تداعيات غزوة عفرين… “أحرار الشام” تتمرّد على مقررات “غازي عنتاب”
عبد الله سليمان علي
في الوقت الذي تبذل الاستخبارات التركية جهوداً حثيثة من أجل وضع مقررات اجتماع “غازي عنتاب” الرامية إلى ضبط التوتر في الشمال السوري، موضع التنفيذ، عادت “حركة أحرار الشام الإسلامية” إلى صدارة المشهد بعد إعلان بيان “انقلابي” عن عدد من الكتل المكوّنة للحركة، يقضي بعزل القيادة العامة التي تحالفت مع “هيئة تحرير الشام” في غزوة عفرين الأخيرة، وتعيين قيادة جديدة لديها توجهات مغايرة تماماً.
وجرت العادة في الأعوام الأخيرة أن تكون الأحداث التي تجري في كواليس حركة “أحرار الشام” بمثابة مؤشر هام على طبيعة التطورات التي يمكن أن تحدث على صعيد علاقات الفصائل الموالية لتركيا بين بعضها بعضاً.
وأصدر عدد من الكتل والألوية التي علّقت، خلال الأسابيع الماضية، عملها ضمن “أحرار الشام” من دون أن تنفصل عنها، بياناً، أمس الثلثاء، يتضمن عزل القائد العام للحركة عامر الشيخ وتعيين يوسف الحموي الملقب بـ”أبو سليمان الحموي” مكانه. وقد وقّع على “البيان الانقلابي” كلٌ من لواء الإيمان (محافظة حماة) ولواء الخطاب (سهل الغاب)، وقوات النخبة في لواء العاديات (سهل الغاب)، ولواء الشام (دمشق)، وكتيبة الحمزة (إدلب). وكل هذه المكوّنات لديها خلافات عميقة مع القيادة الحالية بسبب ميلها نحو التحالف مع “هيئة تحرير الشام” ضد الفصائل الأخرى.
وجاء في البيان أن حركة “أحرار الشام” بقيادتها الجديدة “ستنزع الشرعية من القيادة الحالية التي لا تمثل “أحرار الشام” وحلّ مجلس القيادة الحالي، والتواصل مع أبناء الحركة للعمل على تشكيل مجلس قيادة جديد وفق ميثاق الحركة، ومنطلقاتها”.
وكانت حركة “أحرار الشام” قد شهدت قبل حوالى عامين انقلاباً نفذه حسن صوفان، القائد العام الأسبق للحركة، بالتنسيق مع “هيئة تحرير الشام”، وقد أسفر في حينه عن خلع جابر باشا عن رأس الحركة وتعيين عامر الشيخ مكانه، مع حل مجلس شورى الحركة والاستعاضة عنه بمجلس قيادة ينتمي معظم أعضائه إلى الجناح المقرب من “هيئة تحرير الشام”.
وتزامن صدور البيان الانقلابي الأخير مع تسريب المقررات التي صدرت عن اجتماع غازي عنتاب الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي بين ضباط أتراك وعدد من ممثلي الفصائل المسلحة بهدف إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري وضبط الفلتان الأمني والعسكري في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون.
ويشكل هذا البيان أول مؤشر على رفض العديد من الفصائل لمقررات اجتماع غازي عنتاب، وعلى رغبتها في التصدي لها والحيلولة دون تنفيذها لما يمكن أن يتسبب فيه ذلك من مساس بموقعها ومصالحها وحجم نفوذها في المنطقة.
ويعتبر بعض المراقبين أن نجاح الانقلاب الأول في حركة “أحرار الشام” قبل عامين، كان من أهم العوامل التي جعلت أبو محمد الجولاني يقتحم مدينة عفرين من دون أي مقاومة تذكر، مشيرين إلى أن القيادة التي جاء بها الانقلاب ممثلة بعامر الشيخ ومجلس القيادة الذي حلّ محل مجلس الشورى، لعبت دوراً بارزاً في تغيير خريطة التحالفات في منطقة غصن الزيتون على نحو جعل الفصائل المناهضة للجولاني غير قادرة على الوقوف بوجه أرتاله التي اقتحمت المدينة قبل حوالى ثلاثة أسابيع.
