الجمعة , نوفمبر 22 2024

نتائج “كارثية” لتقنين المازوت!!

نتائج “كارثية” لتقنين المازوت!!

لم تناقش الحكومة خلال الأعوام القليلة الماضية النتائج الكارثية لتقنين المازوت، وتجاهلت الجواب على السؤال: كيف يتدفّأ السوريون أيام الشتاء الباردة والقارصة؟
كان سهلا على الحكومة تخفيض حصة الأسرة السورية من 200 ليتر إلى 100 ليتر سنويا، وغالبا لاتحصل الكثير من الأسر سوى على 50 ليتر مازوت لاتكفي مع “التقتير” وغياب الكهرباء لأكثر من أسبوع، لكن ماوفرته الحكومة بالمازوت خسرت أضعافه بالتحطيب الجائر!
والخسارة الكبرى كانت في القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، فانخفض إنتاج السلع الأساسية لغذاء السوريين، وارتفعت أسعار جميع المواد إلى مستويات لم يعد يقوى على شرائها بالكميات المطلوبة للعيش الكريم سوى الميسورين جدا!
وعندما يصل سعر طن الحطب في بداية فصل الشتاء إلى 1.5 مليون ليرة، وليتر المازوت في السوق السوداء إلى 8 آلاف ليرة، فهذا يؤكد إننا نعيش أزمة تنعكس آثارها الإقتصادية على الإنسان والنبات دون أن تجد الحكومة الحلول لها على الرغم من الوعود المعسولة التي تكررها أمام أعضاء مجلس الشعب، أوفي اجتماعاتها الأسبوعية، وخاصة أثناء تدشينها لمشاريع استثمارية لم تنعكس إيجابا على السوريين حتى لآن!
وتعترف وزارة الزراعة مرارا وتكرارا أن الازدياد الكبير بالمتاجرة بمادة الحطب سببه قلة المحروقات، لكنها لم تُنجز أي دراسة رقمية لعرضها في اجتماع لمجلس الوزراء تكشف فيها ”النتائج “ الكارثية التي لحقت بالغابات بفعل تقنين المازوت إلى مادون الحد الأدنى لمتطلبات التدفئة والإنتاج.
ليس مهما مصادرة أطنان من الحطب، وإحالة المتاجرين بها إلى القضاء، فالكارثة وقعت ولن تعود الأشجار المقطوعة كما كانت قبل عشرات السنين!
ولا يمكن أن نلوم سكان الجبال لقطعهم الأشجار لتدفئة أطفالهم أيام الشتاء الشديدة البرودة، فاللوم كل اللوم يقع على وزارة النفط التي لم تؤمن لهم المازوت الكافي، وعلى وزارة الزراعة التي لم تمد!هم بالحطب بأسعار في متناول دخلهم!
وعندما تقوم الحكومة بتقنين المازوت إلى مستويات أقل مايقال فيها انها هزيلة، فكأنّها تقول للناس كل الناس: ”دبّروا“ حالكم!!
وفعلا تعوّد الناس مكرهين على ”تدبير“ حالهم بأنواع مختلفة من وقود التدفئة، فالميسورين يشترون أكثر من حاجتهم من المازوت من السوق السوداء مهما بلغ ثمنه، وسكان المدن يلجؤون إلى أنواع أرخص تبدأ من الحطب وتنتهي بالسبيرتو، اما سكان الجبال فلن يعرضوا أطفالهم للبرد، والغابات على مسافة أمتار قليلة أوحتى بعيدة من منازلهم!
وكما توجد مافيا ”مستشرسة“ للمحروقات عصيّة على وقوع رؤوسها الكبيرة في قبضة الجهات المختصة، فهناك أيضا مافيا للتحطيب الجائر لايتردد أفرادها من الإشتباك المسلح مع الجهات التي تحاول القبض عليها، وهذا مؤشر خطير جدا!
لقد طالبنا منذ سنوات وزارة الزراعة بتأمين مادة الحطب لسكان الجبال والمدن كي لا تنتعش تجارة التحطيب الجائر لغاباتنا، والكل يعرف أن هناك حرائق مقتعلة لاهدف منها سوى تأمين الحطب للسوق السوداءَ، لكن ماتوفره الوزارة في مراكزها من الحطب لايزال قليلا جدا بفعل التقنين الجائر لمازوت التدفئة!
نعم، من المهم أن تقوم وزارة العدل بإصدار تعميم بضرورة سرعة البت بالدعاوى المتعلقة بالتعدي على الأملاك الحراجية، وإنزال العقوبات الرادعة بحق المخالفين المنظمة بحقهم ضبوط حراجية، ولكن من المهم أيضا التعميم على مديريات الزراعة في المحافظات بضرورة تأمين احتياجات سكان الريف والجبال من الحطب ”النظامي“ وإنزال العقوبات بحق المقصرين عن تأمين هذه المادة بالكميات الكافية التي تمنع التحطيب الجائر!
المسؤولية يجب أن يتحملها طرفان أي المسؤول والمواطن معا، وإلا كنّا أمام حالة لامنطقية عنوانها : ممنوع على الناس التدفئة والإستحمام إلا بـ 50 ليتر أو 100 ليتر مازوت سنويا!
الخلاصة: حماية الغابات والحراج من التعديات بقصد تأمين الحطب للتدفئة بتنظيم الضبوط وبإقرار العقوبات بالمخالفين غير فعّال ولن يعيد الأشجار المحتطبة، الحل الجذري يكون إما بتأمين حاجة الناس من المازوت أو الحطب ”النظامي“ ، وبغير ذلك فإن النتائج الكارثية للتقنين الجائر والظالم للمازوت ستصل إلى مستويات غير مسبوقة وغير قابلة للعلاج .. فهل نتدارك الكارثة قبل فوات الآوان؟
علي عبود ـ غلوبال