البعض ينظر للفشل على أنه مصدر للإحباط واليأس، فيما ينظر إليه آخرون على أنه فرصة ملائمة للتعلم.. ومن الناحية العملية، قلما تجد شخصاً حقق نجاحاً بارزاً دون المرور بسلسلة من الأخطاء والفشل مرة تلو الأخرى، سواء في الحياة المهنية أو في مجالات الدراسة المختلفة أو حتى في الحياة العاطفية. كذلك نجد أن البعض يميلون للتعلم من أخطائهم بعد مواجهتها، فيما يميل آخرون لدفن رؤوسهم في الرمال وتجاهل الدروس المستفادة من الفشل وتكرار الأخطاء ذاتها أكثر من مرة… فما السبب وراء ذلك؟ وهل هناك عوائق فعلية تمنع البعض من التعلم من أخطائهم بالفعل؟
التعلم من الأخطاء.. مهارة من الممكن أن تكتسب
يزداد الشعور بالفشل سوءاً عندما تعتقد أنَّك صادفته وحدك. لكن في واقع الأمر، جميعنا نمر بالتجارب الفاشلة، ويجب اعتبار تلك التجارب على أنها فرصة للتعلّم تغنينا عن تكرار الأخطاء ذاتها أكثر من مرة.
مع ذلك، تبين الأبحاث أنَّ معظمنا يعجز عن الاستفادة من عدد كبير من أخطائه.
فقد أظهر بحث أجرته لورين إسكريس وينكلر وأيليت فيشباخ من كلية “بوث” لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو أنَّه على الرغم من أنَّ الدروس المستخلصة من الفشل هي أفضل سبيل للتعلم وتطوير الذات، يميل الناس إلى عدم التعلّم من أخطائهم.
تعمَّق مركز “Greater Good Science Center” بجامعة كاليفورنيا في بحث هذه النتائج، التي تُظهر العوائق العقلية المانعة للناس من تحقيق أقصى استفادة من أخطائهم، وكيفية التغلب على هذه العوائق الشائعة.. إليكم أبرز تلك العوائق وكيفية التخلص منها:
1- اعتبار الفشل أمراً شخصياً للغاية
الأنا هي عدو التعلم. هذه هي كلمة السر الأولى التي يجب عليك معرفتها في حال أردت التعلم من أخطائك.
الاعتراف بالأخطاء قد يقلص من ثقتنا بأنفسنا، ويشوه صورتنا عن أنفسنا، فنعتقد أننا ربما نكون غير أذكياء كفاية.
كي تتعلم من أخطائك يجب ألا تفكر بهذا الشكل، وألا تأخذ الأمر على محمل شخصي، وتقتنع أن الاعتراف بالأخطاء ومواجهتها ستساعدك على تصحيح التصورات الخاطئة والبحث عن معلومات جديدة وتوسيع آفاقك.
إذاً، كيف تتأكد من أنّ غرورك لا يعيق تطوير ذاتك؟
تتمثل إحدى الأساليب في محاولة وضع مسافة ذهنية بينك وبين الخطأ الذي تحاول التعلّم منه.
يشير مركز “Greater Good Science Center” إلى أنَّ هذا ينطوي على التفكير في تجربتك الشخصية من منظور خارجي كأنك طرف ثالث محايد، وصياغة السؤال بهذه الطريقة: “لماذا فشل رامز؟” بدلاً من “لماذا فشلت أنا؟”، قد يبدو هذا سخيفاً، لكنها طريقة أثبتت فعاليتها على أرض الواقع.
2- إخفاء الأخطاء
يميل الناس إلى إخفاء إخفاقاتهم، بدافع الشعور بالخزي. لكن إحدى أفضل السبل للتعلم من الأخطاء هي تحويلها إلى قصص ملهمة يستفيد منها آخرون.
تماماً كما يفعل المتحدثون الملهمون الذين يحوّلون أخطاء الماضي إلى عبارات تحفيزية.
