“صار الوقت” برنامج تلفزيوني يقدمه الإعلامي اللبناني مارسيل غانم على قناة ال( ام تي في) اللبنانية. وكانت حلقته الأخيرة مخصصة لدعم مرضى السرطان، الحلقة كانت خاصة وطويلة ولذلك لم أستطع متابعتها للأخير. ولكن خلال الحلقة وصلت تبرعات اللبنانيين في الداخل والخارج إلى أكثر من عشرة ملايين دولار لمراكز علاج السرطان والمرضى.
سورية بلد ابتلي بسرطان الإرهاب والعقوبات والحصار ، والشفاء أخذ وقتاً طويلاً أكثر من الوقت الذي يحتاجه مرضى السرطان وما زلنا ننتظر. والتصميم والإرادة التي عبر عنها كل مريض سرطان خلال الحلقة هي حالة ملموسة وموجودة عند كل مواطن سوري، عند كل أم قدمت شهيداً. عند كل شخص تهدم بيته ومعمله، عند كل أب يشقى لتأمين قوت أولاده. و إرادة السوريين قوية كمرضى السرطان، صبروا، ضحوا، ابتكروا، نجحوا، زرعوا الأمل.
التكافل والتضامن
السوريون صمدوا بالتكافل والتضامن وهذه صفات متأصلة في تاريخهم وسلوكهم. إلا أن تردي الأوضاع لدى شريحة كبيرة يفرض علينا تنظيم حالة التكافل وفتح قنوات موثوقة لتلقي وإيصال مساهمات الراغبين بفعل الخير ولا سيما أن الأمر يتعلق بتحويلات مالية وتقديم منتجات وتجهيزات وسلع يحتاج إدخالها إلى البلاد إلى تشريعات وتنظيم وإشراف.
المتبرعون كثر، ولكن يفتقدون إلى القنوات الموثوقة التي توصلهم إلى المحتاجين وتعرفهم بحاجاتهم، قنوات تكون ثقة عند المتبرعين وتلبي رغباتهم. وهذه القنوات لا بد أن تكون عامة وخاصة، خاصة تمتلك المرونة في التواصل، وعامة تقدم التسهيلات وتضمن المصداقية، و ليس كما فعل وزير الصحة السابق عندما فرض على المتبرعين تقديم التبرعات لوزارة الصحة، وهي تقوم بتوزيعها حسبما ترى، هذا الأمر جعل الكثير من المتبرعين يحجم عن التبرع، فهناك أشخاص يرغبون في تقديم خدمات للمناطق التي خرجوا منها. أو لجمعية معينة، أو لمدينة ومنطقة معينة وليس للوزارة.
في الخمسينيات قبل الهجوم الإسرائيلي على المواقع السورية في طبرية منتصف كانون الأول 1955، أحست القيادة السورية بضرورة الإسراع في شراء الأسلحة، فتم إبرام صفقة كبيرة مع تشيكوسلوفاكيا قدرت بملايين الليرات السورية، ولأن الجيش كان لا يملك المال لتسديد ثمن السلاح. فقد اقترح الرئيس شكري القوتلي حينها أن يقوم الشعب السوري بتمويل جيشه. من خلال حملة أطلق عليها “أسبوع التسلح في سورية” ابتدأت الحملة من دمشق، واستمرت لمدة أسبوع لتنتقل بعدها إلى حلب وباقي المدن السورية.
نسبة التبرع
في دمشق كان المتوقع أن تصل نسبة التبرع للحملة مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية. لكن حدثت قصة جعلت التبرع يصل إلى خمسين مليون ليرة سورية، فقد تقدم شاب مهندس اسمه موفق الميداني وتبرع بجزء من رأسماله لمصلحة الجيش السوري. وفي اليوم التالي كتبت الصحف السورية تتحدث عن هذا العطاء الجزيل من ابن دمشق المهندس موفق الميداني وما قدمه في سبيل تسليح جيشه. فتحرك أصحاب الملايين ليقوموا بمثل ما فعل الميداني، وبدأت الأندية والصالونات تنشط وتتحفز حتى وصل مجمل التبرعات إلى 50 مليون ليرة سورية.
المتبرعون كثر وربما عددهم أكبر من عدد المحتاجين وهذه طبيعة السوريين. ولكن تنقصهم قنوات التواصل الشرعية والرسمية التي تحميهم من تهم تمويل الإرهاب ومخالفة القوانين. ومن تبرع في الخمسينيات لإنشاء جيش بلد لابد أنه سيقدم ويتقاسم مع إخوته في مواجهة عدوان وظلم وإرهاب طال الجميع.
معد عيسى
اقرأ أيضا: ماذا ينتظر الدولار بسبب العقوبات المفروضة على روسيا