زواج الأقارب يتسبب بـ 1000 مرض.. و بـ 70 % من الإعاقات في سورية!
لينا عدره
حياتنا عبارة عن غرفة عمليات في مشفى، حالة طوارئ مستمرة، ومراجعة أسبوعية للطبيب، وعلاج يومي بتكلفة كبيرة، كلّ هذا لأنني تزوجت ابن عمي، وكلانا حامل للتلاسيميا، لتتحوّل حياتنا وحياة طفلينا إلى جحيمٍ. هكذا كان حال ندى التي سبقت دموعها كلماتها وهي تقصّ علينا معاناتها وآلامها كأم تتمنى أن ترى أبناءها بأفضل أحوالهم وبصحة جيدة. وطبعاً هناك العديد من الأسر التي تتشارك مع أسرة ندى المعاناة.
وبيّن مدير مركز التلاسيميا في دمشق د. ياسر مخللاتي أنه ووفقاً لآخر إحصائية فقد بلغ عدد مرضى “فقر الدم المنجلي والتلاسيميا” الذين يتلقون علاج نقل الدم على امتداد سورية 5800 مريض، مشيراً إلى عدم وجود إحصائيات تبيّن العدد الحقيقي لحَملة التلاسيميا أو كما يُعرف بـ”الحامل الصامت” الذي لا يظهر إلا عند الفحص، لافتاً إلى أن الإحصائيات العالمية تؤكد أن ما بين 7 و10% من الأشخاص في المناطق التي تنتشر فيها التلاسيميا، ربما يكونون حاملين للمرض، ما يُعدّ نسبةً كبيرةً جداً.
بدوره أكد رئيس المجلس العلمي لاختصاص التوليد وأمراض النساء في سورية د. رفائيل عطا الله أنه من 60 إلى 70% من الإعاقات في سورية سببها زواج الأقارب، وأن التلاسيميا وفقر الدم المنجلي، من الأمراض الأكثر انتشاراً في سورية، لافتاً إلى ضرورة تضمن الفحص الطبي قبل الزواج التحليل الطبي الخاص بهما.
وأوضح أن المريض يبدو سليماً ظاهرياً، أما فعلياً فقد يكون حاملاً للمرض، ولا يتمّ لحظ أي مشكلة لديه، إلا عند زواجه من إحدى قريباته الحاملة للمرض، وعندها ستكون النتيجة 25% من الأولاد مصابين و25 سليمين، و50% حاملين للمرض كأبويهما، وبالتالي ظهور المشكلة ذاتها عند هؤلاء الأطفال مستقبلاً عند زواجهم من إحدى قريباتهم.
ليبقى السؤال الأهم: هل ينهي الفحص الطبي قبل الزواج المعاناة؟!.
والجواب بكلّ تأكيد “لا”، والسبب -وفق عطا الله- أن الفحص الطبي ممكن أن يكشف التلاسيميا والمنجلي، بينما لا يمكنه كشف باقي الأمراض، وانطلاقاً مما سبق يشدّد عطا الله على أهمية وضرورة الإقلال من زواج الأقارب من أجل حماية الأولاد من الأمراض الناجمة عن هذا الزواج، والتي يصل عددها إلى 1000 مرض وراثي، وخاصةً مع عدم توفر التحاليل اللازمة لكشفها، ما يؤدي إلى وجود أعداد كبيرة من الأطفال يعانون من شلل دماغي أو تخلّف عقلي، أو عمى، إضافة إلى تشوهات حركية أو هيكلية ونقص في السمع، وأمراض تظهر بزواج الأقارب.
وبخصوص التلاسيميا، يوضح مخللاتي أنها مرضٌ وراثي، ينتج عن خللٍ في الكريات الحمر، حيث تجتمع المورثتان المريضتان، لتكون النتيجة طفلاً مصاباً تظهر الأعراض لديه بعد 4 أو 5 أشهر من ولادته، مؤكداً أن الأمر لا يتوقف على المرض بحدّ ذاته، وإنما على ما يُسبّبهُ لاحقاً من تأخر نمو عند الطفل، إضافة لبكاء مستمر، ولون مخطوف لنقص الخضاب.
ويضيفُ مخللاتي: نقوم لتعويض النقص في كريات الدم، بنقل دم للطفل المريض، لتبدأ من هذه اللحظة رحلة العلاج الشاقة والمؤلمة والتي تستمر طيلة حياته، علماً أن نقل الدم المستمر يُزيد من نسبة الحديد، الذي يؤدي بدوره لقصور نخامة شامل في كلّ الجسم أو في القلب ما يسبّب قصوراً في القلب، ويؤدي لاحقاً للوفاة، عند الأطفال الذين لا يتلقون علاجاً، أو قد يسبّب داء السكري أو قصوراً جنسياً، لذلك نقوم، إضافة لنقل الدم، بإعطاء دواء لسحب الحديد الزائد من الجسم ضمن شروط وتحاليل معينة للطفل، ليُعطى على شكل شراب أو حبوب على 3 جرعات في اليوم أو جرعة واحدة مثل الفوار أو عن طريق مضخة “ابر فيالات” نقوم بحلها وغرزها في البطن لمدة 8 ساعات كلّ يوم حتى تنخفض نسبة الحديد، لمدة 5 أيام أسبوعياً، لتتضح من هنا صعوبة وخطورة المرض، ما يحتّم علينا أخذ التحذيرات من زواج الأقارب على محمل الجد، خاصة وأن بعض الأطفال قد لا يستجيبون للدواء، لأسباب مختلفة، والنتيجة حتماً ستكون حياة غير طبيعية!.
