بلغت القصة ذروة رعبها عندما اندلع حريق مَهُول داخل إحدى المزارع في بلدة “لابورت” الأمريكية، احترق بسببه منزل العائلة التي كانت تعيش فيه، وعُثر بين حطامه على جثثٍ مُتفحمة لثلاثة أطفال وامرأة من دون رأس.
كان ذلك يوم 28 أبريل/نيسان 1908، وساد الاعتقاد حينها أن مالكة المزرعة، السيدة بيل جانيس، قد فارقت الحياة مع أطفالها الثلاثة.. ولكن لماذا كانت جثتها من دون رأس، وأين اختفى؟
إنّها قصة أول قاتلة متسلسلة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، “الأرملة السوداء” التي بلغ عدد ضحاياها 18 رجلاً، إضافة إلى 40 ضحية أخرى محتملة، من بينها زوجاها و3 من أطفالها.
وُلدت في النرويج وهاجرت بحثاً عن الحلم الأمريكي
وُلدت برينهيلد باولسداتر سنة 1859؛ وحين بلغت الـ22 من عمرها، غادرت بلدها النرويج نحو الولايات المتحدة بحثاً عن الحلم الأمريكي، حيث استقرّت في العام 1881 بمدينة شيكاغو، وغيّرت اسمها إلى بيل.
في موطنها الجديد، تزوجت بيل جانيس في العام 1894 بأحد أبناء بلدها الأصلي، ويُدعى مادس سورنسون. تبنيا طفلةً صغيرة، قبل أن ينجبا 4 أطفال، ابتداءً من سنة 1896.
توفي طفلان من الأربعة في سنٍّ مبكرة جداً بسبب التهابٍ في الأمعاء؛ كما توفي زوجها بشكلٍ مفاجئ في شهر يوليو/تموز من عام 1900، إثر تعرّضه لنزيفٍ في الدماغ، بحسب ما ذكرته صحيفة Ouest France الفرنسية.
وأوضحت الصحيفة أن بيل سورنسون تلقت بعد وفاة زوجها مبلغ 7 آلاف دولار من قِبل إحدى شركات التأمين الأمريكية، التي كان زوجها قد أبرم معها عقد تأمينٍ على الحياة، و7 آلاف دولار كان مبلغاً بقيمة مالية كبيرة في ذلك الوقت.
اشترت الأرملة المفجوعة مزرعةً واسعة في بلدةٍ صغيرة تُسمّى “لابورت” بولاية إنديانا الأمريكية، وانتقلت إليها في العام 1901 مع أولادها الثلاثة.
وبعد أقلّ من عام، في 1 أبريل/نيسان 1902، تزوجت بيل برجلٍ يُدعى بيتر جانيس، التحق للعيش معها في مزرعتها برفقة ابنتيه. ولكن واحدة منهما ماتت بعد أيام قليلة فقط من زواج والدها.
ومن غرائب الصدف أن بيتر جانيس، الذي كان يعمل جزاراً، توفي بطريقة مُرعبة بعد أقلّ من عام على زواجه الثاني. ففي 15 ديسمبر/كانون الأول 1902، تحطمت جمجمته نتيجة سقوط مطحنة النقانق على رأسه من أعلى أحد الرفوف.
وقد كان يبدو أن سوء الطالع يُطارد تلك المُزارعة من أصل إسكندنافي، ويمنعها من تحقيق الأحلام التي غادرت من أجلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهي وعند بلوغها عامها الـ48، ترملت مرتين وفقدت 3 من أبنائها.
لكن سوء الطالع الذي اعتقد البعض أنه يلاحقها، كان في الحقيقة نوعاً من الحظ. فقد جمعت بيل جانيس مبلغاً مالياً كبيراً من تلك الوفيات، بفضل “التأمين على الحياة” لزوجيها السابقين.
في السنوات اللاحقة، غيّرت بيل خطتها، وقررت عدم الارتباط بضحاياها من جديد. أصبحت تنشر إعلانات على صفحات جرائد نرويجية للبحث عن زوج، وحين تستقر على أحد المُرشحين، تطلب منه المجيء للعيش معها وبجعبته كل ما يملك من مال، قصد الاستثمار في مشاريع عائلية مشتركة.
حريق مجهول في منزل بيل جانيس
توافد على مزرعة السيدة بيل جانيس عشرات الرجال المرشحين للزواج منها، بين عامَي 1906 و1908، ولكنهم جميعاً كانوا يختفون فجأة من دون أن يتركوا أي أثرٍ خلفهم.
وبحسب موقع Ça M’interesse الفرنسي، فإن بعض عائلات المفقودين حاول البحث خلف حقيقة اختفاء أبنائه المفاجئ؛ قبل أن يتعرّف إلى الحقيقة المُرعبة في ربيع العام 1908.
ففي فجر يوم 28 أبريل/ نيسان، تعرّض منزل بيل جانيس لحريقٍ مَهول؛ ثم وبعد إخماد الحريق في منتصف اليوم، عُثرت على جثث متفحمة لثلاثة أطفال وامرأة من دون رأس.
وبحسب تقرير منشور بالمكتبة الرقمية لمدينة “لابورت” الأمريكية Laporte Library، فقد اعتقد المحققون في البداية أن جثة المرأة مقطوعة الرأس تعود لصاحبة المزرعة السيدة بيل جانيس.
