السبت , نوفمبر 23 2024
سيدة «جامعة أموال» تهرب من المودِعين

سوريا: سيدة «جامعة أموال» تهرب من المودِعين

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سورية، يلجأ مواطنون للبحث عن زيادة مصادر دخولهم، عن طريق تشغيل ما ادّخروه من أموال واستثمارها في بعض المشاريع لتكون سنداً لهم مقابل غلاء الأسعار، ليتجه بعضهم إلى وضع أموالهم مع أشخاص يعملون في العقارات أو في بيع الألبسة وما إلى ذلك من دون وجود أدنى مقومات الأمان لنقودهم.

وفي السياق، تقول إحدى السيدات من منطقة التضامن بدمشق لـ«الوطن»: «لقد تعرّضت لعملية نصب من صديقتي التي وضعت معها مبلغ أربعة ملايين ليرة منذ نحو عام لكونها تعمل في بيع الأجهزة الكهربائية وملابس (البالة)، لأفاجأ في شهر كانون الأول من العام الماضي بأنها تركت منزلها من دون أن يعرف أحد من عائلتها إلى أين ذهبت»، مشيرة إلى أنها رفعت دعوى عليها بالاشتراك مع عدة أشخاص آخرين تعرضوا لعملية النصب ذاتها، لتتم متابعة الأمر لدى الأمن الجنائي.

ولم تقتصر عملية النصب على الأشخاص الذين أودعوا مبالغ قليلة فقط، وإنما طالت المقتدرين مادياً أيضاً، إذ أشارت طبيبة أسنان – فضّلت عدم ذكر اسمها- أيضاً إلى أنها أودعت مبلغ 75 مليون ليرة لدى السيدة ذاتها منذ بداية عام 2021، على أن تدفع لها فائدة شهرية قدرها 3.75 ملايين ليرة لكونها اتفقت معها أن تكون نسبة الفائدة 5 بالمئة من المبلغ الذي أعطته إياها.

وحول دوافعها لإيداع أموال في مشاريع كهذه رغم أنها تعمل كطبيبة، اعتبرت أن ذلك يعد أفضل لها من شراء ذهب مثلاً أو الاحتفاظ بالنقود التي تفقد قيمتها عاماً بعد عام.

ولمعرفة مدى قانونية وجود أشخاص يجمعون أموالاً بقصد تشغيلها أو حتى شركات، بيّن مدير مديرية الشركات في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك زين صافي في تصريح لـ«الوطن» أنه لا يوجد نهائياً في القانون ترخيص لمثل هذه الشركات، ولكن منذ عدة سنوات كانت بعض الشركات المرخصة تعمل بجمع الأموال بشكل مخالف قانوناً للغاية التجارية المرخصة من أجلها، مشيراً إلى أنه عندما ترد شكوى للجهات المعنية حول وجود مثل هذه الشركات تتخذ المديرية إجراء إما بتوقيف السجل التجاري للشركة أو شطبها وذلك حسب الإجراء المتخذ لكل حالة.

وفي السيّاق، أوضح صافي أنه لا يمكن الترخيص لمثل هذه الشركات، لأن ذلك يعني تشريعها وهذا يحتاج إلى الكثير من الدراسات مع عدة جهات منها المصرف لمنع تحريك الأموال إلا ضمن غاية الشركة، لأن ذلك يعتبر تشريعاً لأعمال من الممكن أن تستخدم في النصب.

أما الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد، فقد أشار في تصريحه لـ«الوطن» إلى أن هذه الحالات ليست جديدة على الشارع السوري، فهي تعود إلى التسعينيات من القرن الماضي حيث كان يقوم بعض الأشخاص بجمع أموال لفتح مشروع معين أو منشأة ما ليلوذوا فيما بعد بالفرار، والمثال على ذلك موجود، كشركة «شجرتي» التي تم كشفها قبل نحو عامين، متابعاً: «المخاطر تتمثل بأن هذه الشركات غير مأمونة الجانب وغير مرخصة ونشاطها التجاري غير معروف، وخاصة أننا لا نزال في حرب اقتصادية فمن غير المعروف وجهة هذه الأموال، وهل سيتم العمل بها ضمن الأطر الرسمية أم للمضاربة على العملة على سبيل المثال، فمن الممكن أن تتعرّض هذه الأموال للسرقة أو تراجع قيمتها بحكم الظروف الاقتصادية المتراجعة».

وأكد محمد أن هذه النشاطات والشركات مخالفة للقانون الذي لا يحمي المخالفين، ولكن تعاني سورية من أنها تفتقر لوجود الشركات المساهمة، فمثلاً في مصر يوجد نحو 80 ألف شركة مساهمة وفق آخر إحصائية، في حين يوجد نحو 52 شركة مساهمة في سورية وفق إحصائية تم القيام بها منذ نحو عامين، لافتاً إلى أن التشريع الأفضل والموجود في قانون الشركات رقم 29 لعام 2011 هو إنشاء شركات مساهمة وإدراج أسهمها في سوق دمشق للأوراق المالية، ليشتري الأشخاص أسهماً ويصبحون مالكين في إحدى الشركات التي يجب أن تكون قائمة بذاتها ومرخصة أصولاً وتمتلك سجلاً تجارياً ويكون نشاطها معروفاً وتزاول مهنتها.

وأردف إن التشريع لأشخاص للعمل بتشغيل الأموال يعني الدخول بمتاهات كبيرة، بضمانات مستحيلة، على عكس الاكتتاب ضمن شركة لها قيمة سوقية ولديها عقارات وأصول، وعندما تنخفض أرباحها إلى حد الإفلاس يتم إجراء تصفية بموجب قانون الشركات.

في السياق ذاته، رأى محمد أن ما يدفع بعض الأشخاص للمخاطرة بأموالهم هو البيئة الاقتصادية الموجودة التي تعد معدلات الفقر والبطالة فيها مرتفعة وادّخار الأموال صعب جداً، خاصة في ظل صعوبة تأمين مستلزمات المعيشة، فمن يبتسم له القدر ويجمع مبلغاً معيناً عن طريق جهد أو قرض وما إلى ذلك يصطدم بصخرة الواقع الذي لا توجد فيه مشاريع يمكن أن تقام بمبالغ أقل من عشرة ملايين ليرة، فيفضل الأشخاص تشغيل أموالهم والحصول على (فائدة مبطّنة).

الوطن

اقرأ أيضا: عرنوس: نظام الحوافز الجديد قيد الصدور