على مدار العقد الماضي وفي زمن التخبّط الرقمي، أذهلتنا التكنولوجيا الحديثة فيما قدمته من إضافات إلى خدمات الرعاية الصحية تحت مظلّة التحول الرقمي في الرعاية الصحية، وذلك بعد اعتمادها أحدث التقنيات والأدوات المتطورة في الكشف عن الأمراض والوقاية منها وعلاجها حتى في مراحلها المتقدمة.
وكان من الصعب تحقيق هذا التقدّم لولا النمو الهائل لـ تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، ورقمنة كل عملية تتم في هذا المجال كاستجابة للظروف العالمية الأكثر وحشية على الإطلاق. وما أثار فضول مقدمي الخدمات الصحية في التجاوب مع هذا التطور هو زيادة الطلب على الخدمات الطبية والصحية.
وهنا لا نُنكر أبدًا دور البنية التحتية القديمة العظيم في مجال الرعاية الصحية، إلا أننا نسعى إلى دمج تلك البنية مع أحدث التقنيات المتطورة المبنية على الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، وهنا سنتعرّف على أحدث تلك التقنيات الضاربة في سنة 2022.
ما هي أحدث اتجاهات التحول الرقمي في الرعاية الصحية؟
تخطط أكثر من 80% من الأنظمة الصحية حول العالم في زيادة مستويات استثمارها في التحول الرقمي في الرعاية الصحية وتسعى جاهدةً إلى استقطاب العاملين ممن لديهم خلفية جيدة عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لتوفير فرص عمل لهم في هذا القطاع.
إليكَ أهم اتجاهات التحول الرقمي الثورية في مجال الرعاية الصحية:
1- إنترنت الأشياء الطبية (IoMT)
وفقًا لدرسة أجرتها Precedence Research حول حجم سوق الإنترنت العالمي للأشياء الطبية، كانت النتيجة أن حجم سوق IoMT بلغ حوالي 93.3 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن يتضاعف حجمه ليصل إلى 172.4 مليار دولار بحلول عام 2030.
وكان للأجهزة القابلة للارتداء (Wearable Devices) وأجهزة التتبع لحالة المريض الحصة الأكبر من تطور تكنولوجيا الرعاية الصحية بسبب توفيرها بيانات مفصلة عن حالات المرضى أول بأول، وبمثابة كنز عاد بالنفع الكبير على الأطباء في تشخيص المرض بدقة والبدء برحلة علاج ناجحة ونتائجها أسرع.
يكمن جوهر إنترنت الأشياء في زيادة الوعي الصحي لدى المرضى، وتحفيزهم على الحفاظ على صحتهم من خلال الوصول إلى بياناتهم، وتتبع سلوكهم اليومي، ومشاركة تلك البيانات مع أطبائهم، مما يجعلهم يتحملون مسؤولية والتزام أكبر اتجاه صحتهم.
الأمراض المزمنة والأجهزة القابلة للارتداء
من أهم ابتكارات إنترنت الأشياء الطبية (IoMT Innovations) هي تلك المسؤولة عن مساعدة المرضى في حالات الاضطرابات التي تتطلب تغييرات كبيرة في أسلوب الحياة والعادات اليومية، مثل: إدمان التدخين، والقلق المفرط، والسمنة، ومرض السكري وغيرها الكثير.
مثلًا يعاني حوالي 422 مليون شخص حول العالم من مرض السكري من الدرجة الثانية، والطامة الكبرى أن علاج المريض في هذه الحالة يتوقف على متابعته لأسلوب حياته بنفسه، لذا لا يكون على الطبيب سوى الوثوق بكلام المريض ووعوده بأنه سيتبع نظامًا صحيًا معينًا، سواء من حيث ممارسة الرياضة أو الالتزام بحمية غذائية أو الابتعاد عن العادات المضرة بالصحة.
