وزير النفط السوري يكشف عن عن واقع الطاقة ومستقبلها
على وقع حالة عدم الاستقرار التي يعيشها سوق الطاقة العالمي، عُقد أخيراً أسبوع الطاقة الروسي، الذي ينظّم سنوياً في شهر تشرين الأول/أكتوبر بحضور دولي واسع، شمل هذا العام نحو 3 آلاف مشارك يمثلون 70 دولة، وفي ظل غياب أميركي وأوروبي كان منتظراً.
تتأتى أهمية الأسبوع هذا العام من زاويتين: الأولى أن روسيا هي إحدى أهم الدول المنتجة والمؤثرة في سوق الطاقة العالمية، وتالياً فإن خططها ومشروعاتها تمثل استشرافاً لما سيكون عليه سوق الطاقة العالمي مستقبلاً، أو على الأقل ترسم بعض من ملامحه. والزاوية الثانية أن الأسبوع يعقد في ظل صراع روسي-أميركي محتدم، ظاهره سياسي وعسكري، وباطنه طاقوي بامتياز. والعالم يترقب بقلق تبعات هذا الصراع، نظراً إلى تأثيراته المباشرة والضخمة على اقتصادات دوله.
في حديث خاص إلى “الميادين نت”، يجيب وزير النفط السوري المهندس بسام طعمة، الذي مثّل بلاده في الأسبوع المذكور، عن تساؤلات عدة، بعضها متعلق بالدور الروسي في سوق الطاقة العالمي، وتأثيرات الأزمة في أوكرانيا ومع الغرب على هذا الدور. وبعضها الآخر خاص بأفق العلاقات السورية-الروسية في مجال الطاقة.
الطاقة أهم أداة سياسية
إحدى السمات الأساسية للفعالية الروسية، أنه لم يجرِ تسليط الضوء فقط على الوقود الأحفوري أو التقليدي، الذي ثبت أنْ لا بديل منه، وإنما سعت أيضاً لمناقشة التوجهات الحديثة لموسكو في مجالاتٍ مختلفة من الطاقة كالوقود الهيدروجيني وإلى أين تريد أن تصل باستخداماته، وتأثيرات تغيرات المناخ على السياسة الدولية وسياسات قطاع الطاقة. إن روسيا، بحسب الوزير السوري، هي لاعب كبير جداً في سوق الطاقة العالمي، فمثلاً صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا تجاوزت 150 مليار متر مكعب، وإنتاجها من النفط وصل إلى نحو 11 مليون برميل يومياً.
وليس هذا فحسب، فالميزة الروسية الأخرى هي في سهولة إدخال إنتاجها الكبير من الغاز والنفط في السوق العالمية، وذلك من خلال استخدامها شبكة ضخمة من خطوط نقل الغاز، والمتمثلة في خطوط (نورد ستريم)، شبكة الخطوط التي ورثتها من الاتحاد السوفياتي والتي تمر عبر أوكرانيا، الخطوط التي تمر عبر تركيا، خط يمال الذي يمر عبر بيلاروسيا. ولتعزيز دور صادراتها من الغاز، اشترت شركة غاز بروم كميات كبيرة من غاز تركمانستان.
يتابع الوزير السوري “سهولة ولوج الصادرات الغازية والنفطية الروسية إلى الأسواق العالمية، وبتكاليف قليلة، جعلت الولايات المتحدة الأميركية تسعى لعرقلة هذا الولوج لمصلحة صادراتها الغازية المرتفعة التكاليف، وذلك جراء عمليات التسييل والتغويز (التحويل من السائل إلى الغاز) التي تفرضها عمليات النقل بالبواخر عبر الأطلسي، في حين أن الغاز الروسي لا يتطلب بعد إنتاجه سوى تخليصه من بعض الشوائب ليكون خلال ساعات في قلب شبكة الغاز الأوروبية. وإضافة إلى ذلك، فإن مساحة روسيا الواسعة منحتها فرصة للمناورة وإيجاد بدائل سريعة لتصدير الغاز، كما حدث عندما ضرب نورد ستريم. فهناك مثلاً توجه إلى تزويد باكستان بالغاز، وآخر إلى تحويل تركيا إلى مركز لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، وغير ذلك”.
