الجمعة , نوفمبر 22 2024

ملاحقة مديرة الصحة العالمية بسوريا.. “فساد وانتهاكات لا حصر لها”

ملاحقة مديرة الصحة العالمية بسوريا.. “فساد وانتهاكات لا حصر لها”

اتهم موظفو مكتب منظمة الصحة العالمية في سوريا، مديرة المكتب بسوء إدارة ملايين الدولارات من أموال المنظمة، وتقديم الهدايا إلى المسؤولين الحكوميين – شملت حاسبات وعملات ذهبية وسيارات – وانتهاك قواعد الوكالة الخاصة بكوفيد -19 خلال تفشي الجائحة في البلاد.
وتظهر أكثر من 100 وثيقة ورسائل ومواد أخرى سرية حصلت عليها الأسوشيتدبرس، أن مسؤولي منظمة الصحة العالمية أخبروا المحققين أن ممثلة المنظمة في سوريا، الدكتورة أكجمال مختوموفا، ارتكبت مخالفات جسيمة، وأساءت إنفاق أموال المنظمة والجهات المانحة.
ورفضت مختوموفا، وهي طبيبة ومواطنة من تركمانستان، الرد على الأسئلة المتعلقة بالادعاءات، “نظرا لكونها موظفة في منظمة الصحة العالمية”. ووصفت الاتهامات بأنها “تشهيرية”.
وكانت الشكاوى التي تلقتها المنظمة من عشرات الموظفين سببا في فتح واحد من أكبر التحقيقات الداخلية لمنظمة الصحة العالمية منذ سنوات، والتي شارك فيها في بعض الأحيان أكثر من 20 محققا.
تحقيقات “طويلة ومعقدة”
وأكدت منظمة الصحة العالمية في بيان، أن التحقيقات لا تزال جارية، ووصفتها بأنها “طويلة ومعقدة”، رافضة التعليق على مخالفات مختوموفا، متذرعة بقضايا السرية وحماية الموظفين.
وفقا للوثائق فقد بلغت ميزانية مكتب منظمة الصحة العالمية في سوريا حوالي 115 مليون دولار العام الماضي لمواجهة الأوضاع الصحية في بلد تمزقه الحرب ويعيش قرابة 90 بالمائة من سكانه في فقر مدقع، ويحتاج أكثر من نصفهم إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
وقضى محققو منظمة الصحة العالمية الأشهر الماضية للتحقيق في المخالفات، بما في ذلك الحفل الذي أقامته مختوموفا للإشادة بإنجازاتها الخاصة على نفقة وكالة الأمم المتحدة، وتقديمها خدمات “لكبار السياسيين في سوريا، بالإضافة إلى عقد اجتماعات سرية مع الجيش الروسي”، في انتهاك لحيادية منظمة الصحة العالمية كمنظمة تابعة للأمم المتحدة.
في إحدى الوثائق التي أرسلت إلى المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في مايو/ أيار، قال موظف مقيم في سوريا إن مختوموفا قامت بتعيين أقارب مسؤولين حكوميين غير أكفاء”.
في مايو/ أيار صدر المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق البحر الأبيض المتوسط قرارا بتعيين قائم بأعمال المنظمة في سوريا ليحل محل مختوموفا بعد إعفائها من منصبها – لكنها لا تزال مدرجة كممثلة للوكالة في سوريا في دليل موظفيها.
وذكر العديد من موظفي المنظمة في سوريا لمحققي الوكالة، أن مختوموفا فشلت في إدراك مدى خطورة الجائحة في سوريا وعرضت حياة الملايين للخطر.
وشكا ما لا يقل عن خمسة من موظفي المنظمة للمحققين من انتهاك مختوموفا قواعد كوفيد-19 الخاصة بمنظمة الصحة العالمية. وقالوا إنها لم تشجع العمل عن بعد، وحضرت إلى المكتب بعد إصابتها بكوفيد وعقدت اجتماعات بدون كمامة، اتهمها أربعة بنقل العدوى لآخرين.
وفي ديسمبر/ كانون أول 2020، خلال السنة الأولى للجائحة، أصدرت مختوموفا تعليمات لموظفي مكتب سوريا لتعلم رقصة فلاش موب التي تم الترويج لها على وسائل التواصل الاجتماعي لحدث الأمم المتحدة في نهاية العام.
“أفضل برنامج تعليمي”!