أما الآن وبفضل الأجهزة القابلة للارتداء، أصبح بإمكان الأطباء متابعة حالة المريض والسعي بالتعاون معهم إلى بناء أسلوب حياة صحي وتتبع نتائجه.
الأمن السيبراني وخصوصية البيانات
سيتصدّر الأمن السيبراني أو أمن البيانات قائمة أفضل الاتجاهات السائدة في مجال التحول الرقمي في الرعاية الصحية لفترة طويلة جدًا، والهدف الوحيد منه هو حماية بيانات المرضى التي يتم مشاركتها على الإنترنت مع شبكة من الأطباء والطاقم الطبي.
ومن أهم التدابير التي يتم اتخاذها للحفاظ على خصوصية بيانات المرضى هي:
الترابط بين أجهزة إنترنت الأشياء.
اكتشاف التهديدات في الشبكة قبل وقوعها.
تطبيق نماذج قوية مبنية على الذكاء الاصطناعي.
ما هي أهم تدابير الأمن السيبراني في سبيل حماية خصوصية بيانات المرضى؟
اعتماد التواصل ومشاركة الأطباء بيانات المرضى فيما بينهم باستخدام منصات مؤتمرات الفيديو المتوافقة مع بروتوكول HIPAA العالمي.
ينص قانون HIPAA على حماية خصوصية سجلات المرضى الطبية وأي معلومة تتعلق بحالتهم الصحية بصرف النظر عن الجنس أو العرق أو مكان الإقامة…إلخ.
من أهم تلك المنصات:
منصة Zoom for Healthcare.
منصة Skype for Business.
منصة Vsee.
منصة Citrix.
منصة GotoMeeting.
منصة Signal.
منصة Tauria.
3) مراقبة المريض عن بعد (RPM)
بدأ تطبيق هذا النهج بكثرة بعد تفشي جائحة Covid-19 في عام 2020 وازداد اعتماد التطبيب عن بعد 38 مرة منذ شهر شباط من عام 2020 عن السابق.
ولا يزال حتى الآن مُعتمد في برنامج التحول الرقمي في الرعاية الصحية، ومن أهم أشكاله حجز موعد مع الطبيب أونلاين والرعاية الصحية عن بعد ومؤتمرات الفيديو.
وفقًا لدراسة أجرتها Research and Market، من المتوقع أن يبلغ حجم سوق أنظمة RPM أكثر من 1.7 مليار دولار بحلول عام 2027، بنسبة زيادة تصل إلى 128% تقريبًا مقارنةً بحجم السوق الحالي!
ومن أهم تجاهات التحول الرقمي في الرعاية الصحية هو الحصول على العلاج دون ضرورة الاتصال باليدين مع أي شخص آخر، وذلك بهدف توفير الكثير من الوقت والمعدّات الطبية التي قد يكون نظام الرعاية الصحية بأمسّ الحاجة لها.
4) البيانات الضخمة المُعالَجة والتحليلات التنبؤية
وفقًا لدراسة أجرتها Frost & Sullivan أثبتت فيها أن إدخال تقنية الذكاء الاصطناعي في تحليلات بيانات الرعاية الصحية يمكن أن يوفر تكاليف إضافية تُقدّر بما لا يقل عن 150 مليون دولار بحلول عام 2025.
وطبعًا هذا التحليل منطقي وممكن بفضل تحليل بيانات المرضى وقياس النتائج على المدى البعيد، كما سيساعد هذا الأمر الأطباء في اتخاذ قرار سريع أمام الحالات الحرجة التي يمكن أن يواجهوها والتي تتطلب اتخاذ قرار معين بأسرع وقت ممكن.
طبعًا معالجة البيانات يدويًا يمكن أن يتسبب في وقوع أخطاء أو الضياع بين العشرات من جداول البيانات، لذا يقدم لنا التحول الرقمي في الرعاية الصحية تقنية عصرية قادرة على معالجة البيانات الضخمة وتحليلها.
