السبت , نوفمبر 23 2024
ستة أشخاص يحتكرون استيراد

سوريا: ستة أشخاص يحتكرون استيراد 61% من المواد ويتحكمون بالأسواق

دأبت الحكومة السورية قبل كل ارتفاع للأسعار، على تقديم ذرائع ومبررات تخلي مسؤوليتها عن هذا الارتفاع والتأكيد على أن ما يحصل ليس ضمن إمكانية الحل والعلاج.

ولكن العديد من الخبراء والاقتصاديين يشيرون إلى أن آلية العمل التي ما زالت سائدة هي المسبب الرئيسي لجنون الأسعار في البلاد.

الاحتكار وحصر الاستيراد بأشخاص محددين طريقة عمل أزلية، تنكرها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في سوريا، ويؤكدها الواقع والعارفون بكواليس العمل التجاري!

في المعلومات الأحدث يتبين مثلاً أن مادة كالأسمدة يتحكم فيها تاجر من حماة، رفع سعرها خلال خمسة عشر يوماً أكثر من خمس مرات، وفي كل عملية رفع يحرك السعر بما لا يقل عن 150 ألف ليرة للطن.

ويكشف بعض تجار الأسمدة الصغار في حلب أن هذا التاجر يعلمهم عقب كل عملية استجرار بالتريث في البيع لأنه سيرفع السعر خلال الأيام القليلة القادمة.

ويرى أحد هؤلاء التجار أن التجار الذين يستجرون كميات كبيرة قد تصل إلى 5 ألاف كيس في الدفعة الواحدة يستطيعون أن يؤثروا على السوق عندما يحجمون عن البيع ويسببون نقصاً في المادة وجنون أسعارها بعد إخفائها من الأسواق.

ويضيف تاجر الأسمدة من ريف حلب لـ”هاشتاغ” أن السماد الذي يستجرونه من تاجر حماة يفوق أسعار المصرف الزراعي بكثير، ففي حين يصل طن اليوريا إلى 220 ألف ليرة يباع في المصرف بسعر 150 ألف ليرة.

ولكل هذا يقول الرجل إن علاج هذه الظاهرة بسيط، وهو أن تشعر الجهات المعنية بالمسؤولية، بأن تبيع للفلاح 4 أكياس سماد وليس 6 وهي الحاجة الفعلية للدونم، عندها لن يتمكن لا هذا التاجر ولا غيره من احتكار السوق بهذه الطريقة وفرض الأسعار التي يريدونها؟!

تعددت الأسماء

هذا الحال ينطبق على الكثير من المواد منها السكر، الأعلاف، الزيوت. وبالرغم من تأكيد وزارة الاقتصاد الدائم بأن إجازات الاستيراد تمنح لكل راغب إلا أنه في الحقيقة تستورد المادة من شخص بأسماء مختلفة.

عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق يقول لـ”هاشتاغ” إنه من خلال تقاطع المعلومات يتبين أن هنالك أشخاص يستوردون بأكثر من اسم في حين أن البضاعة لشخص واحد.

وأضاف الحلاق أن إيقاف الاستيراد بأسماء الغير (التي كان يقوم بها مخلصون جمركيون، بحجة أن الاستيراد بأسماء الغير يضر بالاقتصاد ويؤدي إلى خروج العديد من المنافسين، وهذا علاج للخلل بخلل أكبر كما يقول الحلاق.
تجاوزات قديمة

الخبير الاقتصادي والصناعي السوري د. شادي دهام يرى أن حصر استيراد العديد من المواد الأساسية في سوريا بتجار محددين ليس ناتجاً عن الأزمة في سوريا كما يتردد، لأن التجاوزات كثيرة ومعروفة من قبل الحرب، فهناك العديد من المواد المحصور استيرادها ضمن رجال أعمال ومستوردين محددين.

ويضيف دهام في تصريحات لهاشتاغ أن وزارة الاقتصاد تستغرب وتعلن وتتحدى بإصرار عدم وجود حصرية لبعض الأشخاص باستيراد مادة أو سلعة معينة دون غيرهم، وتنفي مراراً وتكراراً مثل هذه الإدعاءات، مع استعدادها الدائم لتقديم بيانات حول عدد المستوردين وأسمائهم لكل مادة وكميّات وقيم المستوردات، وتبيان المواد المسموحة بالاستيراد للصناعيين أو للتجار أو كليهما معاً (والموجودة في الدليل التطبيقي للاستيراد المعلن للجميع).

أسماء وهمية

وتبرر الوزارة موقفها بمنح إجازات استيراد لأشخاص “موثوقين” بأنه نتيجة فساد بعض التجار بما يتعلق بإجازات الاستيراد الوهمية، وأن المشكلة الفعلية في مجال الاستيراد تكمن في كثرة الأسماء الوهمية عبر تقدّم تجار للحصول على إجازات والبضاعة ليست لهم.

