الثلاثاء , نوفمبر 26 2024
"إزفيستيا": ما الذي ينتظر روسيا؟

“إزفيستيا”: ما الذي ينتظر روسيا؟

“إزفيستيا”: ما الذي ينتظر روسيا؟

نشرت صحيفة “إزفيستيا” الروسية، مقالاً لنائب مجلس الدوما الروسي الاقتصادي، ميخائيل ديلياغين، تحت عنوان “ما الذي ينتظر روسيا”، يتناول فيه الخيارات المتاحة أمام روسيا من أجل البقاء على قيد الحياة في مواجهة الصراعات التي تواجهها.

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

إن موجة الأزمات غير المسبوقة التي غرقت فيها الإنسانية اليوم متشابكة ومعقدة، وما هي إلا المظهر الخارجي للأزمات الأعمق والأكثر شمولاً. في مطلع الثمانينيات والتسعينيات، انتقلنا من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات، من هيمنة الصناعيين إلى هيمنة المضاربين الماليين، من عالم المصانع والمهندسين إلى عالم البورصات وخبراء العلاقات العامة، من تغيير العالم من حولنا إلى تغيير وعينا.

ثم حمل كوفيد 19، سنة 2020، ثورة جديدة، حيث بدأت الشبكات الاجتماعية تشكل بيئة جديدة للحياة البشرية، في التحول إلى أنظمة بيئية رقمية، إلى هيمنة سياسية جديدة تعارض المضاربين الماليين وقريبة من رأس المال الصناعي.

وبات التحكم بالأفراد يزداد بشكل مضطرد ومباشر وتدريجي، من خلال المنصات الاجتماعية، ويتجاوز الوسطاء. ولم يشكل الحفاظ على “الذكاء البشري” مشكلة، فقد بات من المسائل غير الضرورية حيث استلمت وظيفته “البصمة الرقمية” التي تنتج وتعزز الذكاء الاصطناعي.

ومع تنامي كفاءة التكنولوجيا يُحرم معظم الناس من إمكانية العمل المنتج، ويحلّ “تبادل العواطف” محل تبادل العمل بالسلع المادية، و”تبادل العواطف” على شبكات التواصل ليس منتجاً بحد ذاته، ولا يتطلب ذكاء أيضاً.

وتترافق الثورة التكنولوجية مع تفكك الأسواق العالمية إلى جزر، بسبب اضمحلال الاحتكارات العالمية. يخلق تضخيم أسعار المنتجات أزمة مبيعات، ويبرر الصراع على الأسواق تدمير المنافسين المحتملين بفوضى مصطنعة. وقد أدت القروض على المبيعات إلى خلق “مظلة” من الديون المعدومة، بشكل واضح، فبدأت في الانهيار.

كما أدى انهيار التعليم لإخضاع الجماهير ورضوخها للاحتكارات العالمية، وإلا كيف يمكن أن تبرر بيروقراطيات الغرب عدم أهليتها وعدم قدرتها على إدارة أنظمة دعم الحياة للجماهير، على وجه الخصوص، أزمة الطاقة الجارية اليوم وأزمات الغذاء الوشيكة.

أدى هذا إلى استبدال السوق بالتوزيع المباشر للحد الأدنى من السلع، أي بالطريقة التي اختبرت أثناء الإجراءات التقييدية لجائحة كورونا، وباتت الآن طريقة الغرب لمواجهة أزمة الطاقة.

أدى تدهور الحوكمة العالمية والوطنية (بسبب انهيار التعليم) إلى ظهور رغبة انتحارية، تمثلت في تقليص حاد للتنوع البشري وفي أعداد السكان، لمواءمة هذه الأعداد مع القدرات الإدارية المتدهورة. وقد نشط في مثل هذه التغييرات العميقة جميع المشاركين في المنافسة العالمية، وذلك سعياً لإتقان أشكال جديدة نوعياً للوجود وأساليب تحديد الأهداف وصنع القرار والعمل.

وكان رد الفعل الفوري لمعظم العناصر العامة للحوكمة العالمية (بنى الدولة في الولايات المتحدة وإنكلترا) محاولة تدمير المنافسين المباشرين والمحتملين.