أين تكمن قوة التحليلات التنبؤية؟
ساعد وباء الكورونا في الكشف عن القدرات العظيمة للتحليلات التنبؤية، طبعًا من خلال إيجاد الحلول للتحديات التي يواجهها السكان، وتحسين خطة علاج المرضى، والتعاون مع وكالات الصحة العامة.
يتم استعراض بيانات المرضى على شكل لوحات معلومات، وهذا يساعد على مراقبة حالات المرضى الصحية، وأجهزة التنفس، ووحدة العناية المركزية، والكشف عن النقص في المعدات الطبية، ثمّ نقل هذه المشاكل إلى الفريق المتخصص لمعالجتها.
تستند أيضًا التحليلات التنبؤية إلى أحوال الطقس وغيرها من البيانات الخارجية التي قد تساهم في تطور حالة المريض من خلال نظام تحديد المواقع GPS، وهو نظام مُعتمد في حالات إدارة الأزمات.
5 ) الهجرة السحابية
من المتوقع أن يبلغ حجم سوق الحوسبة السحابية حوالي 51.9 مليار دولار بحلول عام 2024، وهو حل مثالي من حلول التحول الرقمي في الرعاية الصحية، سواء على صعيد تقديم خدمات الرعاية الصحية، أو إدارة سجلات المرضى، أو الرعاية عن بعد.
يستخدم مقدمو الرعاية الصحية هذه التقنية كما يلي:
إدارة رسائل البريد الإلكتروني.
إدارة السجلات الطبية الإلكترونية للمرضى (EMR).
تقديم البيانات إلى مقدمي الرعاية الصحية وقت الحاجة.
ملاحظة: يؤدي نقل العمليات إلى السحابة إلى إنشاء نظام أساسي لمركز اتصال متعدد القنوات يكون آمن ومبني على الذكاء الاصطناعي، يكمله نظام بيئي متكامل لتقديم تجربة محسّنة للعملاء.
6) أتمتة عمليات روبوتات الرعاية الصحية (PRA)
توقعت منظمة الصحة العالمية (WHO) حدوث نقص في الكادر الطبي، وتفاقم الوضع بعد انتشار جائحة الكورونا، إلا أن الاعتماد على روبوتات الرعاية الصحية أدى إلى علاج هذا القصور.
وكانت تقنية PRA علامة فارقة في تطوير تكنولوجيا معلومات الرعاية الصحية من حيث الدقة وخفض التكاليف. كما يمكن أن توجّه الروبوتات الذكية _بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي_ المريض إلى الطبيب المناسب مباشرةً بعد مسح الأعراض المرضية.
تحاكي هذه الروبوتات السلوك البشري من حيث إدخال البيانات، وتنفيذ إجراءات محددة مسبقًا، وجدولة المواعيد، والرد على استفسارات المرضى، وإدارة المستشفيات وغيرها.
7) الأتمتة المعرفية (CA)
اتجاه آخر محوري من اتجاهات التحول الرقمي في الرعاية الصحية، ويمكن أن نقول أن الأتمتة المعرفية هي النسخة الرقمية من العقل البشري في منظمة الرعاية الصحية.
تتبنى تقنية CA خوارزميات تعلم الآلة (ML) والتي تفيد في اتخاذ القرار السريع في الوقت المناسب. تساعد هذه التقنية في معالجة كم هائل من بيانات المرضى خلال ثوانٍ ومنح الاطباء النتيجة النهائية فوريًا.
والهدف منها هو خلق مؤسسة رقمية تدير نفسها بنفسها دون الحاجة للتدخل البشري في معالجة أمور دقيقة وتستغرق المزيد من الوقت.
ذكرنا أهم اتجاهات التحول الرقمي في الرعاية الصحية والتي أخذت مجدها في عام 2022 ومن المتوقع أن يتم اعتمادها حكمًا في أكثر من 80% من الأنظمة الصحية حول العالم في السنوات المقبلة.