دخلت إيطاليا مرحلة جديدة في تاريخها مع فوز جورجيا ميلوني زعيمة حزب “إخوة إيطاليا” في الانتخابات التشريعيّة على رأس ائتلاف يتحتم عليه التوافق على تشكيلة حكومية تواجه الأزمة الاقتصادية الخانقة وتعالج مخاوف أوروبا وقلق الأسواق.
وبعد حصول الائتلاف اليميني على الأغلبية المطلقة في البرلمان، ستجري ميلوني خلال الأيام المقبلة محادثات مع حليفيها ماتيو سالفيني زعيم حزب “الرابطة” المعادي للهجرة، وسيلفيو برلسكوني زعيم حزب “فورتسا إيطاليا” اليميني، بهدف تشكيل حكومة لن تبصر النور قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل على أقرب تقدير.
وجمعت ميلوني أكثر من 26% من الأصوات، في حين حصل ائتلافها على نحو 44% من الأصوات، مما يضمن لها أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.
وحرصت ميلوني -التي ستصبح أول رئيسة وزراء في تاريخ إيطاليا- على طمأنة المخاوف الداخلية والخارجية، خاصة الأوروبية؛ فقالت “سنحكم من أجل جميع” الإيطاليين.
ويعتقد أن وزير الداخلية السابق وزعيم حزب الرابطة ماتيو سالفيني سيلعب دورا هامشيا في الحكومة، وفقا لصوفيا فنتورا أستاذة العلوم السياسية في جامعة بولونيا، وذلك بسبب حصوله على نتيجة دون 9%، مما يمثل نصف ما حصل عليه في انتخابات 2018.
دعوات أوروبية
وفي ردود الفعل الخارجية، أعلنت الرئاسة الفرنسية أنها تحترم “الخيار الديمقراطي والسيادي” للإيطاليين، مضيفة “علينا كدولتين جارتين وصديقتين أن نواصل العمل معا”.
في حين توقعت برلين من إيطاليا أن تبقى “مؤيدة للغاية لأوروبا”، وأعربت الولايات المتحدة -على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن- عن “حرصها على العمل” مع الحكومة الجديدة، مشجعة على احترام حقوق الإنسان.
في المقابل، أبدى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “استعداده للترحيب بأي قوى سياسية قادرة على تخطّي التيار السائد المشحون بالكراهية لبلدنا”.
كما تلقت ميلوني دعما قويا من بولندا والمجر اللتين تتبنيان مواقف متعارضة مع “منظومة الاتحاد الأوروبي” في عدد من المسائل، وتهاني حزب “فوكس” اليميني المتطرف الإسباني وحزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف الفرنسي.
وسارع رئيس الوزراء الأسبق برلسكوني إلى الطمأنة حول توجه الحكومة المقبلة، فوعد “بضمان وجهها الأوروبي والأطلسي”، مشددا على أن “علاقات جيدة مع حلفائنا التاريخيين، الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الكبرى، أساسية لمستقبل إيطاليا”.
تحديات اقتصادية
ستخلف الحكومة الجديدة حكومة الوحدة الوطنية التي قادها ماريو دراغي الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، منذ يناير/كانون الثاني 2021، حين استدعي لإنقاذ ثالث اقتصاد في منطقة اليورو المنهار بفعل الأزمة الصحية بسبب كورونا.
وتفاوض دراغي مع “بروكسل” بشأن منح إيطاليا مساعدات مالية تقارب قيمتها 200 مليار يورو، وهي الحصة الكبرى من خطة إنعاش اقتصادي أوروبية، مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية ومؤسساتية عميقة.
ولم يستقر الأمر لحكومته بعد قرار عدة أحزاب متحالفة معه إسقاطها رغم التحديات الجسيمة، مما حتّم الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. ومما أسهم في تقدم حزب ميلوني عدم انضمامه إلى حكومة الوحدة الوطنية والبقاء في المعارضة في ذلك الحين.
وفي حين كان دراغي (الملقب “بسوبر ماريو”) يعد ضمانة للمصداقية في نظر الشركاء الأوروبيين، وقُدّم على أنه منقذ منطقة اليورو عند اندلاع الأزمة المالية عام 2008، فإن وصول اليمين المتطرف القومي والمشكك في الاتحاد الأوروبي والمتمسك بالسيادة الوطنية إلى السلطة يبعث مخاوف من دخول مرحلة جديدة من انعدام الاستقرار.
وما يعزز هذه المخاوف أن إيطاليا -التي تواجه ديونا طائلة تمثل 150% من إجمالي ناتجها الداخلي، وهي أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان- تسجل تضخما يزيد على 9%، وزيادة هائلة في فواتير الغاز والكهرباء تثقل كاهل الأسر والشركات على السواء.
المصدر : الفرنسية
اقرأ أيضا: من هو “فريد القاسم” الذي عينته أمريكا قائدا لـ”مغاوير الثورة”؟