الجمعة , نوفمبر 22 2024

كمال خلف: الطريق من دمشق الى ادلب عبر اردوغان او المعارضة التركية

كمال خلف: الطريق من دمشق الى ادلب عبر اردوغان او المعارضة التركية

كمال خلف
كشفت امس صحيفة “تركيا” المقربة من “العدالة والتنمية” عن رسالة وجهها أكبر أحزاب المعارضة التركية “الشعب الجمهوري” إلى الأسد، بهدف عرقلة طريق التطبيع بين أنقرة ودمشق.
وجاء في الرسالة المسربة أن حكومة حزب “الشعب الجمهوري” ستلبي جميع مطالب النظام السوري، بما في ذلك دفع التعويضات، وستنسحب جميع القوات من الأراضي السورية.

وحصلت الصحيفة على معلومات من وزارة الخارجية السورية، تفيد بأن حسن أكجول ومحمد غوزال منصور من حزب الشعب الجمهوري بعثا برسالة إلى الأسد عبر حزب البعث.
وجاء في رسالة حزب الشعب الجمهوري: “أيام أردوغان معدودة. يمكن لأي مقابلة أن تؤثر على مستقبل الانتخابات. في ظل حكمنا، سيتم تلبية جميع مطالب الإدارة السورية، بما في ذلك التعويض. وأضافت: “نتعهد بسحب جميع القوات من الأراضي السورية بما في ذلك إدلب”.
صحيفة “راي اليوم” كانت قد نشرت تقريرا الأسبوع الماضي تحدثت فيه عن طلب قدمته المعارضة التركية لزيارة دمشق، لكن القيادة السورية حسب الصحيفة لم ترد على الطلب.
هل تعتبر هذه الرسائل وهذه العروض من المعارضة التركية سبب رفض الأسد حتى اللحظة عرض الرئيس اردوغان لعقد لقاء ثلاثي يجمع” الأسد واردوغان وبوتين”؟.
قد تكون عروض المعارضة مغرية جدا ، فهي تعيد كافة أراضي الشمال السوري الذي يقيم عليها الجولاني زعيم النصرة دولته بغطاء من تركية . ويعرف الأسد انه كان قادرا على سحق الجماعات المتطرفة المسلحة في الشمال ، كما فعلها في ريف دمشق وحلب و حمص والجنوب السوري، لكن الجيش التركي الذي دخل المعركة ضد قواته بشكل مباشر بالإضافة الى حجم المصالح والعلاقات المتشابكة بين موسكو حليفة الأسد وتركية حال دون ان اكمال مهمة وحدة الجغرافية واغلاق ملف الحرب بشكل نهائي بالحسم العسكري.
وتحول ملف الشمال نحو تعقيدات التسويات والهدن والتفاهمات المرحلية، ومن ثم اتجهت تركية الى ترتيب موازين القوى بين القوى المحلية بما ينسجم مع مصالحها وبقاء طويل الأمد في الشمال.
لكن قد لا تكون العروض المغرية التي قدمها “حزب الشعب الجمهوري” اذا ما ربح الانتخابات منتصف العام المقبل هي السبب الوحيد لتمهل الأسد في الذهاب للقاء الرئيس اردوغان. فهناك مضامين الرسائل التي وصلت الى دمشق عبر القناة العمانية . والتي قد تشكل طريقا اخر للرئيس الأسد نحو استعادة تعافي الدولة. وقد يكون الأسد وفق هذه الرسائل يوازن بين الطريقين . ولكل طريق مكاسبه ومساراته ومتطلباته.
بكل الأحوال يتحرك رئيس المخابرات السورية “حسام لوقا” نحو التواصل الجدي مع الجانب التركي ، فلم تتوقف مطالبات تركية وضغوط روسية لرفع مستوى هذه اللقاءات من المستوى الأمني الى السياسي . وتعتبر دمشق ان “حسام لوقا” مبعوثا رئاسيا ولا يحمل صفة رجل امن فقط، وبذلك تعتقد انها حققت مطلب رفع مستوى اللقاءات.
لكن ماذا عن القمة بين “الأسد واردوغان” ؟ . من الطبيعي ان دبلوماسية عريقة مثل الدبلوماسية السورية
لن تجازف بلقاء لمجرد اخذ صورة ، يحملها اردوغان ويضعها في وجه المعارضة ويستثمرها في الانتخابات . وما يحدد اذا كان اللقاء سيعقد ام لا هو ما سيحصل عليه الأسد مقابل ذلك . وستذهب دمشق حتما نحو الحد الأقصى من المطالب واولها انسحاب تركي كامل من الشمال السوري ، والاتفاق على مصير الجماعات المحلية المسلحة التي تشغل تلك الجغرافية .
بالمقابل قد يقدم الرئيس اردوغان ملف إعادة اللاجئين السوريين الى مدنهم ومناطقهم في حلب وحمص ودمشق ودرعا ، باعتباره الطريق الأقصر والاقل كلفة اقتصاديا وعسكريا وانسانيا من مشروع الحزام الأمني ليكون مسكنا لتوطين اللاجئين فيه داخل الأراضي السورية . وقد يعطي موافقة على طلب السوريين الانسحاب وترتيبات الميدان لكن بعد الانتخابات الرئاسية وبضمانة روسية وايرانية . ليس من المؤكد ان يقبل الأسد هذا العرض ويشتري السمك في الماء . طبيعة اللقاءات السورية التركية المتواصلة ستحدد مآلات هذا المسار .
العامل الضاغط على دمشق ربما يكمن في رغبة كلا من الحليفين الروسي والإيراني في بقاء اردوغان في السلطة ، بسبب التوجس من توجهات المعارضة السياسية في العلاقة مع الولايات المتحدة والغرب عموما . ومن نافل القول ان الولايات المتحدة تعارض بشدة توجهات اردوغان للتصالح مع الأسد ، لكن تركية ومنذ وقت طويل خطت لنفسها مسارا صنع لها هامشا للتحرك يبتعد عن السياسات الامريكية في بعض الجوانب .
هنا لابد من تقيس القيادة السورية الحسابات بميزان الذهب ، فالاهم ليس خسارة اردوغان او فوز مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية ، انما مدى الاستعداد التركي لطي صفحة الماضي ، والتكفير عن الخطايا الكثيرة بحق الجارة الجنوبية . وتصحيح الوضع القائم ، والتنفيذ العملي لالتزام انقرة احترام وحدة وسيادة سورية بالانسحاب الكامل وانهاء وجود جماعات الظلام والإرهاب . ويجب ان تضع القيادة السورية في حساباتها ان الانتخابات الرئاسية العام المقبل بالنسبة لاردوغان ليست مجرد خسارة في لعبة ديمقراطية انما هي مسألة مصيرية او معادلة حياة او موت . خسارة اردوغان تعني انهيار مشروع وهوية جديدة بناها اردوغان بعد مئة عام من الانتظار . وقد تعني ذهابه الى السجن هو بعض افراد عائلته وقيادات حزبه .
كل هذا يجب ان يوضع في الاعتبار عند التفكير بالنهج في التعامل في الوقت الراهن مع تركية .

رأي اليوم