أدرك (متأخرًا جدًا) حتمية الركون إلى منظور الأمن الجماعي في معالجة الهواجس الأمنية، وحتى الاجتماعية والاقتصادية التركية”.

ويرى دنورة أن هذه التصريحات التركية تمثل الانزياح العلني الأهم في المواقف التركية على مدى أكثر من عقد من الزمان تجاه الوضع في سوريا، وتجعل مشهد الاستراتيجية التركية تجاهها يتبع، وإن بفارق زمني، التحولات التي أنجزها التركي في مواقفه من مصر وبعض الساحات العربية الأخرى، فللمرة الأولى يضع التركي نفسه بموقع الوسيط بين “المعارضة” والدولة السورية، بدلًا من موقع الحليف والحاضن للجماعات الإرهابية وقشرتها السياسية، الأمر الذي يعتبر بمثابة عودة تدريجية تجاه تصفير المشاكل، بعد عقد من التورط التركي في الدول العربية.
واستطرد: “مثلت قمتي طهران وسوتشي فرصة جيدة بالنسبة لتركيا للبدء بسحب سياساتها القديمة، والبدء بطرح معالم مقاربة جديدة تجاه سوريا، ويبدو من الواضح أن الحل الروسي للهاجس الأمني التركي تجاه مناطق سيطرة “قسد” لم يكن ليمر دون الاستجابة إلى مطلب روسي واضح حول ضرورة تحديد خارطة طريق لتفكيك البنى الإرهابية المدعومة تركيًا في مناطق الشمال، فضلاً عن انسحاب الاحتلال التركي ذاته”.

ومن هنا – والكلام لا يزال على لسان دنورة- جاءت التصريحات التركية الأخيرة التي لا يخفف من وقعها – بل يعززها – التوضيح الأخير الذي صدر عن الخارجية التركية حول “الالتزام بالحل وفق القرار ٢٢٥٤ “، وهو ما يمثل لازمة في الخطاب السياسي تمنح الأتراك مساحة واسعة للتأويل، وعلى الرغم من ذلك كله، يبقى تقييم جدية الالتزام التركي بأية تفاهمات مرهونًا بتطبيقها بالاتساع والعمق المطلوبين على أرض الواقع.
قناعة تركية
بدوره قال غسان يوسف، الكاتب السوري والخبير في الشؤون التركية، إن هناك تصريحات تركية متسارعة حول هذا الأمر، فبعد قمة طهران وسوتشي قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب منه التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن اللقاء الذي جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد، وعن اللقاءات الأمنية التي عقدت بينهما.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، تأتي التحركات التركية بعد أن وصلت أنقرة لقناعة كاملة بأنه لا يمكن حل المشاكل مع سوريا إلا عن طريق الحوار، ومن الطبيعي أن تتلقى المعارضة التي تعد “بيادق” في يد أنقرة توجيهات من تركيا بالحوار مع الدولة السورية.

ويرى يوسف أن الدولة السورية لن تتحاور مع هذه المعارضة، بل سيكون الحوار مباشرة مع الدولة التركية، باعتبارها الدولة التي ترعى هذه القوى، كما أن المحادثات ستكون برعاية روسيا باعتبارها الدولة المشجعة على هذا الحوار، وقد يكون هناك رعاية إيرانية.

وأكد أنه في حال انطلقت جلسات الحوار، والبناء عليها بشكل إيجابي، يجب أن يكون هناك عودة لاتفاقية أضنة الموقعة بين البلدين، وبعدها قد يتم إدخال أي تعديلات على الاتفاقية.
وأكد جاويش أوغلو أن فكرة إجراء اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد، غير واردة حاليا، وذلك في أعقاب تقارير صحفية حول إمكانية إجراء الاتصال.

وقال جاويش أوغلو إن “الاتصال بين أردوغان والأسد غير وارد حاليا”، مضيفا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقترح “منذ زمن بعيد على تركيا التواصل مع الأسد”.
وأعلن أردوغان، في وقت سابق، أن بلاده تعتزم شن عملية عسكرية داخل الأراضي السورية لمكافحة “الإرهاب”، وإنشاء ما وصفها بـ”المنطقة الآمنة”؛ مشيرا إلى أن قرارا سيتخذ قريبا بهذا الشأن.
وفيما تقول أنقرة إن وجودها في سوريا يهدف إلى منع التهديد من الفصائل الكردية لها؛ تعتبر دمشق الوجود التركي في البلاد احتلالا.
واحتجت سوريا، في رسالة بعثتها وزارة الخارجية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومجلس الأمن، على نية تركيا شن عملية عسكرية داخل أراضيها.