14 منهم يحملون جنسية أخرى.. لماذا يفضّل نجوم “أسود الأطلس” تمثيل المغرب بدلا من منتخبات أوروبية؟
أدّى تألّق المنتخب المغربي الاستثنائي في كأس العالم لكرة القدم بقطر إلى بزوغ نجم العديد من الأسماء داخل “أسود الأطلس”، والتي أسهمت بقسط وفير في أبرز إنجاز عربي وأفريقي -حتى الآن- في تاريخ المسابقة، وما أثار انتباه المتابعين هو أصول اللاعبين المغاربة، الذين يعجز عدد منهم عن الحديث باللغة العربية؛ لكنهم متشبّثون بعروبتهم ومغربيتهم.
ويرى العديد من المهتمين أن النجاح غير المتوقع الذي حقّقه منتخب المغرب في كأس العالم 2022 لكرة القدم في قطر ووصوله للدور قبل النهائي لمواجهة حامل اللقب فرنسا، يعود الفضل فيه -جزئيًا- إلى سياسة الاعتماد على المواهب المهاجرة لتعزيز صفوف المنتخب الوطني، ومنح هؤلاء اللاعبين فرصة للتألق والنجاح.
من أين جاءت نجوم “الأسود”؟
وُلد 14 لاعبًا في تشكيلة المغرب الحالية في كأس العالم -والمكوّنة من 26 لاعبًا- خارج المغرب، وهو أكبر عدد وُلد خارج أراضي بلاده بين جميع المنتخبات المشاركة في البطولة الحالية، ما يمنح الفريق تنوعًا حيويًا بالنظر لتنوع الأماكن التي نشأ فيها هؤلاء اللاعبين.
وبعد الفوز غير المتوقع 1-صفر على البرتغال في دور الثمانية -أمس السبت- أصبح المغرب أول دولة عربية وأفريقية تصعد للدور قبل النهائي في نهائيات كأس العالم.
كما اهتزّت شباك حارس المرمى ياسين بونو -المولود في كندا- مرة واحدة فقط، بينما تألّق أشرف حكيمي -المولود في مدريد- في الجانب الأيمن.
ويشكّل سفيان أمرابط -المولود في هولندا- عنصر قوة كبيرًا في خط الوسط، بينما يخشى الخصوم سفيان بوفال -المولود في فرنسا- والذي يلعب في جهة اليسار.
ارتباط بـ”الأم”
التساؤلات التي تُطرح حول أسباب تفضيل هؤلاء النجوم اللعب لمنتخب بلادهم الأصلية على حساب بلد المهجر، قد تجيب عنها الصور التي تُلتقط لهم بعد كل مباراة من مباريات المونديال.
فقد خطف نجوم -مثل: أشرف حكيمي وعبد الحميد صابيري وسفيان بوفال- الأضواء في الاحتقالات، بعد أن قرّروا مشاركتها مع أمهاتهم، اللواتي يظهرن من لباسهن أنهن متمسكات بأصولهن المغربية.
وفي هذا السياق، يعلّق الإعلامي والباحث المغربي محمد ياسين في حديثه مع الجزيرة نت أن الجزء الكبير من “تعلّق هذه الأسماء اللامعة بوطنها يرجع بالأساس إلى نشأتهم في بيئة مغربية 100% ولو أنهم وُلدوا في بلاد المهجر”.
“فالأسر المغربية في أوروبا وغيرها، وعلى الرغم من ظروف العيش وضرورة الانسجام مع ثقافة بلاد المهجر، فإنها معروفة بتمسكها بالتقاليد والأصول، وحرصها الكبير على تلقين ذلك لأبنائها”، كما يقول محمد ياسين.
ويعتقد الباحث المغربي أن “صانع القرار في المغرب، والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فطِنت إلى ذلك جيدًا، وعمِدت إلى مخاطبة (الأسرة) قبل اللاعب، من أجل إقناعه بحمل قميص الوطن الأم بدل بلاد المهجر”.
سياسة دولة
وتعمل السلطات المغربية بطريقة منهجية للوصول لمواهب يمكن للبلاد الاستفادة منها في دول؛ مثل: هولندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بعكس الأسلوب غير المنتظم السابق في التعامل مع المواهب المغتربة، والذي تسبّب في عدم استفادة المغرب من مواهبه المهاجرة قبل نسخة كأس العالم 1998 في فرنسا.
