تخرجت من بعثت لنا بهذه الرسالة المؤثرة، في كلية هندسة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في جامعة طرطوس في العام 2018، ولم تفرز حتى الآن عملاً بنص القانون الملزم للدولة بتعيين المهندسين.
كان عمرها آنذاك 24 سنة، لم تحظ بوظيفة لهذا السبب:التقدم في العمر….!! حسب معايير الفرز الجديدة التي عبر عنها مدير الجودة والتطوير المؤسساتي في وزارة التنمية الإدارية.
يمزحون معها في -الضيعة- قائلين: «جاجاتك أحلى ترباية على الكمبيوتر والبرغل بحمص على مائدتك غير شكل».
وكلما نثرت لدجاجاتها العلف تدمع عينيها متذكرة خمس سنوات دراسة وتكاليف باهظة، وها هي تقوم بعمل كانت جدتها (رحمها اللـه) التي لم تتجاوز الثالث الابتدائي، تنفذه من قفا يدها.
تعتقد أن خمسة آلاف مهندس ومهندسة تركوا مثلها بلا فرز، وتؤكد أن أغلب من تعرف هاجروا، فهذا الاختصاص مطلوب عالمياً…!
إثر آخر فرز للمهندسين في سورية في أيار من العام الماضي، وما رافقه من صخب، قيل بأن هناك دفعة جديدة مؤلفة من تسعة آلاف مهندس ومهندسة سيتم فرزهم قريباً.
وانضم هذا الوعد إلى وعود كثيرة بشأن إجراءات مهمة ومطلوبة بإلحاح على صعد كثيرة لم تنفذ..!
بيد أن هذا الملف قانوني أولاً، فعدم تعيين المهندسين الراغبين في العمل مع الدولة السورية وفي قطاعها العام، يعد مخالفة قانونية، وهو تعبير عن هدر مالي كبير أولاً، لما أنفقته الجامعات على تدريس المهندسين خمس سنوات، (واختصاص هندسة الاتصالات والمعلوماتية موجود في جامعات سورية عديدة ولا يقتصر على طرطوس)، وهدر ثانياً لما أنفقته الأسر على أبنائها حتى ولو كانوا طلاباً في الجامعات الحكومية _شبه المجانية_ فما بالكم بالتعليم الموازي أو أقساط الجامعات الخاصة الباهظة. وثالثاً، أن بطالة هذا العدد الكبير من الخريجين من الكليات الهندسية، تجعلهم ينسون معلوماتهم، ولاسيما أن الجامعات تتركهم في مهب الريح…! وهو أولاً وأخيراً تحفيز شديد على الهجرة.
يصعب على عقولنا أن تستوعب ترك آلاف المهندسين بلا عمل فأهل العلم يعتبرون المهندس صاحب أهم اختصاص وأعظم دور في الحياة، إنه البناء الأول والمشغل الأول لكل البنى التحتية الإنتاجية والخدمية.
واستناداً إلى الأرقام الرسمية التي أعقبت فرز خريجي الكليات الهندسية أظهرت بيانات وزارة التنمية الإدارية أنه قد تم (في أيار 2021) فرز 6413 خريجا من أصل 9408 خريجين بنسبة 64 بالمئة وبقي من دون فرز –آنذاك- 2995 مهندساً ومهندسة والعدد يزداد تباعاً، مع بقاء خريجي السنوات اللاحقة من دون فرز.
إنه لظلم يدمي القلب أن يبتدع أحدهم طريقة جديدة في الفرز تفاضل بين الخريجين استناداً إلى الأعلى معدلا والمتخرج بعدد سنوات أقل والأصغر سناً.
هذا التمييز، هو تشريع من اختصاص مجلس الشعب!!، وهو إساءة لموثوقية الشهادة الجامعية السورية، وظلم لشبان وشابات في مقتبل العمر وغبن كبير للاقتصاد السوري، إذ على أكتاف هؤلاء يجب أن تدور عجلته.
إن عدم فرز هؤلاء الخريجين في الوقت المناسب سيضعف ورقة العمر عندهم وستشكل حجة قوية للإمعان في تعطيلهم عن العمل في اختصاصهم، وإذا أخذنا محافظة طرطوس كمثال، فإن من افتتح هذه الكلية التقنية الرفيعة المستوى هو من ورط الطلاب والأهالي بدراسة غير مطلوبة في سوق العمل في تلك المحافظة –الزراعية- والتي لم تقوَ على النهوض كمحافظة مرفئية، يجب أن تكون مرجلا عملاقا للعمل التجاري والصناعي والسياحي.
لقد أخمدت تاريخيا بانقطاع مذهل للكهرباء، وفشل ذريع لكثير من المشاريع التنموية المهمة مثل محطة معالجة مياه المجارير الكبرى، ونقل النفايات الصلبة إلى البادية لتشغيل سليم لمعمل وادي الهدة ومطمره، والشواطئ المفتوحة للتشجيع على سياحة شعبية حضارية في بنى توفر النظافة والشروط الصحية المطلقة، ومصانع الألبان والأجبان التي تستفيد من المباقر الناجحة ومصانع العصائر…. الخ.
لخصوصية طرطوس يجب الإسراع باحتضان حكومي لخريجي كلية هندسة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لأن الموارد البشرية سبيل سالك يحفز على مشاريع تنموية كبرى.
الوطن
اقرأ أيضا: ركود في أسواق الذهب والليرة الذهبية في سورية يصل سعرها لمليوني ليرة