ثار هذه الأيام مجدداً موضوع “البدل النقدي” ، والذي يُقال إنه سيجري توزيعه بدلاً عن الدعم؛ أي سيتم إلغاء سياسة الدعم نهائياً ورسمياً. ليس فقط عبر ما تم فعلاً حتى الآن من تخفيض هائلٍ للدعم في كل القطاعات، بل ووصولاً إلى إنهائه كلياً.
قبل أي نقاش لقيمة البدل النقدي المزعوم، ينبغي تثبيت حقيقة، أنه حتى لو كانت قيمة ذلك البدل مساوية تماماً لقيمة ما تبقى أساساً من دعم، فإنّ التضخم المستمر وارتفاع الأسعار المستمر. سيعني أنّ البدل المفترض ستتبخر قيمته بعد أشهر قليلة من إقراره.
النقاش الأهم
النقاش الأهم، ينبغي أن يكون مرتبطاً بالحد الأدنى للأجور وعلاقته بمستوى المعيشة. فمن يُريد رفع الدعم عليه أولاً أن يحل المشكلة الأساسية التي كانت سياسة الدعم منذ اللحظة الأولى تعبيراً عنها: مشكلة عدم قدرة الأجور على تغطية تكاليف معيشة الأسر.
وكي يكون الكلام ملموساً أكثر، فإنّه وفقاً لمؤشر قاسيون الربعي في آخر إصدارٍ له. فإنّ الحد الأدنى لمستوى معيشة أسرة مكونة من 5 أفراد هو 2.234.339 ل. س. والحد الأدنى للأجر ما يزال عند حدود 93 ألف ليرة سورية.
ينبغي للحد الأدنى للأجر أنْ يحقق الحد الأدنى لمستوى المعيشة. وعليه فينبغي أن يتم حساب وسطي مستوى الإعالة ضمن الأسرة السورية. (أي عدد الأفراد العاملين بأجر ضمن أسرة من 5 أفراد).
رقم الإعالة الوسطي في سورية، كان عام 2010، بحدود 1.4؛ ويمكن القول اليوم: إنّ معدل الإعالة قد ارتفع نتيجة تدهور الظروف، حيث بات من الممكن الافتراض أنّ معدل الإعالة لأسرة من 5 أفراد بات 2 بدلاً من 1.4 (أي أنه وسطياً، في كل أسرة سورية، من 5 أفراد يعمل فردان لتأمين إعالة الأسرة).
الحد الأدنى
وعليه، فإنّ القوانين التي ينبغي أن يحسب ضمنها الحد الأدنى للأجور والحد الوسطي والحد الأعلى، هي بالشكل التالي:
الحد الأدنى للأجور = الحد الأدنى لمستوى معيشة أسرة ÷ نسبة الإعالة.أما الحد الوسطي للأجور = الحد الأدنى للأجور × 3.5.بينما الحد الأعلى للأجور = الحد الأدنى للأجور × 7.
وينبغي أن يعاد حساب كل هذه الحدود بشكلٍ دوري (كل ثلاثة أشهر مثلاً) ربطاً بتغير مستوى المعيشة. أي ربطاً بتغير الأسعار، وهذا يعني: أنّ الأجور ينبغي أن تتغير آلياً مع تغير مستوى المعيشة.
على أساس الوقائع الحالية، فإنه ينبغي أن يكون الحد الأدنى للأجور = 1,117,169 ليرة سورية، الحد الوسطي للأجور = 3,910,093 ليرة سورية. والحد الأعلى = 7,820,186 ليرة سورية.
إنّ تحديد الاستهداف الموضوعي لسلم الأجور بحيث يضمن كرامة الناس بشكل فعلي، هو ضرورة قصوى، في كل ظرف، وفي الظرف الحالي أكثر من أي وقت آخر. لأنّ هذا التحديد يكشف البون الشاسع بين الكلام العام المرسل عن سوء الأحوال المعيشية وضرورة تحسينها، وبين الوقائع المرة. وكذلك، فهو يبين الحجم الحقيقي لأي حديث عن رفع الأجور، ناهيك عن توضيح حجم المأساة المسماة بـ “الدعم النقدي” بديلاً عن العيني. إذ إنّ المطلوب هو تحقيق هذه الأرقام، وليس تقديم صدقات رمزية. الغرض منها تغطية استمرار وتعمق وتعاظم عملية نهب أصحاب الأرباح لأصحاب الأجور.
الزيادة المطلوبة
وفقاً لهذه الأرقام، فإنّ الزيادة المطلوبة على الحد الأدنى للأجور الحالي هي: 1,024,199 ليرة سورية. أو يمكن القول: إنّ المطلوب هو زيادةٌ تضاعف الحد الأدنى الحالي 12 مرة… وإذا سأل سائل: ومن أين يمكن تحقيق زيادة بهذا المقدار؟. فالإجابة واضحة وماثلة أمام أعين الجميع: المصدر هو الجيوب المتخمة لأصحاب الأرباح. أي أنّ زيادة الأجور ينبغي أن تكون أداة في إعادة توزيع الثروة من أصحاب الأرباح باتجاه أصحاب الأجور. وينبغي أن تكون زيادة حقيقية من مصادر حقيقية. وقطعاً ليست زيادة تضخمية عبر الألاعيب المالية، وعبر طباعة مزيد من النقود.
من الواضح تماماً، أنّ اليد العليا ضمن المنظومة القائمة ليست يد أصحاب الأجور، بل يد أصحاب الأرباح، ولا يمكن أن يُنتظر من هذه المنظومة إلا مزيد من تدمير أصحاب الأجور ومصالحهم ومعيشتهم… وإيقاف التدهور هذا، بما فيه عبر ألاعيب “البدل النقدي” وغيرها، له طريق واحد هو: التغيير الجذري الشامل ابتداءً بتنفيذ القرار 2254 كاملاً.
صحيفة قاسيون
اقرأ أيضا: «علاج بالكي» ووصفة لإنعاش الاقتصاد السوري