غير أن عامر الشيخ جاء وفريقه إلى قيادة أحرار الشام بناءً على ضغوط مارستها الاستخبارات التركية، في حينه، من أجل احتواء التداعيات التي ترتبت على الانقلاب الذي قاده حسن صوفان. وقد ذكرت المعلومات آنذاك أن فكرة حلّ مجلس الشورى واستبداله بـ”مجلس قيادة” هي فكرة اقترحتها الاستخبارات التركية وضغطت من أجل تطبيقها. وقد تبين لاحقاً أن عامر الشيخ نفسه هو من دعاة التحالف مع “هيئة تحرير الشام”، وقام بتعيين مجلس القيادة من أعضاء لديهم الميول ذاتها، وهو ما جعل حركة “أحرار الشام” تحت قيادة عامر الشيخ وفريقه، تتماهى مع توجهات الجولاني ورغبته في توسيع نفوذه وصولاً إلى منطقة غصن الزيتون.
وعليه، فإن البيان الانقلابي الذي صدر أمس الثلثاء، يطرح العديد من التساؤلات حول مرجعيته والجهة التي تقف وراءه، لا سيما أنه يستهدف عزل القيادة التي ضغطت الاستخبارات التركية من أجل تعيينها بعد الانقلاب الأول.
وتمثل الألوية والكتل التي أصدرت البيان الانقلابي، جناحاً واسعاً في صفوف حركة “أحرار الشام” يميل إلى التحالف مع “الجبهة الشامية” التي تقود “الفيلق الثالث” من مرتبات الجيش الوطني السوري. والمفارقة أن المساعي التي كانت تبذلها قيادة “أحرار الشام” بهدف الاندماج مع الجبهة الشامية، كانت من أبرز الأسباب التي دفعت الجولاني إلى التنسيق مع حسن صوفان لتنفيذ الانقلاب الأول، لأنه كان ينظر إلى الاندماج بين “أحرار الشام” و”الجبهة الشامية” على أنه من اسوأ المشاريع التي يمكن أن تهدد نفوذه وتسحب البساط من تحت قدميه.
وبالتالي لا يمكن استبعاد أن تكون “الجبهة الشامية” قد لعبت دوراً ما في تحريض هذه الألوية والكتل كي تقوم بانقلاب على الانقلاب السابق بحيث تعود حركة “أحرار الشام” إلى عباءتها، أو على الأقل تنقسم إلى قسمين، يكون أحدهما تابعاً لها، والقسم الثاني تابعاً للجولاني.
وتُوجّه إلى “الفيلق الثالث” الذي تقوده “الجبهة الشامية” اتهامات بأن له ارتباطات إقليمية ودولية مناهضة لتوجهات أنقرة في إدارة الملف السوري، خصوصاً لجهة سعيها للتقارب مع دمشق. ويذكر بعض المراقبين أن “جيش الإسلام” الذي يمثل ثاني أكبر مكوّن داخل الفيلق الثالث، والحليف الأبرز لـ”الجبهة الشامية”، ساهم في تقوية علاقات الفيلق الثالث مع دولة خليجية كانت تدعم “جيش الإسلام” عندما كان يعمل في الغوطة الشرقية، في إشارة إلى السعودية، وأن الأخيرة وجدت في دعم هذه الفصائل منفذاً لها من أجل التأثير في التطورات في شمال غربي سوريا، ومواجهة بعض المخططات التركية التي لا تنسجم مع المصالح السعودية. غير أن هذا الارتباط قد يكون مجرد توافق نظري من دون أيّ دعم على الأرض، لأن مثل هذا الدعم لا يمكن أن يمر من دون التنسيق مع السلطات التركية.
ويشير البعض الآخر إلى أن “الفيلق الثالث” لديه علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية التي تحاول منذ الانعطافة التركية نحو دمشق أن تعرقل جهود التقارب بين الجانبين، عبر إعادة إحياء علاقاتها مع بعض الفصائل في الشمال السوري.
وأياً يكن الأمر، يبدو أن الانقلاب الجديد في حركة “أحرار الشام” سوف يحمل العديد من المؤشرات على طبيعة التطورات التي يمكن أن تشهدها منطقتا درع الفرات وغصن الزيتون اللتان ما زالتا تعانيان من تداعيات غزوة عفرين وآثارها الكارثية، كما أنه سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى جدية أنقرة في تنفيذ مقررات اجتماع غازي عنتاب، وما إذا كانت ستنجح في دمج الفصائل ضمن جيش موحد أم أن هذه المحاولة ستنضم إلى عشرات المحاولات السابقة التي باءت بالفشل.
النهار العربي