الجمعة , نوفمبر 22 2024

مخالب الأمبراطور ومخالب القيصر

مخالب الأمبراطور ومخالب القيصر

نبيه البرجي

حتى في الكونغرس، ثمة من يدعو جو بايدن الى حصار فلاديمير بوتين، وبالحرف الواحد “مثلما تحاصر القطة الفأرة “. أخيراً، لا بد للقطة أن تضرب الفأرة بمخلبها. هل يستطيع الأمبراطور أن يضرب القيصر بمخلبه؟!

وكان ليو شتراوس، الفيلسوف اليهودي الأميركي، ونبي المحافظين الجدد، يعتبر أن الولايات المتحدة أكثر من أن تكون أمبراطورية، وأن على رئيسها أن يتصرف كونه أكثر من أمبراطور…

أساتذة في جامعات أميركية كبرى يسألون ـ بذهول ـ لماذا يصر البيت الأبيض على أن يستخدم الكرملين القنبلة النووية، ولو كانت القنبلة التكتيكية في أوكرانيا من خلال تزويد فولوديمير زيلينسكي بأكثر الأسلحة فتكاً، مع الاعداد لارسال منظومات الدفاع الجوي، ما يحد من الفاعلية التكتيكية والاستراتيجية للصواريخ الروسية.

يتردد أن داخل الدولة العميقة ـ الأمبراطورية العميقة ـ من يريد للروس أن يفتحوا البوابة النووية، ليدخل منها الأميركيون الى المناطق التي تشكل هاجساً استراتيجياً للبنتاغون. بطبيعة الحال، هناك من يعتقد أن الهدف من ذلك ترويع البلدان الأوروبية، ناهيك عن بلدان آسيوية، لتبقى داخل الحظيرة الأميركية.

دعوة من أساتذة الجامعات الى “أن نفهم بوتين بصورة أفضل”. رجل يتوق الى اعادة احياء “روسيا المقدسة”. هو لا يشبه ليونيد بريجنيف، ولا ألكسي كوسيغين بالشخصية المترهلة وبالايديولوجيا المكفهرة، التي لا يمكنها مواجهة أعاصير العصر ولا فانتازيا العصر.

تحذير صحف أوروبية من أن لبوتين أكثر من مخلب يستطيع أن يستخدمه، وقبل المخلب النووي. “التايمز” البريطانية رأت أن بامكانه تفجير كابلات الألياف الضوئية (طولها نحو مليون كيلومتر)، وهي تؤمن 95 % من الاتصالات العالمية، وتعالج تريليونات العمليات المالية والمصرفية، في حين أن حمايتها يقتضي اجراءات بالغة التعقيد، فضلاً عن التكلفة اللوجيستية الباهظة.

واذا كان من شأن ذلك تفكيك أوتعطيل النظام المصرفي العالمي، يمكن لموسكو ضرب أنابيب الغاز البديلة عن الأنابيب الروسية. على سبيل المثال، الخط الذي يربط بين النرويج وبعض الدول الأوروبية، هذا اذا أغفلنا عملية زرع الألغام أمام ناقلات النفط والغاز.

الغريب في هذا السياق، أن الأميركيين أنفسهم، وبينهم آلفن توفلر، الباحث المستقبلي الشهير، هم أصحاب النظريات القائلة أن القوى العظمى، بقدر ما تمتلك من وسائل عسكرية أسطورية، تعاني من الهشاشة التي يمكن أن تعرّضها للشلل أو للانهيار. هناك الحرب السيبرانية التي تستهدف وسائل ومحطات الاتصال إن بتدميرها أوباصابتها بالشلل.

هذا بالاضافة الى اصابة القاذفات والغواصات والصواريخ بالعمى. توفلر لم يستبعد أن يأمر البنتاغون القاذفة العملاقة “بي ـ 52 ” بالانطلاق من مدغشقر لضرب طهران، فاذا بها تنحرف عن مسارها، وتضرب كلكوتا في الهند، أو اسلام آباد في باكستان. فوضى استراتيجية تجعل من أصحاب الأدمغة الفولاذية، الأدمغة المجنونة، يفكرون كثيرا لا كآلهة الاغريق، بل كفلاسفة الاغريق. أيضاً بحسب توفلر…

الرد الصاروخي على تفجير جسر القرم كان مؤشراً على أن التصعيد الحقيقي لم يبدأ بعد. التلميحات الروسية كانت واضحة. اذا مضى بايدن في سياسته، لن يتردد بوتين في الضغط على الأزرار النووية.

في هذه الأثناء، معلومات ديبلوماسية أوروبية تشير الى أن بوتين يفكر جدياً، بتزويد كل من سوريا وايران بالمنظومات الصاروخية “اس. اس ـ 400” ، ما يحدث انقلاباً مثيراً في معادلات القوة في الشرق الأوسط، وبعدما حذر أكثر من جهاز استخبارات غربي بأن المسافة بين آيات الله والقنبلة أقرب من رفة الجفن.

من البداية كان واضحاً أن الغاية من الحرب في أوكرانيا تتعدى بكثير هذا البلد المعذب. أي نظام عالمي بعد الآن؟

مجموعة السبع قررت “محاسبة” بوتين. زيلنسكي ما زال في دوره البهلواني. أوروبا بالوكالة عن أميركا، تزداد تورطاً في الحرب التي باتت تلعب ضد الجميع. بعقلية وحيد القرن تريد أميركا أن تبقى وحيدة في قيادة القرن. لا أحد قال بعبقرية… وحيد القرن!!

الديار