اتفقت مجموعة دول السبع على تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، في محاولة لإعادة ضبط أسعار الخام عالمياً، وخفض إيرادات روسيا من مبيعات النفط.
ويطمح الغرب في المقام الأول، إلى إلحاق هزيمة “مالية” بروسيا، التي تحصد ثمار ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية، كالنفط الخام والغاز الطبيعي، وحتى الفحم.
هذا المقترح يعود إلى مطلع أبريل/نيسان الماضي، عندما كان سعر برميل النفط 120 دولاراً، إلا أن الغرب يرى في تحقيقه خطوة كبيرة نحو غلق شرايين النقد الأجنبي لموسكو.
لكن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يحاول المضي بالمقترح بين حبات المطر، دون أن تتسبب قراراته في دفع أسعار النفط لمزيد من الارتفاعات الجنونية.
حالياً، يبلغ سعر برميل برنت قرابة 95 دولاراً كمتوسط، وهي أسعار يراها الغرب تزيد بمقدار 30 دولاراً عن المتوسط المقبول بالنسبة لها.
وتعتبر روسيا في الوضع الطبيعي، ثالث أكبر منتج للنفط الخام بعد الولايات المتحدة والسعودية، بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 11 مليون برميل، تصدر منها قرابة 5 ملايين برميل يومياً، و2.8 مليون برميل يومياً من المشتقات.
ماذا يعني مشروع تحديد الأسعار؟
تريد القوى السبع، وضع سقف لسعر برميل النفط الخام الروسي، بحيث تلتزم الدول المستهلكة له، بعدم تجاوز المبلغ المتفق عليه في عقود الشراء من روسيا.
لكن الدول السبع لم تضع أي سعر تقريبي للسقف الذي تطمح له، ويتوقع أن يكون هذا البند، آخر نقطة في المشروع، بعد الاتفاق مع كبار مستهلكي الخام الروسي.
وتريد هذه القوى من وراء القرار، خفض أسعار النفط الخام عالمياً، من خلال توفير نفط روسي بسعر مخفض لصالح المستهلكين، وهي مسألة ربما ليست الأهم من المسألة الثانية.
المسألة الثانية تتمثل في الضغط مالياً على موسكو، التي تتخذ من أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم، مصدر دخل رئيسي، وقناة لتمويل الحرب ضد أوكرانيا.
لكن رحلة إقرار السعر ما تزال طويلة، إذ يتعين على القوى السبع إقناع أكبر مستهلكي النفط الخام الروسي، وهما الصين والهند، اللتان لم تلمحا إلى أية موافقة على الخطة الغربية.
الصين هي أكبر مستورد للنفط الخام الروسي بأكثر من مليون برميل يومياً، وكذا الأمر بالنسبة للهند، وهما قبل هذه الخطة، مستفيدتين من خصومات موسكو على مشترياتهما.
روسيا بدورها، صرحت علانية بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات دول الغرب تحديد سقف لنفطها، ما قد يكون أحد الخيارات أمام الكرملين، حظر تصدير الخام الروسي لإشعال الأسواق بأسعار مرتفعة.
روسيا فعلياً، مسؤولة عن إنتاج قرابة 10.5 بالمئة من الطلب العالمي على النفط الخام، وهي كمية كبيرة، قد تضعف تحقيق أهداف القوى الغربية، خاصة مع تراجع الاستثمارات العالمية في مشاريع الطاقة الاحفورية.
وفعلا، قالت السعودية والإمارات، وهما من أكثر دول العالم لديهما طاقة إنتاج فائضة، تبلغ قرابة 2 – 3 ملايين برميل يومياً فوق إنتاجهما الفعلي، إن سوق الإنتاج العالمي اقتربت من الوصول للطاقة الإنتاجية القصوى.
كذلك، ينص المقترح الغربي على حظر تأمين شحنات النفط الخام الروسي للأسواق العالمية، وهي نقطة قوة في صالح هذه الدول التي تملك قرابة 90 بالمئة من شركات التأمين المؤمنة على الملاحة البحرية.
تطمح الدول السبع لتنفيذ خطة تحديد سقف الأسعار بحلول 5 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بالنسبة للنفط الخام، و5 فبراير/شباط المقبل، بالنسبة للمشتقات.
