جواسيس إيرانيون جندتهم الـ”سي آي إيه” يحكون كيف خذلتهم أمريكا
قالت وكالة رويترز، في تقرير نشرته الجمعة 30 سبتمبر/أيلول 2022، إنها أجرت مقابلات مع ستة عملاء إيرانيين سابقين لوكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه”، كشفوا أن الوكالة كانت غير مكترثة بأمنهم في خضم حملتها المكثفة لجمع المعلومات عن إيران، مما يعرّض حياتهم للخطر.
في لقائها مع شخصٍ اسمه غلام رضا حسيني، قالت الوكالة إنه سبق أن أُلقي القبض عليه حين كان في مطار الإمام الخميني بطهران في أواخر عام 2010، يستعد لرحلة إلى بانكوك. وهناك كان سيلتقي مع عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، لكن قبل أن يتمكن من دفع ضريبة مغادرة البلاد رفضت ماكينة الصراف الآلي بالمطار بطاقته باعتبارها غير صالحة. وبعدها بلحظات، طلب ضابط أمنٍ الاطلاع على جواز سفر حسيني قبل أن يقتاده بعيداً.
جواسيس في قبضة الأمن
قال حسيني إنه نُقل إلى قاعة خاوية لكبار الشخصيات وطُلب منه الجلوس على أريكة أُديرت في مواجهة الحائط. فدسَّ حسيني، الذي تُرك بمفرده لبضع لحظات غلّفها الارتباك والتشوش ولم ير خلالها أي كاميرات أمنية، يده في جيب بنطاله وأخرج بطاقة ذاكرة مليئة بأسرار الدولة يمكن أن تفضي إلى إعدامه ووضعها في فمه ومضغها قبل أن يبتلعها.
حيث روى حسيني أنه لم يمضِ وقت طويل حتى دخل عملاء وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية الغرفة ليباشروا تحقيقاً، تخلله الضرب. ولم يكن لإنكاره وإتلافه البيانات أي جدوى، إذ كانوا يعرفون كل شيء بالفعل على ما يبدو.
أضاف حسيني لـ”رويترز”: “هذه أشياء لم أخبر بها أحداً في العالم”. بل ذهب الأمر بحسيني، والأفكار تتقافز وتتسابق في ذهنه، إلى التساؤل عما إذا كانت (سي آي إيه) نفسها قد باعته.
كان حسيني ضحية لعدم مبالاة (سي آي إيه) أكثر من كونه ضحية لخيانتها، وذلك وفق ما كشفه تحقيق أجرته رويترز على مدى عام، في كيفية تعامل الوكالة مع عملائها. فقد سهّل نظام الاتصالات السرية المعيب التابع للوكالة على المخابرات الإيرانية التعرف عليه والقبض عليه. وقال حسيني، الذي سُجن لما يقرب من عشر سنوات وتحدث علناً للمرة الأولى، إنه لم يسمع شيئاً من الوكالة مرة أخرى حتى بعد إطلاق سراحه في عام 2019، وامتنعت (سي آي إيه) عن التعليق على رواية حسيني.
عميل تحت الرقابة الأمنية
كذلك نقلت رويترز عن عميل ايراني آخر، أن (سي آي إيه) أمرته بإفراغ ما في جعبته من معلومات في مكان بتركيا كانت تعلم أنه تحت المراقبة الإيرانية. وقال رجل آخر، وهو موظف حكومي سابق سافر إلى أبوظبي للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، إن أحد ضباط الوكالة هناك حاول دون جدوى، دفعه للتجسس لصالح الولايات المتحدة؛ مما أدى إلى اعتقاله عندما عاد إلى إيران.
هذه الخطوات الجريئة إلى حد التهور التي تقدم عليها (سي آي إيه) تُعرض أحياناً الإيرانيين العاديين للخطر مقابل احتمال ضئيل بأن تحصل على معلومات مخابراتية مهمة. وأفاد الإيرانيون الستة بأنه عندما أُلقي القبض عليهم لم تقدم الوكالة لهم أو لعائلاتهم أي مساعدة حتى بعد سنوات.
إنكار أمريكي
من جانبه قال جيمس أولسون، الرئيس السابق لمكافحة التجسس في (سي آي إيه)، إنه لم يكن على علم بهذه الحالات تحديداً، لكنه قال إن أي تخلٍّ غير ضروري عن المصادر من قبل الوكالة سيمثل فشلاً مهنياً وأخلاقياً.