الأداة الرئيسة لذلك هي الكارثة الأوكرانية. والهدف المباشر هو القارة الأوروبية التي تخلت عن استقلالها، فيما لا تزال منافساً اقتصادياً للولايات المتحدة (ألمانيا، التي يبلغ عدد سكانها 4.5 مرات أقل، تصدّر أحياناً المزيد من السلع)، فيما تهدف إنكلترا إلى أن تحكم مدينة لندن أوروبا، التي يجب أن يتم تفكيكها وتقسيمها إلى مستعمرات كتلك التي كانت في القرن التاسع عشر.

إن أداة تصفية أوروبا هي حرمانها من المواد الخام الرخيصة. كما أظهر محللو Credit Suisse، أنتجت ألمانيا منتجات بقيمة 2 تريليون يورو من المواد الخام الروسية التي لا يزيد سعرها عن 20 مليار يورو، أي مئة مرة أكثر. إن الزيادة النوعية في تكلفة الطاقة، ثم بقية المواد الخام، إلى جانب أزمة الخدمات اللوجستية العالمية، ستجعل من ألمانيا جحيماً اجتماعياً ليس حتى مثل بولندا (التي لا يزال لديها جيش)، ولكن كرومانيا.

ضمن هذا المخطط، ستخضع روسيا للتدمير سواء لأهداف وقائية (لمنع استعادة الذات الأوروبية) أو للاستيلاء على موادها الخام التي تحدد المستقبل. وستركع الصين والهند على ركبتيهما في حالة شبيهة بحروب الأفيون وثورة السيبوي (1857-1858).

ستضمن القوة الرقمية لرأس المال هذه الهيمنة العالمية، وتتمركز هذه القوة في الولايات المتحدة وإنكلترا. أمام هذا الواقع تحتاج قيادة الاتحاد الروسي إلى تزويد البلاد بتجديد جذري على جميع المستويات، بما في ذلك النظرة إلى العالم وهيكل إدارة الدولة.

في البداية، من الضروري ضمان نزاهة السلطات: استبعاد الجنسية المزدوجة، وحظر الحسابات البنكية في الخارج لأولئك الذين لا يعيشون هناك بشكل دائم، وحظر الأصول الأجنبية للأشخاص المهمين اجتماعياً، ووقف هروب رأس المال (بما في ذلك من خلال العملات المشفرة)، على أن يُساوى بين الفساد في الإدارة العامة والخيانة.

يجب أن تخضع جميع السياسات لنمو القيمة المضافة في روسيا والخروج من حالة المستعمرة (عندما يتم تصدير المواد الخام، ويتم استيراد المنتجات المصنعة).

من الضروري إدخال رسوم ضريبية على السلع المستوردة لحماية إنتاجنا، بنسبة 40 في المئة للدول الصديقة و80 في المئة لباقي الدول. وأن تُرفع رسوم الضرائب على الكماليات بين 100 و300 في المئة، وهي سلع لا يطالها في الأصل سوى عشرة في المئة من السكان.

لتقليل التكاليف المادية للصناعة وضمان الإدارة في المصلحة العامة، من الضروري تأميم الصناعات الأساسية والبنوك العاملة مع السكان (بنسبة 51 في المئة، كما في إنكلترا بعد الحرب العالمية الثانية)، وتوفير ائتمان ميسّر (يجب ألا يتجاوز حجمه نصف الأرباح على أصول الصناعة التحويلية، وهو الآن 2 في المئة فقط)، وينبغي الحد من المضاربة المالية وتعسف الاحتكارات.

لضمان التضامن الاجتماعي، من الضروري استعادة الضرائب التصاعدية على الدخل والممتلكات والميراث، وإدخال المبدأ السويسري للدخل (يُحتسب على أساس أن تكلفة الاحتفاظ بالممتلكات لا يمكن أن تتجاوز ربع الدخل السنوي). يجب إعفاء الاستثمارات من ضريبة الدخل، ويجب أن يكون معدلها أقل من معدل ضريبة الدخل للأفراد الأغنى.

يجب أن تتمثل الأولوية الرئيسة للسلطات في زيادة الإنتاجية الفكرية. مسار روسيا نحو التحول الإبداعي هو شرط لبقائنا.

 

نقله إلى العربية: عماد الدين رائف

ميخائيل ديلياغين – الميادين

 

اقرأ ايضاً:لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