قرارات ارتجالية تُربك الأسواق وتُلهب الأسعار
تُحيّرنا بعض الوزارات فيما تصدره من قرارات تتعلق بالاستيراد والتصدير والأسعار، فلا تمر ساعات على صدور قراراتها حتى نكتشف بأنها ارتجالية لم تستند إلى أي معطيات واقعية ورقمية.
كلنا تابع القرارات التي تصدر منذ سنوات وتحديدا عن اللجنة الاقتصادية، لقد كانت جميعها، والاستثناءات نادرة وتكاد تكون معدومة، منحازة لقلة من المستوردين والمحتكرين، عانى من تبعاتها المنتجون وملايين الأسر السورية، وإذا كانت بعض الوزارات تراجعت عن قرار ما، فإنها لا تستدركه بقرار مفيد أو بآليات لا تربك الأسواق ولا تُلهب الأسعار!
ما حصل مؤخرا بصدور قرار يسمح بتصدير كميات من محصولي الحمضيات والزيتون خير مثال على القرارات الارتجالية غير المستندة إلى معطيات رقمية وواقعية!
ولا نظن أن أحدا يعارض التصدير لو كانت حصيلته الدولارية ستعود إلى المصرف المركزي، أو ستزيد من أرباح المنتجين، أو بالأحرى ستجنبهم الخسائر التي يتعرضون لها في كل موسم، لكن الجميع يعرف أن الحصيلة الدولارية مصيرها المصارف الخارجية، وليس الوطنية، ولا حتى الخزائن السرية!
قرار يُخفي مادة الزيت!
ما أن صدر قرار بفتح باب تصدير زيت الزيتون حتى بدأ التجار بسحب المادة من الأسواق وتخزينها في مستودعاتهم، ليس بهدف تصديرها، وإنما لاحتكار إنسيابها إلى الأسواق للتحكم بأسعارها، فالاحتكار كان ولا يزال محور نشاط كبار التجار والمستوردين، ولم تستطع وزارة التجارة رغم ضجيجها الإعلامي التدخل الفعلي عبر صالاتها لكسر الاحتكار!
فجأة أصبحت مادة زيت الزيتون عزيزة المنال وتكاد تغيب عن الأسواق باستثناء كميات قليلة لا يقل سعر الكيلو منها عن 25 ألف ليرة، أي أن قرار تصدير المادة رفع سعر الكيلو منها 7 آلاف ليرة خلال ساعات قليلة، طبعا وزارة التجارة الداخلية تكتفي بالتهديد والوعيد وضرب المخالفين والمحتكرين بيد من حديد، دون أن يلمس المستهلك أي نتائج لهذا الضجيج سوى المزيد من الاحتكار ورفع للأسعار!
لمصلحة من؟
والسؤال: لمصلحة من صدر قرار تصدير 45 طنا من زيت الزيتون؟
أليس ملفتاً، بل ومريباً، أن يصدر قرار بتصدير مادة أساسية لملايين الأسر السورية قبل إنتاجها؟
نظريا القرار لمصلحة المنتجين، لكن فعليا القرار لمصلحة التجار، فمن لم يعقد أتفاق “ضمان“ الموسم مع الفلاحين أسرع بشراء المعروض من الموسم الماضي، وسيشتري كميات كبيرة من الموسم الجديد ليخزنه ويتحكم بعرضه ليزيد أسعاره!
كان يفترض أن يصدر قرار التصدير بعد أشهر من طرح إنتاج الموسم الجديد من زيت الزيتون في الأسواق، أي بعد إتاحة من يقدر على شراء حاجته من المادة، وبعدها يصدر قرار بالتصدير في حال عانى المنتجون من تسويق مخازنهم من المادة، فلماذا التسرع بقرار تصدير أطنان من زيت الزيتون قبل إنتاجها وطرحها في الأسواق والاستهلاك؟
ومن الطبيعي أن ينظر المتضررون من هكذا قرار بشك وريبة ولا يرون فيه سوى خدمة لحيتان التجار والمحتكرين!
ومن الملفت أن يعترف مصدر في وزارة التجارة الداخلية لم يجرؤ على ذكر اسمه، ربما خوفا من غضب وزيره “أن قرار الإعلان عن تصدير زيت الزيتون قبل الانتهاء من قطاف وعصر الزيتون خاطئ وسابق لأوانه، وكان يفضل الانتظار حتى انتهاء جني المحصول بكل تفاصيله“!
لكن، لا وزارة الاقتصاد تراجعت، ولا وزارة التجارة أعلنت أنها ستتدخل من خلال شراء أطنان من موسم الزيت الجديد للجم ارتفاع الأسعار، بل ما حدث أن وزارات الزراعة والاقتصاد والتجارة اعتبرت القرار إنجازا، وربما استغربت الردود المنتقدة والغاضبة على صدور قرار ألهب الأسعار وأسعد التجار!
علي عبود ـ البعث