لكن أين تكمن نقطة الضعف الروسية؟ يعتقد المهندس طعمة أن نقطة الضعف الوحيدة تكمن في افتقاد روسيا إلى شركات تقديم خدمات نفطية على مستوى شركات الخدمات الغربية، التي لديها تقنيات جديدة ومتطورة من قبيل تقنيات تسييل الغاز، المسح السيزمي، المسح في البحار، وغيرها.
وبعض هذه الشركات تملك براءات اختراع بهذه التقنيات التي أسهمت بفعالية في خفض التكاليف، توسيع مجالات الاستكشاف والتنقيب. والرئيس بوتين تحدث عن ذلك سابقاً، ولديه طموح كبير إلى تحديث هذا الجانب.
حتمية الحاجة العالمية إلى النفط والغاز الروسيين، لا تلغي وجود قلق روسي حالياً جراء المحاولات الأميركية الهادفة إلى إخراج الغاز الروسي من السوق الأوروبية أو خفض كمياته. وهذا القلق ليس على الصادرات، وإنما على وجهة هذه الصادرات، فالدول المنتجة تتصارع على الأسواق المغرية باستقرار استهلاكها، والقادرة على تسديد ثمن تلك الصادرات، والأهم القريبة منها، وهذا تماماً ينطبق على علاقة روسيا بالأسواق الأوروبية، وإلا فإن البديل سيكون أسواقاً غير مستقرة، غير قادرة على تسديد ثمن ما يصدر لها، وتالياً تأثر الدورة الاقتصادية للبلد.
صحيح أن موسكو تسعى إلى كسر احتكار الدولار، ولهذه الغاية قبلت التعامل بالعملة المحلية مع بعض الدول القوية اقتصادياً كالصين والإمارات، إلا أنها في المقابل مهتمة بتحقيق إيرادات دولارية للمحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي في البلاد.
يعقب وزير النفط السوري على ذلك قائلاً: إن الرئيس بوتين تحدث بصراحة خلال كلمة الافتتاح عن أن السبب الذي يجعل الميزان التجاري لروسيا مع أوروبا رابحاً، هو أن الأوروبيين يستوردون الغاز من روسيا ولا يبيعونها بضائع، وهذا ما يجعل قيمة الصادرات الروسية إلى أوروبا أعلى من قيمة مستورداتها.
واللافت أنه أكد أن موسكو لا تزال مستعدة للتعاون وتزويد أوروبا الغاز، مشيراً إلى أن الخطوط داخل أوكرانيا جاهزة، وما عليهم سوى فتح “الصمام”. هذا الكلام يتقاطع وحديثاً صحافياً سابقاً للرئيس بوتين، ففي إجابته عن سؤال يتعلق بالسبب الذي يمنع موسكو من زيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا قال: الأوربيون رفضوا توقيع عقود طويلة الأجل. وغايتهم من ذلك ألا يمنحوا روسيا استقراراً في التدفقات المالية سنواتٍ طويلة، وهو ما من شأنه أن ينعكس على دورة حياة الاقتصاد الروسي، لذلك كانوا يفضلون توقيع عقود سنوية، ولو كانت بسعر أعلى، وهي سياسة خسّرت الأوروبيين نحو 300 مليار دولار.
والسؤال” هل صادرات الغاز الأميركية قادرة على تعويض النسبة التي تشغلها الصادرات الروسية في السوق الأوروبية؟
يجيب الوزير طعمة أن واشنطن غير قادرة حتماً على فعل ذلك، والرئيس بوتين أوضح بطريقة متهكمة أن الأميركيين ضربوا خط السيل الشمالي كي يجبروا الأوروبيين على شراء سلعة بسعر أعلى، محذراً إياهم من أن تهرع واشنطن وراء السعر الأعلى
وهي قد تخذلهم لمصلحة من يدفع أكثر.
مستقبل مزدهر على رغم العقوبات
في المحور الثاني نناقش مع وزير النفط السوري ما يتعلق بمستقبل العلاقة السورية–الروسية في مجال الطاقة، لا سيما في ظل تساؤلات كثيرة متعلقة بواقع الاستثمارات النفطية الروسية في سوريا، وعدم تحقيقها نتائج كبيرة حتى الآن.
