إدلب.. “تحرير الشام” تحرم الفتيات المتزوجات من التعليم
تعاني الفتيات المتزوجات في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، من صعوبة استكمال تحصيلهن العلمي في القطاع التعليمي العام.
جاء ذلك بعد قرارات مديرية التربية والتعليم التابعة لحكومة الإنقاذ الذراع المدني لهيئة ”تحرير الشام“، بمنع الطالبات النساء المتزوجات في المدارس العامة.
وحرمت القرارات عشرات الفتيات المتزوجات من أدنى حقوقهن في التعليم ومتابعة الدراسة، وذلك في إطار سياسة التضييق الممنهجة التي تتبعها بحق الأهالي والسكان في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرتها.
”أحلام تبددت“
وباءت جميع محاولات فاطمة عبدالقادر (16 عاما) في الحصول على مقعد دراسي في مرحلة التعليم الأساسي بالفشل.
وكانت إدارة المدرسة رفضت تسجيلها ضمن مقاعد الطالبات المتقدمات لامتحان الصف التاسع هذا العام، امتثالا لقرارات ”تحرير الشام“.
وقالت الفتاة إن ”سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية وما رافقها من ظروف النزوح والتهجير دفعتها للقبول بالزواج وهي في سن مبكرة“.
وأضافت لـ“إرم نيوز“ أنها ”لم تكن تعلم أن قرارات حكومة الإنقاذ ستبدد كل أحلامها في متابعة دراستها، خاصة وأنها كانت من المتفوقات والطالبات الأوائل في مدرستها“.
وأشارت إلى أنها ”وافقت على الزواج شريطة سماح زوجها لها بمتابعة تحصيلها العلمي، إلا أن القرارات الظالمة التي تصدرها سلطات الأمر الواقع، قضت على آمالها في استكمال مسيرتها التعليمية“.
وأوضحت أن ”ظروفها الاقتصادية والمعيشية لا تمكنها من الالتحاق بالقطاع التعليمي الخاص والمأجور الذي يحتاج إلى أجور شهرية ومصاريف تصفها بالكبيرة“.
ولفتت ”عبدالقادر“ إلى أنها ”ما زالت متمسكة بحقها في الدراسة طالما أنها محققة لشروط العمر والتسلسل الدراسي والالتزام بالدوام بغض النظر عن وضعها الاجتماعي وهل هي متزوجة أم لا“.
وأكدت أنها ”ستحاول بشتى الوسائل الالتحاق بمقاعد الدراسة التي جعلتها قرارات هيئة تحرير الشام صعبة المنال“.
”قرار ظالم وعبثي“
وما حدث مع ”فاطمة“ انسحب على رائدة الحمود (18عاما) التي حرمت من تقديم امتحانات الصف الثالث الثانوي هذا العام.
ورفضت ثانويات البنات في مدينة إدلب، استقبال الفتاة، شأنها شأن كل الفتيات المتزوجات في مناطق شمال غرب سوريا.
وقالت الحمود إن ”قرار منع الطالبات المتزوجات من الالتحاق بالمدارس العامة، ظالم وعبثي في ظل عدم وجود مبررات للقرار، سوى سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة وسياسة تضييقها الممنهجة على الأهالي والسكان عموماً وعلى النساء خصوصاً“.
وأضافت أنها ”تحاول الآن بمساعدة أحد أقربائها العاملين في مديرية التربية التسجيل ضمن إحدى المدارس الثانوية من خلال إخفاء حالتها الاجتماعية وعدم تدوين زواجها في إضبارة انتسابها للقبول في الثانوية“.
ولا تخفي الشابة نيتها في استكمال تعليمها في القطاع التعليمي الخاص، في حال تعذر عليها الدراسة في الثانويات العامة، بالرغم من أوضاعها المادية والمعيشية الصعبة.
ويعاني قطاع التعليم في إدلب وريفها، منذ سنوات، من صعوبات كبيرة أدت إلى انقطاع آلاف الطلاب والطالبات عن التعليم.
كما توقف عدد كبير من المعلّمين عن ممارسة المهنة، في ظل إشراف حكومة الإنقاذ على العملية التعليمية في مناطق شمال غرب سوريا.