وقد وُجّهت أصابع الاتهام إلى رجلٍ يُدعى راي لامبفير على أنه هو من أحرق المنزل وقتل الضحايا الأربعة، بعدما شهد أحد الجيران أنه رآه يغادر مكان الحادث مُسرعاً، لحظات قليلة بعد نشوب الحريق.
وازدادت الشكوك حوله عندما قال المحامي الخاص بالسيدة بيل جانيس أن موكلته كانت قد طلبت منه، يوماً واحداً قبل الحريق، إعداد وصيةٍ تترك من خلالها كل ثروتها لأبنائها، إضافةً إلى مركزٍ لرعاية الأيتام في مدينة شيكاغو؛ وذلك بحجة أنها تخشى من أن يقوم راي لامفير بقتلها وحرق منزلها، بعدما طردته من مزرعتها التي كان يعمل فيها.
لغزٌ مُحيّر أبقى ملف القضية مفتوحاً على كل الاحتمالات، وهو عدم العثور على رأس المرأة الضحية. فمختلف الأطباء الذين شاركوا في التحقيق، وكل من يعرف بيل جانيس جيداً، أكدوا أن جسد الضحية لا يتطابق مع مواصفات جسد مالكة المزرعة.
فقد بلغ طول السيدة جانيس 1.83 متراً، ويُقدّر وزنها بنحو 90 كلغ، في حين أنّ الجثة التي عُثر عليها أقلّ من ذلك بكثير.
جثث متحللة وبقايا بشرية في حظيرة الخنازير
تشعبت القضية أكثر لما أتى السيد أزلي هيلجيتن من النرويج إلى بلدة لابورت في مايو/أيار 1908، أي بعد 4 أيام على الحريق، بحثاً عن شقيقه أندرو الذي كان قد أخبره قبل عدة شهور أنه ذاهبٌ للزواج من بيل جونيس؛ وذلك قبل أن تنقطع أخباره نهائياً.
وقد طلب هيلجيتين من عمدة البلدة ألبيرت سميتزر، الذي كان يقود فريق المحققين، تفتيش المزرعة جيداً، على أمل العثور على أي أثرٍ يقود إلى معرفة مصير شقيقه.
وبالفعل كانت شكوك الرجل في محلها، بعد اكتشاف جثة أندرو هيلجيتين مدفونة في حظيرة الخنازير؛ وقد كانت واحدة من بين 17 جثة مُتحللة لرجالٍ آخرين، من دون الأيدي والأرجل، تم العثور عليها داخل حُفرٍ مختلفة في المزرعة، إضافةً إلى بقايا بشرية في حوض الخنازير.
تم إدانة المتهم راي لامبفير بارتكاب جريمة حرق المنزل، لكنه بُرّئ من تهمة القتل، فحُكم عليه يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 1908 بالسجن لمدة 21 سنة.
اعترف بجرائم بيل جينيس قبل وفاته
بعد عامٍ واحد من الحُكم عليه، وقبل وفاته بمرض السل، أدلى لامبفير باعترافاتٍ مهمة وهو على فراش الموت.
فقد اعترف أن بيل جانيس لم تمت في ذلك الحريق، وأنه ساعدها في الهروب إلى مدينة ستيلويل الصغيرة والقريبة من بلدة لابورت، أين استقلت القطار نحو مدينة شيكاغو؛ ثم عاد هو إلى المزرعة وأضرم النار في المنزل، بهدف تغطية فرارها وتضليل المحققين.
وأوضح راي لامبفير أن الجثة مقطوعة الرأس التي وُجدت في البيت تعود لامرأة من شيكاغو، كانت بيل جانيس قد وظفتها كعاملة في المنزل، قبل أيامٍ قليلة فقط من حادثة الحريق. لكنها قتلتها، هي وأطفالها، ثم وضعت جثثهم داخل البيت قصد التمويه بأنّ الوفاة تمّت خلال الحريق.
وأشار لامبفير أيضاً إلى أنه ساعد بيل جانيس في نقل الجثث، ولكنه نفى أن يكون قد شارك في عملياتها الإجرامية.
لم يُعرف مصير المجرمة بيل جانيس؛ ورغم ادعاء الكثيرين بأنهم شاهدوها، إلا أن ادعاءاتهم لم تؤخذ على مَحمَل الجد، باستثناء رواية واحدة قد تكون أقرب إلى الحقيقة. وهي أنه تم إلقاء القبض على سيدة تحمل اسم إيستر كارلسون سنة 1931 بمدينة لوس أنجلس، بتهمة قتل رجلٍ يُدعى أوغيست ليندستروم، ثم توفيت بالسجن قبل محاكمتها وقبل التأكد من هويتها. وقد شاهد شخصان من بلدة لابورت جثتها داخل المشرحة، وأوضحا أنهما متيقنين أنها جثة السيدة بيل جانيس. وبحسب كتابٍ للمؤرخ الفرنسي فيليب شاسانييه، بعنوان La première tueuse en série des États-Unis، فإن عدد ضحايا بيل جانيس بلغ 18، إضافة إلى 40 ضحية أخرى محتملة.
عربي بوست
اقرأ أيضا: إيموجي “أضحكني” يقتل عراقياً