قبل أن يعطي إجابة عن أفق العلاقات الثنائية بين البلدين، يفضل الوزير السوري أن يقدم تحليلاً موجزاً، يمكن للقارئ أن يفهم من خلاله مسار هذه العلاقات مستقبلاً في مجال الطاقة.
“فالأرض السورية لم يستكمل استكشافها بعد، وهناك فعلاً مناطق مبشّرة بإمكانية احتوائها على النفط والغاز مثل المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات، فالحقول الحالية الواقعة في منطقة الجزيرة مستكشفة منذ عام 1968. آنذاك كانت الشركات الدولية العاملة في البلاد ميالة إلى الاستكشاف السهل والإنتاج السريع، فمثلاً تكلفة برميل النفط وصلت في الشرق السوري خلال فترة ما إلى أقل من دولارين للبرميل الواحد.
لكن المناطق، التي يحتمل وجود النفط فيها، بحاجة إلى تقنيات متطورة لإنجاز عمليات الاستكشاف والتنقيب، وهي تقنيات محظور على سوريا الاستفادة منها في ضوء العقوبات الغربية، التي شملت طيفاً واسعاً من مجالات النفط، فكانت البداية مع تصدير النفط، ثم توريد المشتقات النفطية، فالتكنولوجيا الجديدة، الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، المؤسسات العاملة في مجال النفط بالاسم واحدة تلو أخرى، ولاحقاً كل من يتعامل بالقطاع النفطي السوري، هذا إضافة إلى العقوبات المصرفية وغيرها.
ويقدم الوزير مثالاً على أهمية استخدام التقنيات الحديثة فيما يتعلق بعمليات المسح السيزمي والاستكشاف في المياه الإقليمية السورية؛ فعمق المياه السورية يصل إلى نحو ألفي متر، فيما هو في بعض الدول كفنزويلا، كندا، والخليج العربي يتراوح ما بين 40-50 متراً، وتالياً فإن هناك شركات عالمية قليلة هي التي يمكنها أن تقدم تقنيات تسمح بإجراء مسح دقيق لهذه المناطق والقيام بعمليات استكشاف وحتى عند محاولة الإنتاج.
وفي ظل العقوبات الغربية يصبح الحصول على كل ذلك أمراً صعباً، “لا بل عندما نتمكن من توفير بعض قطع التبديل والتجهيزات، فإن حصولنا على الدعم الفني أو الاستعانة بخبراء، يكون غير متاح”.
ومع ذلك، وعلى الرغم من العقوبات الغربية، فإن هناك مشروعات مهمة جرى تنفيذها في الفترة الماضية منها: مشروع الضواغط لمعمل غاز جنوب المنطقة الوسطى بتكلفة 88 مليون دولار ونحو ملياري ليرة سورية، والذي من شأنه أن يزيد الإنتاج الغازي بنحو نصف مليون متر مكعب يومياً، وليصبح أفضل استهلاكاً في محطات توليد الكهرباء، وهناك مشروعات أخرى مثل توينان والثورة، والأخيرة منطقة مأمولة جداً، وقد بدأ الأصدقاء الروس الحفر فيها.
يخلص الوزير السوري إلى نتيجتين: الأولى أن نتائج الاستثمار في قطاع الطاقة عموماً، والنفط والغاز خصوصاً، هو فعل تراكمي ممتد زمنياً، وليس كما يتوقع البعض أن ثماره سريعة.
والنتيجة الثانية أن أفق العلاقات السورية-الروسية مزدهر، فإلى جانب الاكتشافات المأمولة من النفط والغاز في البر والبحر السوريين، فإن الموقع الجغرافي لسوريا يجعل منها ممراً إلزامياً لإمدادات الغاز إلى أوروبا، إذ إن البديل منها والمتمثل في مد شبكة خطوط عبر المتوسط مكلف جداً، نظراً إلى أن البحر المتوسط من البحار العميقة والمعقدة تضاريسياً.
الميادين-زياد غصن
اقرأ ايضا: افتتاح مستشفى الشيخ محمد بن زايد في حمص بدعم إماراتي كامل