وقال دهام إنه يجب الإشارة إلى أولوية تمويل المستوردات للمواد الأولية، وفتح باب الاستيراد لمستلزمات الإنتاج وخاصة الغذائية، لأنه يفتح المجال للمنافسة والحد من ارتفاع الأسعار في الأسواق.

سعر منطقي

يوضح دهام أنه وسط هذه التصريحات والتبريرات عبر وسائل الإعلام، فإن المؤكد هو أن الشعب يريد أمرا واحدا هو الحصول على المواد الأساسية والاستهلاكية بالسعر المنطقي دون غبن وربح فاحش، وكون الوزارة مسؤولة عن هذا الأمر فعليها العمل على تأمين هذه المواد إما عبر تجار أو السورية للتجارة.

وأشار إلى أن انقطاع المواد الأساسية والاستهلاكية من الأسواق وارتفاع أسعارها يؤكد التقصير الحاصل من قبل الوزارة وعدم قدرتها على تلبية احتياجات السوق بغض النظر وبعيداً عن جدلية حصرية الاستيراد.

شخص واحد

وفي السياق ذاته يرى الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن نفي وزارة الاقتصاد لموضوع الاحتكار وتأكيدها أن من يطلب الإجازة يحصل عليها كلام لا غبار عليه من حيث الشكل، لكن الإجازات التي تمنحها الوزارة لاستيراد السكر أو السماد أو القمح هي في الواقع لشخص واحد فقط في سوريا.

وهذا الشخص، وفقا لشهدا، يصدر عددا من السجلات التجارية لأشخاص يعملون معه أو عنده، ويحصل على إجازات استيراد بأسمائهم، وهو بذلك يصبح ضامناً لمنح إجازات الاستيراد ويبعد عنه شبهة الاحتكار، ويحمي نفسه من الشريحة العليا من الضرائب، لأنه كلما ارتفع ربحه ترتفع شريحة الضرائب، وبهذا يضمن اعفاءه من شريحة الضرائب المرتفعة.

وقال شهدا إن القصة بسيطة ويمكن كشفها، “على وزارة الاقتصاد أن تعتمد “كوتة” للمستوردين، وتعرف عدد المستوردين للمواد، وما هي حاجة البلد منها، وذلك من خلال احتساب الاستهلاك بالنسبة لعدد السكان الحقيقي. عندها يتبين عدد المستوردين والكميات التي يستوردها كل شخص وهكذا يظهر إذا كان هنالك احتكار أم لا، من خلال متابعات الرقابة في وزارة التموين لمستودعات المستوردين وفواتيرهم.

شكوى موحدة

أضاف شهدا أن هنالك أمرا لافتاً وغريبا وهو اتفاق كل المستوردين على الشكوى من الرسوم الإضافية الذي سبب ارتفاع الأسعار بالسوق، والغريب كيف اتفق الجميع على رأي واحد وبوقت واحد؟

وأضاف ساخراً أن الأمة العربية منذ 200 عاماً لم تكن على رأي واحد؟ وأشار إلى حضور أصحاب الوجوه المكرره من كبار مستوردي السكر و الصويا والأعلاف، دون تغيير في اجتماعاتهم مع وزارة التجارة الداخلية أو غيرها من الوزارات؟! كحال موضوع مستوردي القماش، فالمشتكي نفسه وهذا يعني أنه محتكر للمادة.

وأشار شهدا إلى أن هنالك معتمدين يكلفون شخصا للتحدث باسمهم، ويقوم هذا المعتمد بعملية التنسيق مع الوزارة المعنيه .

واللافت بحسب شهدا، أنه ورغم كل التسهيلات لا يتوقفون عن التهديد بالتوقف عن الاستيراد إذا لم يحصلوا على ما يريدونه من إعفاء للمواد من الرسوم .

احتيال

وبيّن شهدا أن سوريا اليوم تمول مستوردات مختلفة، كالسكر الخام أو المصنع، وأن هذه المادة تدخل تحت اسم ترانزيت إلى سوريا، ويذهب جزء منها إلى السوق السورية والآخر إلى العراق، وهذا يعني أن المركزي يمول السوقين.

وأضاف: الحال ذاته ينطبق على موضوع الزيت النباتي الخام، أو المعصور من فول الصويا وهذا الأمر باعتقاده يحتاج لتدقيق، فما كشفته وزارة التجارة الداخلية في بداية العام بموضوع احتكار السكر يظهر أن استيراد هذه الماده يفوق احتياجات البلد، ولهذا طالب شهدا بحصر الاحتياجات الحقيقية للاستهلاك لتسهل تحديد احتياجات هذه المستوردات من الدولار.

وبين شهدا أن هنالك فوضى، ولا يمكن القول بعدم وجود احتكار بأي شكل من الأشكال، والحديث عن إعطاء إجازات لمن يطلب غير دقيق، لأن صغار المستوردين أصلاً لم يعد بإمكانهم استيراد المواد التي هي بحكم المحتكره للبعض بعد التضخم الداخلي والعالمي.