ما هي طبيعة تحديد السقف؟
تفرض الآلية تخفيضاً عن سعر السوق من أجل الحد من الموارد التي تجنيها روسيا من بيع المحروقات، مع إبقاء الأسعار أعلى من كلفة الإنتاج للحفاظ على حافز للتصدير.
ووفقاً لمسؤول في الخزانة الأمريكية، فإنّ التخفيض الذي سيتمّ احتسابه بشكل منفصل للنفط الخام والمنتجات المكرّرة، ستجري مراجعته بشكل منتظم.
هل هناك سوابق؟
تمّ بالفعل تطوير أنظمة لمنع دولة ما من التصدير كما هي الحال حالياً مع إيران أو فنزويلا، أو للحدّ من التبادلات كما جرى في العراق في إطار برنامج “النفط مقابل الغذاء” (1995-2003)، لكن المجتمع الدولي لم يفرض بعد سعراً مختلفاً على بلد ما.
هل يمكن للمشروع أن يمتدّ إلى خارج “مجموعة السبع”؟
قام أعضاء “مجموعة السبع” بالحد من مشترياتهم من النفط الروسي أو حتى تعليقها. ولكن كي يكون لمشروع فرض سقف على سعر النفط تأثير؛ يجب أن يُعتمد من قبل دول أخرى، وخصوصاً من قبل زبائن كبار للنفط الروسي مثل الهند أو الصين.
تسعى “مجموعة السبع” لجذب الدولتين إلى مبادرتها من خلال التلويح لهما بإمكانية التفاوض على أسعار أدنى، لكن بيل أوغرايدي من “كونفلوينس انفستمنت” يشير إلى أن “الصين والهند تشتريان بالفعل نفطهما بسعر أقل” من روسيا.
وفي إشارة إلى الدول التي لم تشارك حتى الآن في العقوبات المفروضة على روسيا منذ غزو أوكرانيا، يرى جون كيلدوف من “أغين كابيتال” أنها “لن تتبع” تحديد سقف للسعر.
كيف سترد روسيا؟
كي يصبح تحديد سقف السعر مؤثّراً، يجب على روسيا الامتثال له ومواصلة التصدير إلى الدول التي تبنّت هذا المبدأ.
ولكن ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الحكومة الروسية لمسائل الطاقة، حذّر الخميس من أنّ روسيا لن تبيع النفط إلى الدول التي تحدد سقفاً للسعر.
وقال في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء الروسية: “في ما يتعلق بالقيود المفروضة على الأسعار.. لن نقوم ببساطة بتسليم النفط أو المنتجات البترولية إلى الشركات أو الدول التي تفرض مثل هذه القيود”.
بالنسبة لجون كيلدوف، فإنّ ارتفاع الأسعار الذي سُجّل الجمعة، ناتج بشكل جزئي عن رد الفعل السلبي للسوق على إعلان “مجموعة السبع”، ممّا يثير مخاوف من انكماش في العرض العالمي ومن ارتفاع جديد في الأسعار.
ورغم أنّ الأسعار انخفضت بشكل كبير عن الذروة المسجلة في بداية الحرب على أوكرانيا؛ فإنها لا تزال مرتفعة تاريخياً ومتقلّبة بشكل كبير.
هل يضع تحديد سقف للسعر العقوبات الأوروبية موضع تساؤل؟
يتحضّر الاتحاد الأوروبي (باستثناء ثلاثة من أعضائه) لحظر استيراد النفط الروسي اعتباراً من الخامس من كانون الأول/ديسمبر، وأيضاً لمنع شركات التأمين الأوروبية من تغطية عمليات النقل إلى وجهات أخرى خارج الاتحاد الأوروبي.
ويقول بيل أوغرايدي إنّ “واشنطن قلقة بشأن هذه القيود على التأمين؛ لأنه سيكون لها تأثير كبير” على الوضع من دون إمكانية منح إعفاءات، وستشل نسبة كبيرة من الصادرات الروسية، ما سينعكس زيادة في الأسعار.
في الواقع، يتمّ تأمين حوالي 90% من نقل النفط بحراً عبر شركات من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، التي انضمّت إلى العقوبات الأوروبية على روسيا.
ويؤكد بيل أوغرايدي أنّه إذا دخل حظر التأمين أو إعادة التأمين حيّز التنفيذ، فإنّ “الصادرات الروسية ستنخفض حقاً”.
عربي بوست
اقرأ أيضا: القوات الأمريكية تواصل سرقة النفط السوري من حقول الجزيرة باتجاه الأراضي العراقية