الخميس , أبريل 25 2024

جرائم “الابتزاز الإلكتروني” ترتفع 30% خلال الحرب في سوريا

جرائم “الابتزاز الإلكتروني” ترتفع 30% خلال الحرب في سوريا

تعتبر جريمة الابتزاز الإلكتروني من الجرائم الشائعة بمعدل متنام في العالم بشكل عام، بالإضافة إلى انتشارها أيضا في العالم العربي، كنتيجة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الأزمات المختلفة وسوء الأحوال الاقتصادية، تعتبر من العوامل التي أسهمت بازدياد نسبة هذه الجرائم في سوريا في الآونة الأخيرة.
ويستغل بعض الدجالين الحالة النفسية للمرضى أو الأزمات العائلية التي يعاني منها بعض الناس، للبدء بتنفيذ جريمته النكراء، التي يقع أغلب ضحاياها من النساء أو الفتيات.
“جلب الحبيب والتخلص من الجن العاشق”، بهذه الكلمات، على سبيل المثال لا الحصر، اصطاد أحد الدجالين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الشابة (ر – 17 عامًا) لتقع ضحية أخرى لجريمة ابتزاز إلكتروني.
وتقول الشابة (ر) لـوكالة “سبوتنيك”، إنها تعرضت لابتزاز جسدي بعد أن “تواصلت مع أحد الشيوخ على الإنترنت بقصد جلب الحبيب بعد أن قام الشاب الذي أحبّه بحظري على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم الرد على اتصالاتي”، حيث كانت نتيجة هذا الابتزاز كارثية بالنسبة للفتاة من الناحيتين النفسية والجسدية.
ولم تقتصر المشكلة على فئة المراهقين، بل امتد لتشمل الطبقة المثقفة من المجتمع، على سبيل المثال تعرضت (ر- 38 عامًا) وهي طبيبة أسنان، لحادثة مشابهة بعد تلقيها نصيحة من صديقتها “لتجعل زوجها يعود إلى منزله ويكف عن خيانتها”، فتواصلت مع أحد المشعوذين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتنتهي القصة أيضا بابتزاز جسدي وجنسي بحجة العلاج الكاذب.
ولكن، قد تكون قصة (هـ/ 25 عامًا) مختلفة نوعاً ما، فهي لم تقع ضحية شعوذة بل ضحية (حب).. وتقول لـ “سبوتنيك”: “أحببت شاباً تعرفت عليه على مواقع التواصل الاجتماعي وبدأت أرسل له صور ومقاطع فيديو بعد أن وعدني بالزواج”، لتنتهي القصة بتعرض الشابة لجريمة ابتزاز جسدي ومالي.
عشرات الضحايا أو ربما المئات يقعن في فخ “الابتزاز الإلكتروني”، ولا يتجرأن على تقديم الشكوى خوفاً من المجتمع أو عقاب الأسرة والعائلة.
ولحساسية هذا الموضوع وأهميته، خاضت “سبوتنيك” هذا الملف مع قاضي النيابة العامة لدى وازرة العدل محمد عروس والمحامي المختص في الجرائم الإلكترونية جعفر عبود، فما هي جريمة الابتزاز الإلكتروني، وما هي أساليبها، وحكمها في القانون؟

بقصد المال أو الجنس
في حديثه لـ “سبوتنيك”، قال قاضي النيابة العامة لدى وزارة العدل السورية، المستشار محمد عروس، إن “جريمة الابتزاز الإلكتروني، وهي إحدى صور الجريمة الإلكترونية، أصبحت ظاهرة تخترق المجتمع وتهدد دعائمه، وتضرب في مقتل أهم أهداف أي مجتمع متحضر من تحقيق الأمن لأفراده، وشعورهم بالأمان في حياتهم”.

وكشف القاضي عروس أن “جوهر وسبب تجريم الابتزاز الإلكتروني هو التهديد والابتزاز، فالابتزاز الإلكتروني جريمة”، مشيرا إلى أنه يمكن تعريف هذه الجرائم على “أنها تهديد بالتشهير بمشاركة معلومات تخص شخص ما، بما في ذلك الصور والفيديو، على الإنترنت، ما لم يستجب لمطالب المبَتز، والتي تكاد تنحصر في طلب المال أو الاستغلال الجنسي”.
وأوضح القاضي عروس: “تتنوع وتتعدد أهداف الابتزاز الإلكتروني، لكن يمكن حصرها باختصار على أنها لا تخرج عن الآتي: أهداف مادية وأهداف جنسية وأهداف نفعية”.
الحذر ثم الحذر
وعن طرق مواجهة جريمة الابتزاز الإلكتروني، أوضح قاضي النيابة السورية أنها تكون بالإبلاغ والتواصل مع الجهات الأمنية مباشرة، وعدم الرضوخ للابتزاز، وعدم قبول صداقات أشخاص غير معروفين، بالإضافة إلى عدم إرسال أي مبالغ مالية تحت أي تهديد مباشر، والحذر من مواقع وتطبيقات التعارف والجوائز والهدايا وفرص التوظيف غير الرسمية، فغالباً ما تكون هذه الطرق بداية اصطياد الضحايا”.
قد تكون “وهمية”!
وتابع القاضي عروس: “يلاحظ أن بعض عمليات الابتزاز قد تكون وهمية، أي يتم خداع الضحية، ويقع في هذا الفخ صغار السن من المراهقين خاصة الفتيات، وأمام الخوف من الفضح والتشهير قد تلجأ الضحية إلى الانصياع للابتزاز، أو قد تتخلص من حياتها خوفا من الفضيحة”.

