ميساء رزق
بات تأمين لقمة العيش والمتطلبات الضرورية الشغل الشاغل لغالبية الأسرة السورية خلال العام 2022، وذلك مع الارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانخفاض القوة الشرائية نتيجة تدني سعر صرف العملة الوطنية إلى حدود غير مسبوقة، وغيرها من التبعات التي خلّفتها سنين الحرب وما رافقها من حصار اقتصادي وعقوبات، وفي ظل عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات اقتصادية فعلية تخفف الضغط عن كاهل مواطنيها الصابرين -رغماً عنهم- الذين أصبحوا وفقاً لـتقارير الأمم المتحدة أفقر شعوب الأرض وأكثرهم تعاسة، بمتوسط دخل سنوي للفرد لا يتجاوز 215 دولاراً، وهو الأقل على مستوى العالم بحسب آخر تقرير نشرته المنظمة الدولية، مع الإشارة إلى أن سورية – للعام الثاني- بقيت خارج “تقرير السعادة العالمي” لعام 2022، حيث احتفظت فنلندا بلقب “أسعد بلد في العالم” للعام الخامس على التوالي، واحتلت أفغانستان المرتبة الأخيرة في التصنيف الذي يصدر سنوياً.
يبقى السؤال الأكثر حيرة، كيف يتمكن المواطن السوري من تدبر أموره المعيشية بهذا المبلع الذي يضعه تحت خط الفقر المدقع؟
يشير الباحث الاقتصادي “شادي حسن” في حديث لـ “المشهد” من وجهة نظر واقعية للمشهد الاقتصادي والمعيشي الذي وصلنا إليه في سورية، إلى أن الدول التي كنا نقدم لها المساعدات الإنسانية في الماضي، سبقتنا بأشواط حسب التقرير المذكور، فالمواطن “الموزمبيقي” يزيد دخله السنوي عن المواطن السوري بـ 2.2 ضعفاً، ومواطن زيمبابوي 1.6 ضعفاً، ومواطن أفغانستان 2.3 ضعفاً، ومواطن جزر ساموا 12.5 ضعفاً وجزر مارشال 18 مرة، أما مواطن بوركينافاسو فيزيد دخله السنوي 3.2 ضعفاً، ومواطن اليمن التي أهلكتها الحرب 4.7 ضعفاُ، والمواطن المصري 13.2 ضعفاً، ومواطن لبنان 20 ضعفاً، أما قطر التي نالت المرتبة الأولى فلا يزيد دخل مواطنها عن مواطننا إلا ب 190 ضعفاً!.
ويضيف الباحث: “أثناء البحث بالنسب والأرقام وإسقاطها على تدهور الظروف المعيشية للمواطنين السوريين العاملين وغير العاملين في الدولة، وعن انهيار القيمة والقوة الشرائية لليرة السورية، نتبين أن التضخم والارتفاع الكبير والدائم للأسعار مقارنة بالدخل شبه الثابت سبب رئيسي لما نحن عليه الآن.
يـمكن القول إن القيمة الفعلية لمبلغ 250 ل.س عام 1969 تعادل اليوم 16.5 مليون ل.س!.
ويبين الباحث من وجهة نظر تاريخية حول التراجع الحاد في دخل المواطن السوري: بأن “متوسط راتب الموظف السوري كان في عام 1969 بحدود 250 ل.س، بينما كان سعر غرام الذهب 4.5 ل.س، وإذا ما قسمنا الراتب 250 ليرة على سعر الغرام ( 4.5 ل.س) نجد أن راتب الموظف كان في ذلك التاريخ يساوي 55 غرام ذهب، في حين أن متوسط راتب الموظف اليوم أصح يعادل 0.3 غراماً من الذهب فقط، وبهذا الحساب البسيط نجد أن قيمة الراتب الفعلية انخفضت خلال نصف قرن أو أكثر بقليل إلى حدود قاسية جداً، ويمكن القول إن القيمة الفعلية لمبلغ 250 ل.س عام 1969 تعادل اليوم 16.5 مليون ل.س!.
ويتابع الباحث في تشريحه لتدني الواقع المعيشي في سورية الحالي: “إذا حسبنا ما تحتاجه الأسرة المؤلفة من 6 أشخاص لأكل الفلافل كمثال على مدار 3 وجبات يومياً لمدة شهر كأرخص وجبة يمكن تناولها، نجد أن المبلغ المطلوب يساوي مليون و80 ألف ل.س!، في حين وصل سعر “المتة” المشروب الشعبي البسيط إلى 10 آلاف ليرة سورية لعلبة 200 غرام فقط، وسعر الفروج البروستد إلى 55 ألف أي ما يعادل نصف الراتب ناهيك عن باقي المتطلبات من لباس وطبابة وتعليم وغيرها من الضروريات، وكأنه قُدر للسوري أن يشحذ رزقه على خارطة العالم ويستجدي المعونات والدعم ليأكل ويعيش.
وعن الحلول الإسعافية الممكنة لتحسين الواقع المعيشي للمواطن السوري، يرى الباحث: “أن كل الإصلاحات التي تمت حتى الآن لا تشكل إصلاحاً اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا تنموياً متكاملًا والمطلوب هنا -حسب تأكيده- إعلاء سيادة القانون والمحاسبة القضائية، وتغيير بنية القوى العاملة السورية، لا سيما الإدارة الوسطى، وإعادة النظر بهيكلية السلطة التنفيذية، لتنفيذ المراسيم والقوانين بالشكل الأمثل، ورفع أجور العاملين بشكل فعلي، وتخصيص معونة اجتماعية مالية للعاطلين عن العمل في حالات العجز بالإصابة أوالدراسة.
ويعتبر الباحث أنه من غير المعقول أن يكون 70 % من العاملين بالدولة أقل من شهادة ثانوية ويوجد آلاف الشباب الخريجين الجامعيين بلا عمل يأكلهم اليأس والإحباط، لافتاً إلى أن التنمية والبلد والمشروع الإصلاحي بأمس الحاجة لهم ولخبراتهم، مطالباً رجال الأعمال السوريين بتقديم الدعم المادي على أرض الواقع بالأفعال لا بالأقوال، ولاسيما لأن أغلب المسؤولين المتربعين على عرش المناصب من الطبقة الغنية.
المشهد