ولم تكن رغد كمال (17 عاما) وهي نازحة في مخيمات بلدة أطمة شمال إدلب، أفضل حالا من سابقاتها.
ومنعت هي الأخرى من التسجيل في مدارس الثانوية، علماً أنها أرملة وزوجها متوفى منذ قرابة السنة.
وقالت ”رغد“ إنها ”اضطرت للانقطاع عن المدرسة بسبب زواجها، ولكن بعد وفاة زوجها العام الفائت بحادث سير، قررت العودة إلى مدرستها ومتابعة تحصيلها العلمي، لتتفاجأ برفض استقبالها بين زميلاتها كونها متزوجة“.
وأضافت لـ“إرم نيوز“، ”أنها لجأت للدراسة في المنزل حيث ستقدم امتحانات الثانوية العام القادمة مع الطلاب الأحرار، لعدم قدرتها على التسجيل في المدارس والمعاهد الخاصة“.
ولا تخفي الشابة صعوبة المنهاج الدراسي المقرر دون معلمين، ولكنها مجبرة على الاعتماد على نفسها في ظل عدم قدرتها على ارتياد المدرسة، وافتقادها لمعيل يساعدها على الأعباء والمصاريف الدراسية.
”تبرير“
من جهتها بررت سهام الكتلاتي (38 عاما) وهي مديرة مدرسة في إدلب المدينة، رفض تسجيل الطالبات المتزوجات في مدارس المحافظة، لقلة أعداد المقاعد الدراسية والكثافة الطلابية الكبيرة التي تشهدها المدارس العامة.
وأضافت الكتلاتي أنها تلقت القرار بشكل شفهي من مندوب مديرية التربية دون قرار خطي ومنصوص، والذي يقضي ”بعدم التسجيل للطالبات المتزوجات في المدارس العامة، تحت طائلة المساءلة القانونية“، مشيرةً إلى أنها تعمل على تطبيق القرار الإلزامي.
وأشارت إلى أن ”القرار أرفق مع عدة أسباب أبرزها عدم قدرة الطالبة المتزوجة على الالتزام بالدوام الرسمي كونها تخضع لرأي وإرادة زوجها“.
وذكرت أن القرار تحدث عن ”الآثار الأخرى التي تمنعها من الالتزام كالحمل والإنجاب الذي سيسبب انقطاعها عن الدوام لفترات طويلة، بالإضافة لقلة المقاعد والغرف الصفية، فالطالبة العزباء أحق بالمقعد الدراسي من نظيرتها المتزوجة“.
وتُجبر فتيات في إدلب وريفها على الزواج المبكر نتيجة عادات وتقاليد، إضافة إلى أعباء اقتصادية تدفع عائلاتهن لتزويجهن حيث سيتكفل الزوج بمصاريفهن، خاصة مع موجات النزوح الأخيرة التي ألقت بظلالها على القاصرات والفتيات دون السن القانونية.
”أجندات سياسية“
بدوره، قال محمد العبدالله وهو ناشط حقوقي مقيم في إدلب، إنه ”لا يوجد أي قرار أو فقرة تمنع النساء المتزوجات من التعليم في الدستور والقانون السوري“.
وأضاف العبدالله أن ”ما يحصل من قرارات منع لا تمت للقوانين بصلة، إنما هي قرارات تتبع لأجندات وسياسات معينة“.
وتابع: ”الدستور السوري يكفل حق التعلم لكل مواطن سوري وهو إلزامي ومجاني في مرحلة التعليم الأساسي، ومجاني لكن غير إلزامي في المرحلة الثانوية وبرسوم رمزية للتعليم الجامعي“.
وأشار إلى ضرورة العمل على تطوير القطاع التعليمي في محافظة إدلب، ليشمل كل الفئات العمرية والاجتماعية من خلال تسهيل العملية التعليمية وليس خلق الصعوبات والعثرات في وجه الطلاب الراغبين في إكمال مسيرتهم التعليمية.
وتواصلت ”إرم نيوز“ مع مديرية التربية التابعة لحكومة الإنقاذ في محافظة إدلب، للوقوف على القرار ”غير القانوني“، إلا أنها لم تتلق أي رد أو استجابة.