لم يكن مفاجأة للسوريين اختفاء الكثير من المواد. وفي مقدمتها المتة التي باتت المشروب الأكثر رواجاً في العديد من المناطق والمحافظات والتي ساهمت الحرب بتغلغلها في مجتمعات جديدة نتيجة الاختلاط والحياة الاجتماعية المستجدة بفعل النزوح أيام الحرب. حيث ازداد استهلاك هذا المشروب الذي لا يمكن تجاهل شعبيته وحضوره التجاري في الأسواق.
ولا شكّ أن سيناريو انقطاع المواد بات مكرراً وأكثر تقبلاً من الناس. ولكن بشكل إجباري لعدم توفر الحلول وغياب الجهات الرقابية والعقوبات الرادعة. فقد شهدت السنوات الماضية ذلك تحت ذات المبررات والأعذار التي تشرعن مثلاً انقطاع المتة من المحلات تمهيداً لرفع أسعارها بشكل كيفي واحتكارها تحت بند الندرة وقلة المادة. هذا عدا عن اندفاع الناس للشراء بكميات كبيرة لتخزينها خوفاً من غيابها بشكل كامل. وهذا ما عمّق من أزمة المتة التي لا تختلف عن واقع الكثير من المواد المحتكرة والتي يتمّ التلاعب بأسعارها لمصلحة بعض المحتكرين وغياب الدور الرقابي العاجز بل الذي ينخرط في مسلسل تبرير ما يجري على أنه شحّ بهذه المادة في السوق نتيجة تخفيض الكميات الموزعة من قبل بعض الموردين بهدف إلهاب السوق وتحقيق أرباح جديدة، رغم تصريح الشركات المنتجة ومستوردي هذه المادة بطرح كميات كافية في الأسواق والذين يتهمون بتصدير المتة للأسواق الخارجية أو تهريبها وبأسعار عالية جداً.
المتة متوفرة
الدكتور حسام نصر الله مدير حماية المستهلك أكد أن المتة متوفرة ولم يستجدّ على واقع المادة من ناحية الكميات أو الأسعار أي جديد. لافتاً إلى أنه خلال زيارته لإحدى الشركات المنتجة تبيّن أن هناك زيادة في الإنتاج والتسويق، وأعاد المشكلة إلى ثقافة المواطن التي تدفعه لتخزين المادة خوفاً من فقدانها وارتفاع أسعارها.
وبالعودة إلى واقع الأسواق وأخذنا معدل ارتفاع الأسعار فيها لبعض المواد كالسكر مثلاً أو أجرة التاكسي والمتة، نجد أن هناك بورصة نشطة ومفتوحة الاحتمالات والأرباح، فاليوم سعر السكر يتجاوز الـ6 آلاف ليرة، وأجرة التاكسي باتت بالآلاف أيضاً حسب الوجهة، والمتة النصف كيلو أكثر من 12 ألف ليرة، و7 آلاف للعلبة 250 غراماً، بالإضافة إلى ندرتها في الأسواق. ما أدى إلى تضاعف أسعارها إلى أرقام فلكية عند مقارنتها بمستوى الدخل وتحديداً الرواتب والأجور. فراتب الموظف بالكاد يشتري 10 علب من تعبئة النصف كيلو.
التحليل المالي
وهنا نستعين بما قدّم خلال الفترة الماضية في مجال التحليل المالي لقياس تآكل القوة الشرائية للموظف السوري بالاعتماد على مؤشر السكر وأجور النقل وخاصة التكاسي وعلبة المتة، وبعمليات حسابية بسيطة ومتواضعة، وبالاقتباس من العمليات الحسابية التي أجراها سابقاً الخبراء والباحثون الاقتصاديون وجدنا أنه في عام 2010 كان سعر كيلو السكر يتراوح مابين 15 و25 ليرة، وأجرة التاكسي أيضاً بـ25 ليرة وعلبة المتة بـ25 ليرة. واليوم كما حدث في السكر وأجور النقل سعر العلبة نفسها 5,500 ليرة في المحلات، وبالسعر النظامي تقريباً يعني زاد سعر العلبة 200 ضعف. وإذا كان وسطي الرواتب 15000 ليرة في العام 2010 فهذا يعني أن وسطي الرواتب في العام 2022 يجب أن يكون 300000 ليرة لتبقى القوة الشرائية لدخل الموظف.
وفي السياق ذاته يأتي ما بشّر به أحد مستشاري رئاسة مجلس الوزراء أن الأيام القادمة ستشهد ارتفاعاً متصاعداً في الفاتورة الغذائية للأسرة السورية، ليكون مؤشراً على المستوى المعيشي الذي سيتراجع بشكل حاد، وصارت بما يفرض على العائلات أنظمة تقنين على نفسها بالنوعية والكم وبشكل كبير نظراً لصعوبة الحصول على أبسط الحصص الغذائية، فالأسرة تحتاج الآن أكثر من مليون ليرة شهرياً لتأمين احتياجاتها الغذائية دون النقل والاستطباب والدراسة واللباس وأجرة المنزل، لترتفع فاتورة النفقات الأسرية إلى أكثر من 3 ملايين ليرة شهرياً. فهل تملك الجهات المعنية إجابات غير تلك المبررات التي تعلق دائماً على مشاجب الحصار رغم أن الحقيقة غير ذلك؟.
البعث
اقرأ أيضا: خبير اقتصادي: سوريا طموح لكل المستثمرين