يبين البحث أنَّ تأطير أخطائك بهذه الطريقة يساهم في تحويل التقديرات الخاطئة إلى دروس حياتية مفيدة. أفاد تقرير مركز “Greater Good” أنَّ “طلاب المدارس الثانوية الذين شاركوا أخطاءهم مع طلاب المدارس الإعدادية استطاعوا الحصول على درجات أفضل من أولئك الذين امتنعوا عن مشاركة أخطائهم”.
سيساعدك مجرد الحديث عن أخطائك والدروس التي اكتسبتها بشق الأنفس مع أصدقائك أو زملائك في العمل في استخلاص الدروس المستفادة من تجاربك القاسية.
3- قمع المشاعر
هل الفشل شعور جيد؟ بالتأكيد، لا. الفشل شعور مؤلم ومروع، لكنَّه ضروري.
يعتبر الألم طريقة طبيعية تشجعنا على تعلّم عدم تكرار فعل خطأ ما. لذا، كلما قمعت الألم، قمعت فرصتك في التعلم. يجب السماح لنفسك بالشعور بألم تجاربك الفاشلة إذا كنت تريد الاستفادة منها لتصبح أكثر حكمة على المدى الطويل. لذا، لا تحاول قمع مشاعر الألم أو الهروب منها بوسائل إلهاء.
4– عدم محاولة فهم سبب الوقوع في الخطأ
عندما ترتكب خطأً، فمن السهل الانغماس في حلقة مفرغة من تأنيب الذات والشك في كل خطوة لاحقة تخطوها. يعتبر التدبر والحزن جزءاً من عملية التعايش مع الفشل، لكن التركيز المفرط على تفاصيل إخفاقك لا يساعدك في الواقع على التعافي وتطوير الذات والاستفادة من كل ما تعلمته من التجربة السابقة.
ماذا تفعل؟ وفقاً لمركز “Great Good”، ركَّز أولاً على تحديد سبب وضع نفسك على مسار يسمح لك بالفشل، بالإضافة إلى أنَّ وضع هدف واضح بعيد المدى قد يساعدك على تحمل الفشل قصير المدى.
يقول سيمون سنيك، الكاتب البريطاني الأمريكي والمحاضر التحفيزي، إنَّ “فهمك للسبب يعد طريقة رائعة لتعزيز مرونتك النفسية والعقلية لمواجهة نكسات الحياة العديدة التي لا مفر منها”.
5- المغالاة في تأنيب الذات
مرة أخرى، ليس من المفترض أن يتسبب الفشل في حزن عظيم، لأنَّ الغلو في لوم النفس وتأنيب الذات بسبب ارتكاب الأخطاء يثبط عزيمتك ويصرفك عن استخلاص دروس قيّمة من تجربة الإخفاق.
بالتأكيد، ينبغي لك التفكير في أسباب الخطأ المرتكب وفرص تجنّبه لاحقاً، لكن لا تهدر طاقتك في اجترار العيوب وأوجه القصور إلى ما لا نهاية.
بدلاً من ذلك، يشير البحث إلى ضرورة إظهار بعض التعاطف مع الذات، وتشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أنَّ فرص التطور الذاتي تزيد في حال تحدثت بلطف مع نفسك في أعقاب الفشل، وفقاً لما ورد في مجلة Inc الأمريكية.
وبدلاً من النظر إلى الفشل باعتباره شهادة توثّق نقاط ضعفك الشخصية، ذكِّر نفسك دائماً أنَّ الخطأ صفة بشرية، وأنَّ السؤال الحقيقي، الذي تحتاج إلى الإجابة عنه، ليس ما إذا كنت ستفشل أم لا، بل ما يمكن أن تتعلمه من التجربة.
اقرأ أيضا: ما هو فارق العمر الأفضل لاستمرار العلاقة بين الشريكين؟