وأشار إلى قصر أعمار المرضى، حيث لا تتعدى أعمار الذين تجاوزوا الـ50 ممن يتلقون العلاج في المركز وفق ملاحظاته أصابع اليد، فالأغلبية من المرضى يتوفون بأعمار تتراوح ما بين 25 و30 سنة؟
وعن إمكانية إنهاء هذا المرض، بيّن مخللاتي أنه بالإمكان ذلك عن طريق إجراء تحليل بسيط لا تتجاوز تكلفته 30 ألف ليرة هو “رحلان خضاب كهربائي”، لكشف المرض، وأكد أن هناك حالات تصادفهم كثيراً أثناء عملهم، فالبعض وعلى الرغم من معرفتهما بوجود المرض إلا أنهما يتزوجان، وخاصةً في بعض البيئات التي تكون فيها ابنة العم لابن عمها منذ الصغر، ما يجعل الفحص الطبي قبل الزواج في مثل هذه البيئات تحصيل حاصل، لعدم الاعتراف به أو أخذ نتيجته على قدرٍ من المسؤولية. ولفت إلى اتخاذ خطوة مهمّة بالتعاون مع المحاكم الشرعية، تتمثل بمنع تسجيل وتثبيت الزواج في المحكمة في حال كان الطرفان حاملين للمرض، علماً أن تطبيق هذا الإجراء يتخلله الكثير من الصعوبات، لأن البعض يكتب كتابه (عرفي أو شيخ) ويحدث حمل، ليضطر القاضي لاحقاً لتثبيت الزواج حتى لو كانا مريضين!.
ويضيف مخللاتي: عند مراجعة كلّ طفل مريض لأول مرة يظهر أمامه شريط حياته المليء بالتعب والألم، وعلى مدار 20 سنة، بدءاً من نقل الدم وما قد يتخلله من صعوبة في بعض الأحيان -وهنا لا بد من شكر بنوك الدم التي تبذل جهوداً كبيرة، خاصةً وأنه في بعض الأحيان يتمّ نقل دم لأكثر من 150 مريضاً يومياً، وتحديداً بعد العطل الطويلة- إضافةً إلى ما قد يتبعه من اختلاطات، هذا بالنسبة للتلاسيميا، أما المنجلي الذي ونتيجةً لظروف معينة قد ينتج عنه تموت في الأعضاء، كأن يسبّب تموتاً لشرايين القلب أو ذات رئة أو تموتاً بعنق العظم، ما يعني دخول المريض مشكلات أخرى، مشيراً إلى أن الحلّ الوحيد للتخلّص من هذين المرضين لا يمكن أن يكون إلا بالوعي.
نقطة أخرى مهمّة جداً أشار إليها مخللاتي، تتعلق بتكاليف العلاج الباهظة التي تقدمها وزارة الصحة، بدءاً من كيس الدم والأدوية والتحاليل، إضافة إلى الاضطرار بعد فترة معينة لإجراء عملية استئصال للطحال، لافتاً إلى ارتفاع نسب الأطفال الذين وصلوا إلى عمر 20 سنة وتمّ استئصال طحالهم، رغم تلقيهم للعلاج، إضافة إلى تكلفة وحدة الدم الواحدة التي يصل سعرها إلى 60 ألف ليرة، وتكاليف أخرى تتعلق بجهاز النقل والتحاليل والقثطرة وبطاقات التصالب، وأجرة الموظف والمكان وتكلفة الأدوية، حيث يبلغ سعر أصغر فلاكونة 15 ألفاً تقريباً، وحاجة كلّ مريض كحدّ أدنى لـ 30 وحدة في الشهر، تؤمنها الوزارة مجاناً، متسائلاً أننا في حال قضينا على التلاسيميا في سورية خلال 20 أو 25 سنة، وهي متوسط عمر المريض، كم منشأة صحية يمكننا بناؤها؟.
وبيّن مخللاتي أن أكثر المناطق انتشاراً لفقر الدم المنجلي في سورية هي “الجنوبية والجولان والمنطقة الساحلية”، بينما تنتشر التلاسيميا على كامل الجغرافية السورية، لافتاً إلى انتشار أمراض أخرى، ناجمة عن زواج الأقارب، كمشكلات نقص السمع أو الصمم، حيث صادفته إحدى الحالات لزوجين قريبين، ظهرت مشكلة خلل في السمع عند طفلتهما الأولى، ليعاودا بعدها إنجاب 3 توائم إناث يعانينَ من غياب سمع تام، على الرغم من أن مشكلة الخلل بالسمع ليس ظاهرة عند الأب والأم، ولكن بسبب صلة القرابة بينهما ظهرت المشكلة عند أطفالهما!.
بالمحصلة.. قانونياً لا يوجد ما يمنع هذا الزواج لأسبابٍ مرضية، على الرغم من الأرقام المرعبة لضحاياه، لذلك يجب علينا أخذ الأمر على محمل الجد، وتوعية الناس لمخاطر زواج الأقارب على الأسرة والمجتمع.
البعث