والجالية المغربية واحدة من أكبر الجاليات المهاجرة في أوروبا -حاليًا- ويقدّر عددها بنحو 5 ملايين شخص، وهم يرتبطون بصلات قوية مع بلادهم
وأظهرت دراسة نقلتها وكالة رويترز أن 61% من المغاربة المقيمين في أوروبا، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 عامًا، يزورن المملكة كل عام.
وكان عدد اللاعبين المحترفين في صفوف المنتخب المغربي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي يعدّون على الأصابع، ولعلّ أبرزهم: اللاعب ميري كريمو، الذي أسهم في إنجاز تأهل منتخب المغرب للدور الثاني من مونديال المكسيك 1986، بينما كانت تتشكّل توليفة المنتخب حينها من لاعبين ينتمون لكبار الأندية المحلية، على غرار: الرجاء والوداد البيضاويين، والجيش الملكي، والنادي القنيطري وغيرها.
غير أنه بعد نسخة مونديال 1998، تحوّل ميزان الحضور القوي لفائدة اللاعبين من أبناء المهجر، الذين يحصلون على نسبة الأسد من المشاركة داخل المنتخب، بينما لا يمثّل الدوري المحلي سوى أعداد قليلة من اللاعبين.
ويرى الإعلامي المغربي محمد ياسين أن “هذه التجربة لم تمرّ دون انتقادات؛ ففي كل مرة يحدث الإخفاق والمشكلات داخل المنتخب، تتوجّه أصابع الاتهام نحو اللاعب المحترف، الذي لطالما اتُّهم بالتخاذل ونقص في الوطنية”.
غير أن المتحدث ذاته يعتقد أن “هذه النظرة قد تتغيّر الآن إلى الأبد بعد القتالية والبسالة التي أظهرها اللاعبون في قطر، وتحقيقهم أعظم إنجاز كروي في تاريخ الرياضة المغربية”، على حد تعبيره.
كيف يبحث المغرب عن مواهبه في المهجر؟
لا ينتظر المغاربة بزوغ النجوم في سماء كبار الدوريات والأندية للبدء في محاولات إقناعهم بتمثيل بلدهم الأصلي عوضًا عن بلدهم الأم؛ بل إن العملية تبدأ في وقت مبكر جدًا، داخل الأكاديميات والفئات السّنّية للمنتخبات.
من أجل ذلك، وظّف الاتحاد المغربي للعبة مجموعة من الكشّافين للتنقيب وهم يجوّلون في شتى أنحاء أوروبا بحثًا عن المواهب المغربية، ويتحركون سريعًا عندما تكون هناك خلافات حول الانتماءات والولاءات.
فحكيم زياش -المولود في هولندا- تحدّث مع الجانبين الهولندي والمغربي قبل أن يقرّر وجهته الدولية ويختار المغرب، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تعرّض لها من طرف الإعلام والجماهير الهولندية.
كما تحوّل أمرابط -الذي مثّل هولندا في فئات عمرية أصغر (مثل زياش)- إلى تمثيل المغرب لأسباب عائلية.
وقال عن ذلك “والداي مغارية وأجدادي مغاربة. في كل مرة أسافر فيها إلى المغرب لا يمكنني وصف شعوري بكلمات. هذا وطني. هولندا -أيضًا- وطني؛ لكن المغرب له مكانة خاصة”.
ورغم مرود هذه الطريقة الواضح؛ فإن هناك من يعارض هذا التوجّه قائلًا إن ذلك يؤثر في فرص اللاعبين المولودين في المغرب.
أما آخر القصص الملهمة، فهي تلك التي يحملها أشرف حكيمي، الذي عدّ اختياره اللعب مع المغرب بدل إسبانيا قد جاء بسبب شعوره بأنه “ينتمي لهذا البلد، وليس لبلد آخر”.
المصدر : الجزيرة
اقرأ ايضاً:خبر سار للسوريين.. “بي إن سبورتس” تنقل ما تبقى من مباريات المونديال مجاناً