“ما هو الحب؟” لا شك أن الأميرة سالمة بنت سعيد بن سلطان قد فكرت في ذلك السؤال وهي على متن سفينة تقلها من وطنها إلى بلاد الغرب الباردة، تحديدًا إلى ألمانيا، وهي تهرب وراء الحب.
لم تكن سالمة البنت رقم 36 للسلطان العماني سعيد بن سلطان بن أحمد البوسعيدي في عام 1867 تعاني من سجن الحرملك، بل إنها في مذكراتها كانت تقول أنها لم تشعر بالتفريق بين الرجل والمرأة في عائلتها. ولكن ما دفعها للهروب كان أكبر من ذلك.
طفولة مضطربة
ولدت سالمة في 1844 من أم شركسية. كانت هي المفضلة لدى والدها، من بين نساء كثيرات، من جميع بقاع الأرض، فعربيات وجورجيات وشركسيات. وحبشيات، ولكن قلب والدها كان يدق بقولة لأمها، في عام 1859 ماتت أمها، وهي في الـ 16 من عمرها. فعاشت وحيدة، وفي ذلك الوقت بدأت قصة حبها.
القنصل التجاري
كان رودولف هاينريش رويتي الذي يعمل ممثل تجاري من هامبورج يسكن في بيت مجاور لبيت سالمة، وكان سطح بيتها اعلى من سطح بيته. ولذلك فقد كان من السهل عليها أن تراه، وكانت تراقب في صمت الجلسات البهيجة التي كان يجلس فيها مع رفاقه. وقد رأى رودولف الأميرة وأعجب بها، وكان يريها وجبات طعامه الأوروبية، ونمط حياته.
كانت سالمة تعاني بعد وفاة أبيها وانقسام الأسرة والصراع على الحكم، ولذلك وجدت في الحب ملجأ لها عن كل شيء. وفور أن شاعت حكايتها مع الشاب الألماني. اتفقت معه على تصفية أعماله في زنجبار التي كانت واقعة تحت الحكم العماني. ثم الهرب إلى بلاده.
هربت الأميرة في البداية إلى عدن، عن طريقة وساطة زوجة طبيب إنجليزي للعائلة، فأخذتها المرأة لسفينة حربية بريطانية طلبت من قبطانها أن يهربها. وبالفعل انطلقت معها إلى عدن حيث قابلت هناك حبيبها.
أميرة وجواري وقبطان
لم تخبر سالمة أي من جواريها أنها تخطط للهرب من عمان مع حبيبها. ولهذا فقد قررت أن تقوم بخدعة تهرب بها منهن. وكانوا في عيد الربيع. فطلبت منهم أن يعدوا لها زورق لتستحم بمناسبة العام الجديد. وأخذت القارب واقتربت من السفينة البريطانية. وعلى الفور تدلى منه سلم، صعدت عليه الأميرة. فما كان من الجاوري إلا أن صرخن، وقد ظنوا أن الإنجليز قد خطفوا الأميرة. ورفعت السفينة مرساتها. وبعد لحظات كانت في وسط الأمواج!.
الحياة في ألمانيا
في مذكراتها لا نرى هذا الحب الأسطوري بين سالمة وزوجها رودولف، إنها تحكي عنه بشكل متوازن طبيعي. ولابد انها أدركت أن ما حركها ما كان الحب. ربما كان الرغبة في الهروب لا أكثر.
في بداية حياتها لم تستطع سالمة أن تتأقلم مع المجتمع الغربي، الذي كان بصورة مناقضة لتلك الصورة التي رسمتها في خيالها. بحضارته المادية.
كانت سالمة قد تعمدت وتحولت إلى المسيحية، لتستطيع العيش في هذا المجتمع، واتخذت اسم “إميلي رويتي”. ولكن الحقيقة تظهر في أحد رسائلها لأختها، حيث تقول فيها:
“لا تضحية أكبر من تغيير الدين، أنا ما زلت مسلمةً بداخلي، وكثيراً ما أؤدي الصلاة في السر، لم أر أي احترام من جانب المسيحيين لدينهم، لقد دخلت إلى الغرب متخلية عن ديني، ولكني لم أصبح غير مسيحة رديئة غير مخلصة لا أكثر.
في عام 1880 مات رودولف في حادثة قطار مأساوية وترك لها ثلاثة أطفال؛ سعد (على اسم اببيها) وأنطوني ورزالي.
حياة صعبة
لم يكن موت رودولف مجرد موت لزوج أو حبيب. ولكن كان انهيار كامل لامرأة وجدت نفسها فجأة وحيدة، بدون حماية، في مجتمع يجدها مجرد غريبة. لم يقبلها بعد بالكلية.
لم تمر شهور على موت زوجها، حتى سرق شريكه أموالها، ووجدت نفسها في الشارع.
تقول الأمير أنها في البداية اضطرت أن تبيع مجوهراتها، واحدة تلو الأخرى، ثم أنها اضطرت أن تنتقل من مدينة إلى أخرى، وأن تخدم أولادها. الذين كانوا يعيشون حياة العوز.
الأميرة طُعم الألمان
في ذلك الوقت كانت الحكومة الألمانية تريد فرض سيطرتها على منطقة عمان. ولذلك فقط استخدمت سالمة من أجل ذلك. وأقنعوها أن تعود لتأخذ حقها في ميراث والدها السلطان سعيد. وأبلغوا قناصلها أن يطالبوا أخاها “برغش” الذي أصبح سلطانًا بأن يسلم أخته حقها في أراضي والدها.
لم يجب برغش على ما أملته عليه الحكومة الألمانية. وقال أن سالمة ليست أخته. دفع ذلك الحكومة الألمانية إلى أن ترسل 5 سفن إلى شاطيء عمان بأوامر تنص على إطلاق النار إذا لم ينفذ السلطان الأوامر. وهبطت الأميرة مع ابنائها وقدمت مطالبها لأخيها. ومنها تسليمها بعض الأراضي ومبلغ 20 ألف جنيه استرليني.
وافق برغش على ما حدث، ولكن فوق أن غادرت السفن الألمانية قام بنقض اتفاقه، وامر بان تظل سالمة في زنجبار، لم يسمح لها بالخروج، وعندما خرجت أمر الأهالي بأن يطردونها من بلدها، ويغلقوا الأبواب في وجهها، رافضين وجودها بينهم. فأغلقت الأبواب والشبابيك في وجهها.
محاولة للمرة الثانية
تكررت المحاولة مرة أخرى من أجل أن تحصل الأميرة على حقوقها في عام 1888، ولكن حنث برغش مرة أخرى بعهده،وفي النهاية وبعد سنوات طويلة في عام 1923 ولم تمنحها حكومة زنجبار سوى 100 جنيه استرليني كمعاش لها سنويًا.
أميرة بلا وطن
كانت الأميرة سالمة في ذلك الوقت قد كبرت في العمر. وكتبت لأحد صديقاتها تقول فيها لأحد المستشرقين أنه لم يعد لها وطن على هذه الأرض.
في عام 1924 ماتت سالمة في غربتها، وكانت هي آخر من مات من أبناء وبناء السلطان سعيد.
عندما كانوا يدفنونها وضعوا كما أوصت قبل وفاتها بأن يدفنوا معها كيس من الرمال كانت قد جلبته من بلادها في آخر زيارة لها.
المصادر:
كتاب مذكرات أميرة عربية – ترجمة د. سالمة صالح
اقرأ أيضا: بلدة إيطالية تدفع 30 ألف دولار مقابل الانتقال للسكن فيها