عقب إعلان مسؤولين أميركيين وضع اللمسات الأخيرة على خطط لتزويد أوكرانيا بصواريخ باتريوت للدفاع الجوي، قالت السفارة الروسية بواشنطن في بيان إن إرسال أي شحنة من هذه الصواريخ يمكن أن “يؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها” وإنها تمثل تهديدا للأمن العالمي.
وطبقا لمسؤولين أميركيين، تعتزم واشنطن الإعلان عن إرسال هذه الصواريخ خلال الأسبوع القادم، على أن يتم تدريب الأوكرانيين على استخدامها في قاعدة للجيش الأميركي بألمانيا.
ويعكس هذا القرار الهام أن أكبر تهديد لأوكرانيا يأتي حاليا من الجو، وليس من الأرض. وتستهدف روسيا بانتظام البنية التحتية الحيوية بالصواريخ والطائرات بدون طيار، تاركة الملايين بدون كهرباء أو مياه جارية أو تدفئة حتى مع حلول فصل الشتاء.
والأشهر الأخيرة، تم تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي متقدمة من الولايات المتحدة ودول أوروبية، لكنها لا تزال بحاجة إلى المزيد. فهي تحتاج دفاعات جوية ليس فقط لاعتراض الصواريخ التي تطلق على بنيتها التحتية، ولكن أيضا لمنع روسيا من تحقيق التفوق الجوي بالقرب من خط المواجهة.
ومن المحتمل أن يكون توريد بطاريات باتريوت إلى أوكرانيا محدودا من حيث الكمية، إذ إن هناك طلبات كثيرة من العديد من الدول حول العالم للحصول عليه، كما أنه مرتفع السعر، ويتطلب تدريبا كبيرا لتشغيله. ولكل هذه الأسباب، لم يكن قرار إرسال باتريوت سريعا، وتم تجاهل مناشدات أوكرانيا الأولية للحصول على صواريخ من هذا النوع.
وتمتلك نظام باتريوت للدفاع الجوي -حاليا- 12 دولة، من بينها عدد من الدول العربية. وتتكون كل بطارية من باتريوت من قاذفة الصواريخ، رادار، مركز قيادة وتحكم، مركبات دعم أخرى، وتحتاج إلى فريق كبير لتشغيلها وصيانتها.
تغيير قواعد اللعبة العسكرية
ويعتبر ماثيو والين، الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي -وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية- أن صواريخ باتريوت لن “تحدث فارقا على المدي الزمني القصير لأنها نظام معقد يستغرق شهورا من التدريب”.
ويشير -في حديث مع الجزيرة نت- إلى أن “كل بطارية باتريوت تحتاج فريق عمل مكونا من 90 جنديا، على الرغم من الحاجة لـ 3 عسكريين فقط لتشغيله بشكل مباشر. وفي الحالة الأميركية، تتمتع أطقم ومدربو باتريوت بسنوات من الخبرة، مما يساعد على العمل بفعالية. أما أوكرانيا فليس لديها أي من هذا، وسوف يستغرق الأمر وقتا طويلا للتدريب وبناء الخبرة. وعلى المدى المتوسط، ربما من 6 أشهر إلى سنة أو أكثر”.
ويعتبر ستيف بايفر، خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز، في حديث مع الجزيرة نت، أن “نظام باتريوت للدفاع الجوي سيكون الأكثر تقدما لدى الأوكرانيين، وهو مصمم للاشتباك مع الطائرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية. وهذا ما يحتاجه الأوكرانيون بشدة في هذه المرحلة من الحرب”.
كما يتفق خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك -في حديث مع الجزيرة نت- على أن وصول باتريوت لأوكرانيا من شأنه أن “يعزز بقوة الدفاعات الجوية والصاروخية لكييف، لكنني لست متأكدا من أنه سيغير قواعد اللعبة. فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتدرب أوكرانيا على باتريوت وتدمج هذا السلاح في دفاعاتها”.
