غارات تركية من الشمال، وغارات «اسرائيلية» من الجنوب على المواقع العسكرية في سوريا. بين هذه وتلك حصار اقتصادي أميركي قاتل. ألا يكفي ذلك للتساؤل ما اذا كان قد بدأ تنفيذ الحلقة الأخيرة من السيناريو الجهنمي الرامي الى تفكيك سوريا؟ استطراداً… تفكيك لبنان.
وكان رجب طيب اردوغان يسعى ـ وربما لا يزال يسعى ـ وعبر النيوانكشارية االتي وضعت نفسها في خدمة النيوعثمانية، لاقامة كوندومينيوم تركي ـ «اسرائيلي» لادارة الشرق الأوسط…
الآن، وبدلاً من أن يدق السلطان العثماني بحوافر حصانه أبواب العروش العربية، تفرش الورود له أينما حل، وهو الذي، حتى داخل المأزق التركي، لم يتخلّ عن حلمه بأن يتوّج سلطان البر وخاقان البحر.
اذ نسأل عن دور البلدان الحليفة لدمشق في منع ما يحصل على الأرض، وتحت الأرض، وقد مللنا من قرع الطبول في طهران (أكان قرع الطبول في العراء أم في الهباء)، ومن «ديبلوماسية البولشوي» في موسكو، نستعيد الدور البطولي لحزب الله على الأرض السورية، وفي نقاط محورية، لادراكه ما الغاية من تفجير سوريا الذي يستتبع تلقائياً تفجير لبنان.
لنتصور ما كان حلّ بلبنان في حال استولت تلك الحثالات الايديولوجية على السلطة هناك، وكيف كانت ستخوض فيما بينها الحروب الأبدية، حتى لا يبقى حجر على حجر في سوريا، وان كان السيناريو اياه لم يوضع على الرف. استبقي في الانتظار الى أن تدق ساعة الخرائط.
تذكرون قول رئيس حزب مسيحي…»ليحكم الاخوان المسلمون». هؤلاء الذين دعوا في مصر الى اعتبار الأقباط أهل ذمة وعليهم تأدية الجزية، على أن يتم طرد الضباط والجنود الأقباط من القوات المسلحة!
أيضاً لا نتصور أية أهوال واجهها الجيش السوري الذي قاتل اسطورياً، على نحو 400 جبهة، عشرات آلاف المقاتلين الذين ينتمون الى عشرات الاتنيات من القوقاز ومن التضاريس الآسيوية، اضافة الى ضواحي الصفيح في أوروبا، والحفرالوبائية في المجتمعات العربية.
ماذا حين يكون هناك آلاف المقاتلين الأيغور من اقليم سينغيانغ الصيني (تركستان الشرقية)، وآلاف المقاتلين الطاجيك والأوزبك والبلوش والشيشان الآتين بالرايات المقدسة لتقويض «الدولة الكافرة» في سوريا، واعلان «دولة الاسلام»؟
على كل لا ندري لماذا التعاطي المخملي من بعض أركان السلطة الآن، مع جماعات سلفية شقيقة لتلك التي طالما حذرنا من أنها تحفر الأنفاق «تحتكم»، ولكن دون طائل.
ماذا عن المعارضة «العلمانية» أو النخبوية، ألتي وضعت ظهرها بتصرف هذا البلاط أو ذاك؟ كمتابع للتجارب الثورية في بلدان العالم الثالث، لم أر من هم أكثر تفاهة من هؤلاء. وحين نقرأ لبعضهم في صحف عربية، نتساءل كيف يمكن لأدمغة الذباب، أو لأدمغة السلاحف أن تقود دولة مركزية بموقع جيوستراتيجي، في منتهى الحساسية وفي منتهى التعقيد، مثل سوريا.
هذا لا يعني التسليم بقدسية النظام الذي يعتريه الكثير من الثغرات، ومع اعتبار الظروف الهائلة والضاغطة. أيضاً مع الاقتناع بالدور الاستثنائي للرئيس حافظ الأسد في حماية بلاده من الانقلابات العسكرية المبرمجة، وقد توخت تفريغ سوريا أن من الدور، أو من الديناميكية التاريخية، وبالدور الاستثنائي للرئيس بشار الأسد في مواجهة حرب كونية لتفتيت السوريين ولتفتيت سوريا.
بصوت عال، ومع الاقرار بالمهمة الشاقة والمضنية للديبلوماسية السورية، وهي المحاصرة بالكثير من الأبواب الموصدة بما فيها الأبواب الشقيقة، أين هي دمشق من الذين يقفون الى جانبها، بعيداً عن «أوركسترا الدجاج» أو «جوقة الببغاءات»، وهي معروفة للقاصي والداني باحترافها هز البطن على نقر الدفوف؟
كان وزراء الاعلام في سوريا يتصلون دائماً للتوضيح أو للانتقاد أو للامتنان، وكان وليد المعلم (المعلم فعلاً في الديبلوماسية) يتصل بنا حين كان سفيراً في واشنطن، وكثيراً ما حدث النقاش.
أين هؤلاء الآن؟ قيل لنا مشكلة الرئيس الأسد مع اصحاب العيون الخشبية والآذان الخشبية، كما لو أن الاعلام ليس جزءاً اساسياً من استراتيجية المواجهة. هنا الدراما الاعلامية (بل والتراجيديا الاعلامية). أيقظهم أيها الأسد…
نبيه البرجي – الديار
اقرأ أيضا: نقابة المحامين توجه بالتوكل عن أهالي ضحايا “مركب الموت” مع تحملها كل النفقات