السبت , نوفمبر 23 2024

توسُّع صراع الفصائل شمالاً | تركيا تقنّن دعمها: لا بديل من فتح المعابر

توسُّع صراع الفصائل شمالاً | تركيا تقنّن دعمها: لا بديل من فتح المعابر

تسارعت، خلال اليومَين الماضيَين، وتيرة المواجهات بين الفصائل المسلّحة التابعة لتركيا في الشمال السوري، في حلقة جديدة من مسلسل الاقتتال على النفوذ، تبدو مدفوعةً هذه المرّة بمساعي بعض الجماعات لمواجهة «هيئة تحرير الشام»، ومشروعها لقضم المزيد من المناطق لصالحها، واجتذاب الفصائل إلى صفوفها بإغراء الدعم الذي تلْقاه من تركيا وقطر، وأيضاً علاقتها بالولايات المتحدة. ويأتي ذلك في وقت بدأت فيه أنقرة تقطير المساعدات المخصَّصة للمناطق الخاضعة لسيطرتها، في ما يَظهر أنه يستهدف تصعيد الضغوط على التشكيلات المتحكّمة بتلك المناطق، وإجبارها على القبول بفتْح المعابر مع معاقل الحكومة السورية

أدّى اغتيال ناشط وزوجته في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، إلى اشتعال فتيل مواجهات دامية تخلّلتها عمليات قصف متبادل بقذائف الهاون، بعد ثبوت تورُّط «فرقة الحمزة» التي تتمتّع بعلاقات متينة مع الاستخبارات التركية في العملية. وشنّت فصائل عدّة، أبرزها «الجبهة الشامية»، على إثر ذلك، هجوماً على مواقع «الحمزة»، وأجبرتْها على الخروج من المدينة، وهو ما ردّت عليه الأخيرة بتكثيف هجماتها على مواقع الأولى. وفي وقت يبدو فيه هذا المشهد طبيعياً، مقارنةً مع السنوات الماضية التي لم تتوقّف خلالها الاشتباكات بين الفصائل المعارِضة على خلفية محاولة كلّ فصيل توسيع دائرة سيطرته، تأتي المواجهات الأحدث بالتزامن مع مجموعة من المتغيّرات الميدانية والسياسية، لتُعيد فتح الباب أمام مشروع كانت حاولت بعض الجماعات تسويقه العام الماضي، من دون أن تنجح في ذلك، لكنّ جهودها هذه المرّة قد تلْقى قبولاً أكبر. ويتمثّل هذا المشروع في السعْي لتوسيع دائرة سيطرة «الجبهة الشامية»، بشكل يشابه طريقة تغوّل «هيئة تحرير الشام»، بهدف خْلق جسم «إسلامي» يواجه محاولات تمدّد أبو محمد الجولاني، زعيم «الهيئة». وتَكشف نظرة على مجريات الأحداث، خلال اليومين الماضيين، بالفعل، توسّعاً واضحاً لمواقع «الشامية»، التي تضمّ خليطاً من التشكيلات المتعدّدة الولاءات والعلاقات، على حساب فصيل «الحمزة» الذي تدور حوله شبهات ارتباط بالجولاني.

وبالتوازي مع محاولات إحياء مشروع «الجبهة الشامية»، شهدت حركة «أحرار الشام» سلسلة انشقاقات، آخرها انشقاق «لواء الإيمان»، على خلفيّة محاولة أطراف في الحركة توسيع علاقتها مع «هيئة تحرير الشام». وأشعلت هذه المحاولة فتيل خلاف حادّ بين أطراف ترغب في الانضمام إلى الجولاني الذي يُعتبر في الوقت الحالي جانباً مضموناً في ظلّ علاقته المتينة بكلّ من تركيا وقطر والولايات المتحدة، وبين أطراف أخرى تميل إلى صفّ «الجبهة الشامية» الذي تراه أكثر ملاءمة للفترة المقبلة. وبينما تحاول «الشامية» استثمار الظروف الراهنة للتوسّع في ريف حلب، تفتح هذه الظروف نفسها الباب أيضاً أمام توسُّع مقابلٍ قد تقدِم عليه «هيئة تحرير الشام»، أخْذاً في الحسبان العلاقات القوية التي تربط الجولاني بجماعة «الحمزة» عبر الاستخبارات التركية. وتُعتبر «الحمزة» إحدى أبرز الجماعات التي نفّذت عمليات تجنيد لإرسال مقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان لصالح تركيا، إلى جانب جماعة «أبو عمشة» التي تعيش بدورها أياماً صعبة نتيجة الضغوط المستمرّة عليها، ما قد يدفع «الفصيلَين» إلى الانتقال إلى «الهيئة»، مقابل الحفاظ على مصالحهما المتمثّلة في معابر التهريب بين ريفَي حلب وإدلب.
وتأتي التطوّرات الأخيرة في وقت تشهد فيه مناطق سيطرة أنقرة حالة ضيق واسعة، بعد تخفيض كمّية الأموال المرسَلة إليها، بما لم يستثنِ القطاع الصحّي الذي شهد إضراباً وتظاهرات على خلفية تَأخّر رواتب العاملين فيه لأكثر من شهرَين، علماً أن رواتب هذا القطاع تأتي من قطر، وتتولّى تركيا عملية توزيعها. وبحسب مصادر معارِضة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن التأخير مردّه إلى زيادة ضخّ الأموال في المشاريع السكنية، التي شهدت نموّاً واضحاً خلال الشهرَين الماضيين. وتُبيّن المصادر أن تركيا تحاول عبر ذلك الإجراء، ضرب عصفورَين بحجر واحد، بحيث تزيد السيولة اللازمة لتسريع عمليات البناء من جهة، وتستثمر حالة التضييق تلك، لتمهيد الأرض لفتح المعابر مع دمشق، والتي ستكون بمثابة «شريان الحياة» لمناطق سيطرة الفصائل.

تكشف مجريات أحداث اليومَين الماضيَين توسّعاً واضحاً لمناطق سيطرة «الجبهة الشامية»

في غضون ذلك، يُجري المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، سلسلة لقاءات مكّوكية بين أطراف عدّة بهدف إعادة تنشيط الملفّ السوري، في وقت يَجري فيه الحديث عن قرب عودة عمل «اللجنة الدستورية» التي كانت قد توقّفت على خلفيّة الحرب الروسية على أوكرانيا، ورفض دمشق استمرار أعمالها في سويسرا التي تخلّت عن حياديّتها في تلك الحرب. ويبدو بيدرسون متفائلاً بنجاح مساعيه هذه المرّة، خصوصاً مع استثماره محاولات روسيا فتْح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة. وفي هذا الملفّ الأخير تحديداً، تسعى موسكو إلى نقل النقاشات الأمنية بين البلدَين إلى مستوى النقاشات السياسية، وهو ما سيتناوله الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمّة تستضيفها أستانا الكازاخية اليوم الأربعاء، وستكون القضية الأوكرانية محورها الأبرز.

علاء حلبي / الأخبار