وكتب رفيق الحبال، موظف الاتصالات في منظمة الصحة العالمية، في رسالة بريد إلكتروني إلى جميع موظفي المكتب في سوريا: “برجاء الاستماع إلى الأغنية، والتدرب على الخطوات، والتقاط مقاطع لكم وأنتم ترقصون على أنغام الموسيقى لتكونوا جزءا من فيديو رقصة الفلاش موب العالمية”. وأرسلت مختوموفا رابطا إلى أحد مواقع يوتيوب، والذي وصفته بأنه “أفضل برنامج تعليمي”.
تُظهر مقاطع مصورة متعددة موظفين، بعضهم يرتدي سترات أو معاطف منظمة الصحة العالمية، ويؤدون رقصة “تحدي الجيروساليما” في المكاتب والمستودعات المجهزة بالإمدادات الطبية، في وقت وجه فيه كبار المسؤولين في منظمة الصحة العالمية في جنيف الدول بانتهاج العمل عن بعد وتعليق جميع التجمعات غير الضرورية.
تثير الوثائق الداخلية ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل أيضا مخاوف جدية بشأن استخدام أموال منظمة الصحة العالمية تحت قيادة مختوموفا، حيث يزعم الموظفون أنها أساءت إنفاق أموال المانحين المحدودة التي تهدف إلى مساعدة أكثر من 12 مليون سوري يعيشون أوضاعا بالغة الصعوبة وفي حاجة ماسة إلى المساعدات الصحية.
من بين الحوادث التي يجري التحقيق فيها حفل نظمته مختوموفا في مايو/ أيار الماضي، عندما حصلت على جائزة من جامعة تافتس، جامعتها الأم. وأقيم الحفل في فندق فورسيزونز بدمشق، وتضمنت قائمة الضيوف حوالي 50 ضيفا، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد المواطنين السوريين الحاصلين على جرعة من واحدة من لقاح كوفيد 1 بالمائة.
وتظهر وثائق منظمة الصحة العالمية أن الحفل أقيم للاحتفال بإعلان منظمة الصحة العالمية عام 2021 عام العاملين في مجال الصحة والرعاية، لكن الحفل خصص لمختوموفا، وليس للعاملين في مجال الصحة. وبلغت تكلفة الحفل حسب جدول البيانات أكثر من أحد عشر ألف دولار.
عقود مثيرة للريبة
وأثار مسؤولون آخرون في منظمة الصحة العالمية مخاوف بشأن إدارة مختوموفا لأموال المنظمة، قائلين إنها متورطة في العديد من العقود المثيرة للريبة، بما في ذلك اتفاق النقل الذي منحت بموجبه عدة ملايين من الدولارات لمورد تربطها به علاقات شخصية.
وزعم ما لا يقل عن خمسة موظفين على الأقل من استخدام مختوموفا أموال منظمة الصحة العالمية لشراء هدايا لوزارة الصحة وغيرها، بينها “خوادم وأجهزة كمبيوتر محمولة متطورة” وعملات ذهبية وسيارات. ولم تكن الأسوشيتد برس في وضع يسمح لها بتأكيد مزاعمهم.
وقال العديد من موظفي مكتب المنظمة في سوريا إنهم تعرضوا لضغوط لإبرام اتفاق بشأن الإمدادات الأساسية مثل الوقود مع مسؤولين حكوميين.
تأتي الاتهامات بشأن الممثل الأعلى لمنظمة الصحة العالمية في سوريا بعد شكاوى متعددة لسوء السلوك في السنوات الأخيرة، بينها الاعتداء الجنسي في الكونغو والسلوك العنصري من قبل مسؤول بارز في منظمة الصحة العالمية في غرب المحيط الهادئ.
أشار خافيير غوزمان، مدير الصحة العالمية في مركز التنمية العالمية بواشنطن، إلى أن التهم الأخيرة المتعلقة بمختوموفا من منظمة الصحة العالمية “تثير قلقا بالغا” ولا يتوقع أن تكون استثناء.
قال غوزمان: “من الواضح أن هذه مشكلة منهجية. هذه الادعاءات لا تحدث فقط في أحد مكاتب منظمة الصحة العالمية ولكن في مناطق متعددة”.
رغم نظر البعض إلى تيدروس باعتباره الضمير الأخلاقي للعالم خلال كوفيد-19، إلا أن مصداقية الوكالة تضررت بشدة بسبب تقارير عن سوء السلوك. ودعا غوزمان منظمة الصحة العالمية إلى نشر التقرير الخاص بالتحقيق في مختوموفا ومكتب سوريا.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن تقارير التحقيق “لا تكون في العادة وثائق عامة”، لكن “البيانات المجمعة” ستتاح للجمهور.
وكالات