وبيّن قاضي النيابة أنه “في حالات قليلة قد تلجأ الضحية إلى الأسرة أو جهات التحقيق الرسمية لإنقاذها، خاصة إذا وقعت أخطاء من الضحية مثل ارتكاب فعل مشين تم توثيقه”.
وأَردف، مضيفًا: “من ناحية أخرى، يجب على أولياء الأمور ألا يُهملوا أولادهم بتركهم عرضة للابتزاز، إذ يجب أن يكون للوالدين حضور في حياة أبنائهم، وألا يكونا غائبين عن المواقع التي يرتادها أولادهم أو الصداقات التي يكونونها أو المحتوى الذي يبثونه على الإنترنت”.

وأوضح قاضي النيابة لدى وزارة العدل السوري: “يؤكد المختصون أن بوابات الألعاب هي مناطق اصطياد سهلة للأطفال والمراهقين، لأن من يقوم بالابتزاز الإلكتروني يعرف نقاط قوة وضعف الضحية”.

ماذا يقول القانون السوري؟
عن عقوبة تلك الجرائم، أوضح القاضي عروس أن “المشرع السوري نص في القانون رقم 20 لعام 2022 بالمادة 26 منه فقرة (ب) أنه (يعاقب بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات والغرامة من مليون ليرة إلى أربعة ملايين ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من هدد بالنشر أو نشر على الشبكة صوراً أو فيديوهات أو محادثات أو تسجيلات صوتية منافية للحشمة أو الحياء عائدة لأحد الناس ولو حصل عليها برضاه، وتشدد العقوبة لتصبح السجن المؤقت من خمس سنوات إلى سبع سنوات والغرامة من أربعة ملايين إلى خمسة ملايين إذا وقع الجرم على قاصر)”.

وعن دور الأجهزة المختصة والنيابة العامة السورية، قال القاضي عروس: “تقوم النيابة العامة، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بدور كبير وجهد واضح في معالجة هذه الجريمة والحد منها، ففي مجال الوقاية يتمثل دور النيابة العامة في التوعية والتوجيه بأخطار جريمة الابتزاز الإلكتروني والوقاية من الأعمال التي قد تجعل الضحية عرضه للابتزاز الإلكتروني”.
ولتحقيق الغايات التوعوية، بين عروس أن ذلك يتم “من خلال جميع قنوات التواصل الاجتماعي والرد على الاستفسارات المقدمة مباشرة بخصوص هذه الجريمة”.

ودعا قاضي النيابة الشعب السوري في ختام حديثه لـ “سبوتنيك”: “للإبلاغ عن أي جريمة أو اشتباه يقع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويخل بالأمن العام، أو يهدد أمن المجتمع، أو الآداب العامة أو النظام العام، أو عن الظواهر السلبية أو الدخيلة على المجتمع، أو الحالات التي لها تأثير سلبي في الرأي العام، وذلك بهدف توفير الحماية للمجتمع من الجرائم الإلكترونية”.
ارتفعت بنسبة 30%
من جانبه، كشف المحامي جعفر عبود لـ “سبوتنيك”، أن جرائم الابتزاز الإلكتروني ارتفعت خلال سنوات الحرب بنسبة 30 في المئة.
وعن أسباب ارتفاع تلك النسبة، قال عبود: “لعل ما جعل الابتزاز الإلكتروني ظاهرة متصاعدة، هي الرقمية المتسارعة وآثار الحرب وغياب الحواجز، وأصبح الكثير، خاصة الفتيات الصغيرات عرضة للاستغلال بكافة أشكاله، وبعضهن أقدمن على التخلص من حياتهن خوفا من التشهير والفضائح.. فوسائل التواصل الاجتماعي كسرت جميع الحواجز الاجتماعية والجغرافية، وتسللت إلى غرف النوم، وإلى دقائق الحياة الشخصية، ومع الانبهار بتلك التكنولوجيا، والرغبة في تحصيل أكبر قدر من الإعجاب، انهدمت جدران الخصوصية، وحلت مكانها الرغبة في الشهرة، ومع ذلك الجموح ظهرت القدرة على التصيّد والتشهير والابتزاز”.
جريمة متنامية
وأضاف عبود: “جريمة الابتزاز الإلكتروني هي جريمة متنامية في كل مجتمعات العالم، إذ ترصد أجهزة التحقيق الكثير من الشكاوى والبلاغات عن تنامي الظاهرة، وبدلا من أن تعزز الرقمية قيم التواصل، فإنها كانت مدخلا للحصول على المعلومات؛ بل واختراق أجهزة الموبايل والكمبيوتر والقرصنة على محتوياتها، واستغلالها للضغط على الضحايا للانصياع للرغبات الآثمة”.