في الزراعة أيضاً

الحال ذاته ينطبق على المواد الخاصة بالقطاع الزراعي، عضو مجلس غرفة زراعة دمشق ومجلس اتحاد الغرف الزراعية د. مجد أيوب أكد وجود تجار متخصصون بسلع محددة ولا يتعاملون بسواها، مثل جدات وأمات الفروج والبياض، أو السيارات وقطع تبديلها.

أضاف أيوب أنه في الوقت الحالي أصبحت هذه السلع كثيرة، فهنالك الأعلاف والزيوت النباتية المحصورة بتجار معينين فقط، وممنوعة على الآخرين.

وعن تأثير هذه السياسة قال أيوب إنها تتسبب بارتفاع الأسعار، وعدم استقرار سعر الصرف، وكثرة الفساد، وتفعيل سوق سوداء لكافة المواد المحصورة بالدولة، وغياب شبه تام للرقابة، وعدم تحقيق الحد الأدنى من وعود الدولة للمواطنين، وخاصة بتحسن الوضع الاقتصادي.

أضاف أيوب بأن نظام الاقتصاد الحر، أو حتى نظام الاقتصاد الاجتماعي كما أحبوا تسميته، يقوم على التنافس بين رجال الأعمال لتأمين الاحتياجات للمستهلكين سواء من داخل البلد أو استيراداً وبأسعار تناسب الوضع المعيشي العام وبما يؤمن لهم دخل وأرباح مناسبين.

وبما أن الدولة تؤمن دخلها من الضرائب المفروضة على المواطنين، موظفين كانوا أم تجار أو صناعيين، فيجب أن تكون تاجراً خاسراً دائماً.

وعليها تأمين بعض الاحتياجات الضرورية غير المتوفرة في الأسواق، وكذلك عليها العمل لتحقيق التوازن السعري، وإبقاء أسعار المواد في حدود المعقول والمقبول من المواطنين.

وبالتالي يحق لها استيراد ما تراه مناسبا لهذه الغاية، ولكنها يجب أن تتراجع عن الاستيراد عندما يتوفر مستورد من القطاع الخاص، ومثال ذلك المحروقات.
تاجر خاسر

ويقول أيوب: هذا ما كان الوضع عليه منذ عام ٢٠٠٩ حتى عام ٢٠١١ أو قبل الحرب. فقبل ٢٠٠٩ كان النظام المعمول به هو نظام الاقتصاد الموجه حيث كانت الدولة هي المستورد والمصدر الوحيد لجميع السلع، وكانت حتى في ذلك الوقت تاجر خاسر.

ولكن كان سعر القطع ثابت عند حد معيّن هو ٤ ليرة /دولار. وبعد الانفتاح وتراجع الدولة عن حصر الاستيراد والتصدير بيدها ارتفع سعر القطع حتى ٤٥ ليرة/دولار، ومع هذا كانت الأسعار مناسبة لدخل ٩٩% من المواطنين.

وختم أيوب بالتأكيد على أنه لا يريد القول إن النظام القديم كان الأفضل لأن التاجر كان خاسراً في أكثر عملياته.
من المصدر

وكانت وسائل إعلام محلية نشرت عن مصدر في وزارة الاقتصاد أن هنالك 6 أشخاص يحتكرون استيراد 61% من المواد المستوردة في سورية، حيث تتوزع النسب إلى 40% يحتكرها اثنان منهما، وآخر يحتكر 10%، وثالث 5%، ونسبة 3% لاثنين آخرين.
قانونياً

في تصريح سابق لهاشتاغ، قال المحامي عارف الشعال إن قانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021، أفرد حيزاً مهماً لمكافحة ظاهرة الاحتكار. ونصّ القانون بوضوح في المادة الثانية منه بأن أحد أهدافه الرئيسية حماية حقوق المستهلك ومنع الاحتكار.

وأوضح الشعال أن القانون منحَ في المادة (11) منه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك صلاحية ‌اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الاحتكار والتلاعب بأسعار المواد والمنتجات والسلع والخدمات ومواصفاتها.

وعاقب القانون المذكور في المادة (45) كل (بائع جملة، أو نصف جملة، أو مفرق، أو مقدم خدمة) يحتكر بإخفاء أو حجب مادة أو منتج أو سلعة أو إذا امتنع عن بيعها أو عن تقديم خدمة بالسعر أو الربح المحددين لها، بالحبس سنة على الأقل وبغرامة من ستمائة ألف ليرة سورية إلى مليون ليرة سورية.

و‌تضاعف العقوبة إذا كان الجرم متعلقاً بمادة أو سلعة أو خدمة أساسية.

أما إذا كان من قام بهذا الإخفاء أو الامتناع (مستورد أو منتج) فتعاقبه المادة (55) بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة قدرها عشرة ملايين ليرة سورية، وتضاعف هذه العقوبة أيضاً إذا كان الجرم متعلقاً بمواد أو سلع أساسية.

اقرأ أيضا: وفاة طالب وإصابة تسعة أخرين جراء تدهور مركبة لنقل الطلاب بمنطقة قدسيا