مواجهة بين باتريوت وإسكندر
وحول قدرات باتريوت لمواجهة الصواريخ الروسية المتقدمة، أشار والين في حديثه إلى أن “هذا يعتمد على أنظمة الصواريخ التي تستخدمها روسيا. سيكون باتريوت فعالا ضد أنواع معينة من صواريخ كروز والطائرات المقاتلة، وبعض الصواريخ الباليستية قصيرة المدى. ومع ذلك، فإن صواريخ باتريوت نفسها تكلف الملايين وقد لا تكون مناسبة اقتصاديا أو تكتيكيا لإسقاط الصواريخ الصغيرة، أو الطائرات بدون طيار الرخيصة”.
أما بايفر فأقر أن “علينا الانتظار لنرى كيف سيكون نظام باتريوت مؤثرا في ساحات المعارك، وإذا كان يعمل كما هو معلن، فيجب أن يكون قادرا على الاشتباك بنجاح مع الصواريخ الباليستية الروسية مثل صاروخ إسكندر الشهير”.
من جانبه، أشار بيك إلى أنه “يبقى أن نرى مدى فعالية باتريوت ضد الصواريخ الروسية المتقدمة، بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. كما أننا لا نعرف عدد الصواريخ التي ستتلقاها أوكرانيا، أو عدد الصواريخ التي يمكن للولايات المتحدة إرسالها إلى أوكرانيا دون استنفاد مخزوناتها”.
وقال إن باتريوت لن يوقف طائرات كاميكازي بدون طيار الإيرانية الصنع التي تطلقها روسيا، خاصة وأن كل صاروخ باتريوت يكلف حوالي 4 ملايين دولار للقذيفة الواحدة “وقد يكون من الأسهل على موسكو محاولة إرباك أنظمة باتريوت بأعداد كبيرة من الصواريخ والطائرات بدون طيار”.
حدود رد الفعل الروسي
وعقب الإعلان عن نية واشنطن إمداد كييف بصواريخ باتريوت، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا -أمس الخميس- إن التسليم المحتمل لواشنطن سيزيد من خطر تورط الجيش الأميركي المباشر في الصراع الأوكراني، وفقا لوكالة تاس الروسية.
ومنذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، يخشى الكثير من الخبراء من تداعيات تقديم الأسلحة الأميركية المتطورة إلى الجانب الأوكراني خاصة مع الخوف من أن تؤدي إلى تصعيد الصراع وزيادة خطر جر الجيش الأميركي مباشرة إلى القتال.
وعاد بايفر ليقول “بالطبع لن يرحب الروس بهذه الخطوة، وربما سيحاولون تدمير موقع باتريوت للحصول على انتصار هام نفسيا وعمليا. لكن الأنظمة التي سيستخدمها الروس لمهاجمة باتريوت (الطائرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية) هي ما تم تصميم باتريوت للدفاع ضده والاشتباك معه وإسقاطه”.
ويضيف “تخميني هو أن الأوكرانيين سيحتفظون ببعض أنظمة الدفاع الجوي الأخرى بالقرب من باتريوت أيضا لتوفير حماية إضافية. وعلى سبيل المثال، وحتى لا يضطروا إلى إهدار صواريخ باتريوت في مواجهة الطائرات بدون طيار الإيرانية، سيكون عليهم استخدام الأنظمة الدفاعية الأرخص في هذه الحالات”.
وفي رده على طبيعة الموقف الروسي المنتظر من الخطوة الأميركية، قال الخبير العسكري والين “روسيا تقف بحزم ضد جهود من حلف الناتو لتسليح أوكرانيا، وتصعد موسكو الخطاب في أي وقت تناقش فيه واشنطن وحلفاؤها منح أوكرانيا أي أسلحة”.
ويواصل حديثه “لكن يبقى أن نرى ما إذا كان سيتحول الغضب الروسي إلى أي رد فعل مغاير لم تكن موسكو تخطط له بالفعل على أي حال. هل يعني ذلك أن روسيا ستزيد من هجماتها الصاروخية ضد أوكرانيا؟ هم يقومون بذلك بالفعل، هل يعني ذلك أن روسيا ستهاجم حليفا في الناتو؟ أشك حيث إن الأمور لا تسير على ما يرام مع خصم صغير تتفوق عليه كثيرا على الورق”.
المصدر : الجزيرة
اقرأ أيضا: المعارضة السورية: قد نشهد انسحابًا تركيًا سريعًا من سورية