قطار «التسويات» يحطّ في إدلب: خطوة سوريّة أولى… نحو أنقرة
علاء حلبي
في ما يمثّل استكمالاً لمسار «التسويات والمصالحات» الذي بدأته منذ أعوام في جنوب سوريا وبعض مناطقها الشرقية والشمالية الشرقية، بدأت دمشق خطواتها في الاتّجاه نفسه في الشمال، وتحديداً في إدلب ذات الخريطة العسكرية الشديدة التعقيد. وعلى رغم اتّساق هذه الخطوة مع المسار المُشار إليه، وارتباطها مباشرة أيضاً بالمساعي الحكومية لإيجاد حلّ لمعضلة النازحين واللاجئين، إلّا أنها لا تبدو منفصلة عن مسار التقارب بين دمشق وأنقرة، والذي يبدو أن ثمّة تفاهماً على إطلاقه من البوّابة الإنسانية والاجتماعية، الممتدّة إلى العمق التركي، حيث البحث على أشدّه عن فرصة للتخلُّص من عبء اللاجئين السوريين
في منطقة خان شيخون في ريف إدلب، وعلى مقربة من خطوط التماس مع منطقة سيطرة الفصائل المسلّحة، افتتحت الحكومة السورية مركزاً لتسوية أوضاع المطلوبين، يُعتبر الأوّل من نوعه الذي يغطّي الشمال الغربي من سوريا. وتندرج هذه الخطوة ضمن تسهيلات عديدة أعلن عنها محافظ إدلب، ثائر سلهب، خلال تصريحات إلى وسائل إعلام محلّية، وهي تشمل المتخلّفين عن أداء الخدمة العسكرية، والفارّين منها، والمطلوبين للجهات الأمنية، وفق مرسوم العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس بشار الأسد، والذي أقرّ عدم خضوع هؤلاء لأيّ مساءلة قانونية. واللافت في المركز الجديد، والذي يأتي افتتاحه استكمالاً لمسار بدأته دمشق قبل أعوام لحلحلة ملفّات عديدة (أبرزها ملفّ الجنوب السوري)، تَوجُّهه نحو محافظة إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، وتنتشر فيها فصائل «جهادية» أخرى، بالإضافة إلى احتوائها وجوداً عسكرياً تركياً في مناطق وقواعد عديدة، ما يمكن أن يمثّل، وفق مصادر سوريّة تحدّثت إلى «الأخبار»، خطوة واضحة من دمشق، على طريق التقارب السوري – التركي الذي ترعاه موسكو وطهران.
وفي هذا السياق، يَلفت العضو في «هيئة المصالحة السورية»، عمر رحمون، خلال حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «الحكومة السورية تنْظر إلى قضية النازحين واللاجئين السوريين على أنها أولوية وواجب، حيث تحاول بشكل مستمرّ توفير جميع السبل اللازمة لإعادتهم إلى منازلهم وقراهم ومدنهم»، معتبراً أن «أهمّية المركز الجديد تكمن في أن عمله غير محدَّد بزمن، إضافة إلى التسهيلات العديدة التي يقدّمها لِمَن يودّ العودة». وإذ يُعرب عن اعتقاده بـ«وجود رابط بين توقيت فتح هذا المركز، وبين التحرّكات السياسية والنقاشات المستمرّة للتطبيع بين دمشق وأنقرة»، فهو يرى أن «دمشق بادرت بخطوة كبيرة يمكن أن تحلحل تعقيدات ملفَّي إدلب واللاجئين السوريين، غير أن هذه الخطوة يجب أن تكون مقرونة بتحرّك تركي واضح، عبر فتح المعابر وتأمين سُبل وصول السوريين إلى مركز التسوية»، منبّهاً إلى أن «عدم قيام تركيا بهكذا خطوة سيعيق بشكل كبير عودة النازحين السوريين الذين يرغب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في التخلُّص منهم في أسرع وقت ممكن، بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي تلعب فيها قضية اللاجئين دوراً كبيراً».
وخلال السنوات الماضية، عرقلت تركيا عمل معابر إنسانية افتتحتْها دمشق مع إدلب، لتسهيل عودة النازحين إلى قراهم والطلّاب إلى مدارسهم، وفق ما يقول رحمون. وبالتالي، فإن افتتاح مركز التسوية الجديد يشكّل اختباراً فعلياً لمدى جدّية أنقرة هذه المرّة في تأمين عبور النازحين داخل إدلب إلى قراهم، وعبور اللاجئين على أراضيها إلى منازلهم في المحافظة السورية. وتتّسق الخطوة السورية الجديدة، مع السياق الذي نحت إليه التطوُّرات الميدانية في سوريا خلال الأعوام الأربعة الماضية، حيث برز دور مراكز التسوية كعنصر أساسي في سياسة إعادة الهدوء إلى المناطق الساخنة، والتي حظيت بدعم ورعاية من موسكو، في ظلّ اهتمام الأخيرة، بالشراكة مع سوريا ودول جوارها (العراق والأردن ولبنان)، بحلّ مشكلة اللاجئين السوريين وتأمين سُبل عودتهم، وهو ما يمكن أن يشكّل مدخلاً أيضاً لتركيا للانضمام إلى هذه الجهود.
خلال السنوات الماضية، عرقلت تركيا عمل معابر إنسانية افتتحتْها دمشق مع إدلب
وعلى الرغم من أهمّية الخطوة السورية الأخيرة «في سياق العمل على حلحلة ملفّ إدلب المعقّد»، وفق ما يؤكد رحمون، إلّا أن عضو «هيئة المصالحة» يرى أن هذه الخطوة منفصلة عن ملفّات أخرى معقّدة يجب على تركيا أن تتحرّك لحلّها، إذا أرادت المُضيّ في مسار الانفتاح، ومن بينها وقف دعم الفصائل المسلّحة، والانسحاب من المناطق التي دخلها الجيش التركي بشكل غير شرعي، بالإضافة إلى ملفّ المياه. وقد كان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، صريحاً خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل نحو عشرة أيام، حين شدّد على ضرورة معالجة تلك المسائل، مُبدياً في الوقت نفسه عدم ثقة دمشق بالتصريحات، في انتظار أن تقترن أقوال أنقرة بالأفعال.