تابع: “إذا كنا مهملين ولا نبالي وتعرضنا للاختراق، فعار علينا إذن… إذا دفع الناس ثمن الثقة بنا لمشاركة المعلومات ثم تعرضوا للعقاب فنكون قد فشلنا أخلاقياً”.
في حين زُج بهؤلاء الرجال في السجن في إطار حملة مكافحة تجسس شرسة بدأتها إيران في عام 2009، وهي حملة أفادت تقارير إخبارية وثلاثة من مسؤولي الأمن القومي الأمريكي السابقين بأنها جاءت نتيجة مجموعة من أخطاء (سي آي إيه) إلى جانب أسباب أخرى. وقالت طهران في تقارير لوسائل إعلام رسمية، إنها تمكنت في نهاية المطاف من الإيقاع بعشرات من عملاء (سي آي إيه) بعد تحريات مضنية.
شهادات مروعة
كان حسيني هو الوحيد من بين الرجال الستة الذين قابلتهم رويترز الذي قال إنه تم تكليفه باستخدام وسيلة تراسل عرضة للاختراق. لكن تحليلاً أجراه اثنان من المتخصصين المستقلين في الأمن الإلكتروني، وجد أن نظام التواصل السري عبر الإنترنت، الذي لم يعد له وجودٌ الآن والذي استخدمه حسيني ووجدته رويترز في أرشيف على الإنترنت، ربما كشف 20 من الجواسيس الإيرانيين الآخرين على الأقل وربما مئات العملاء الآخرين في بلدان أخرى حول العالم.
كانت منصة التراسل، التي ظلت تعمل حتى عام 2013، مخفية داخل مواقع أخبار وهوايات من حيث يمكن للجواسيس التواصل مع (سي آي إيه). وتأكدت رويترز من وجود هذه المنصة من أربعة مسؤولين أمريكيين سابقين.
لا تزال هذه الإخفاقات تطارد الوكالة بعد سنوات. فقد أفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن قيادة (سي آي إيه) حذّرت في سلسلة من البرقيات الداخلية في عام 2021 من أنها فقدت معظم شبكتها من الجواسيس في إيران، وأن الإجراءات الخرقاء لا تزال تعرض مهمة الوكالة للخطر في جميع أنحاء العالم.
إيران أحد أصعب الأهداف لأمريكا
تعتبر (سي آي إيه) إيران أحد أصعب أهدافها. فمنذ أن استولى الطلاب الإيرانيون على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، لم يكن للولايات المتحدة وجود دبلوماسي في البلاد. حيث اضطر ضباط (سي آي إيه) في المقابل إلى تجنيد عملاء محتملين خارج إيران أو من خلال الاتصالات عبر الإنترنت. ويترك وجود الولايات المتحدة الضعيف داخل إيران المخابرات الأمريكية في وضع لا تحسد عليه، وسط أحداث مثل الاحتجاجات التي تجتاح إيران الآن على وفاة امرأة في حجز لشرطة الأخلاق التي اعتقلتها لانتهاكها قواعد اللباس في البلاد.
قال أربعة ضباط مخابرات سابقين قابلتهم رويترز، إن الوكالة مستعدة لتحمّل مخاطر أكبر مع المصادر عندما يتعلق الأمر بالتجسس على إيران. ويمثل الحد من الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية أولوية في واشنطن. وتصر طهران على أن جهودها النووية مخصصة لاحتياجات الطاقة فقط.
في سياق مواز قال جيمس لولر، الضابط السابق في (سي آي إيه) الذي كان يركز في عمله، على ملفات من بينها أسلحة الدمار الشامل وإيران: “اختراق برنامج الأسلحة النووية الإيراني هدف مخابراتي مهم للغاية، مهم للغاية… وبالتالي عندما يقومون بتحليل المخاطر في مقابل المكاسب، عليك أن تفكر في حجم المكاسب الهائلة”.
قضى الإيرانيون الستة أحكاماً بالسجن تتراوح بين خمس وعشر سنوات. وبقي أربعة، من بينهم حسيني، في إيران بعد إطلاق سراحهم وظلوا عرضة للاعتقال من جديد، فيما فر اثنان من البلاد وأصبحا لاجئَين. واعترف الرجال الستة بأن مسؤولي (سي آي إيه) لم يقدموا لهم وعوداً مؤكدة قط بالمساعدة إذا أُلقي القبض عليهم. ومع ذلك، اعتقدوا جميعاً أن المساعدة الأمريكية ستأتي يوماً ما.
اقرأ ايضاً:بايدن يوجه تحذيرا لبوتين: سندافع عن كل شبر من أراضي الناتو