ما إمكانية تنفيذ تركيا لشروط سوريا من أجل عقد المصالحة؟
وسط الحديث عن مقاربة سياسية بين تركيا وسوريا ولقاء محتمل بين قادة البلدين، تحدث الرئيس السوري بشار الأسد عن شروط ضرورية لعقد مصالحة مع أنقرة، أهمها إنهاء “الاحتلال والتوقف عن دعم الإرهاب”، على حد وصفه.
وتطالب سوريا بإنهاء الوجود العسكري التركي على أراضيها، وهو الشرط الذي يرى مراقبون أن هناك صعوبة في تنفيذه في الفترة الحالية، لكنهم يؤكدون ضرورة استمرار المحادثات السياسية بين دمشق وأنقرة.
قال وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد، إن اللقاء بين الرئيس بشار الأسد والقيادة التركية يعتمد على “إزالة أسباب الخلاف”، معتبرا أن الإرهاب في سوريا هو ما عكر علاقات دمشق بأنقرة.
وأكد المقداد أنه “لا يمكن الحديث عن إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا من دون إزالة الاحتلال في بلادنا”، في إشارة لعمليات عسكرية تشنها أنقرة شمالي سوريا تقول إنها تستهدف مسلحي حزب “العمال الكردستاني” الذي تصنفه تنظيما إرهابيا.
خطوة بديهية
اعتبر أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، إنه لا يمكن الحديث عن إمكانية عودة العلاقات الطبيعية ما بين سوريا وتركيا قبل تفكيك المجموعات الإرهابية المدعومة من أنقرة وإنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، على حد وصفه.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، فإن هذا الأمر لا يمكن توصيفه بأنه “شرط سوري”، لأنه ليس من الوارد بمكان لحكومة أي دولة أن تقيم علاقات طبيعية مع دولة تحتل أراضيها، مضيفا: “مطالبة سوريا بخروج الاحتلال وتفكيك المجموعات الإرهابية هو مطلب بديهي وعادل ومنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، ومبدأ السيادة المتساوية، فضلا عن أن محاربة الإرهاب وعدم تمكينه من امتلاك ملاذات آمنة على الأراضي السورية هو من أهم مضامين قرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الخاصة بالوضع السوري”.
ولفت دنورة إلى أن الوقت ليس متسعا لإنجاز هذا التحول الجذري في الفجوة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الانتخابات التركية، ولكن بقدر ما يبدو ذلك صعبا، فهو في الوقت ذاته ضرورة لتخفيف منسوب الاحتقان الداخلي ضد حكومة “العدالة والتنمية” وحلفائها السياسيين.
وتابع: “يبدو من المنطقي القول إن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان يحتاج إلى جرأة وقرارات تبدو في ظاهرها صعبة لإنجاز هذا الأمر”، مضيفا: “لكنه يجب تحقيقها عاجلا أم آجلا”.
واستطرد: “إن أحجم أردوغان عن خياراته الصعبة سيسبقه إليها الائتلاف الحاكم القادم المشكل من أحزاب المعارضة، والتي قد تنتزع من حزبه السلطة في الانتخابات المقبلة”.
ويرى المحلل السياسي السوري أن الأعداد الكبيرة من اللاجئين باتت عبئا يتفاقم تأثيره يوميا على الوضع الداخلي التركي، كما أن سياسة الهروب إلى الأمام في عمليات كر وفر في شمال سوريا تبدو إبحارا في محيط ليس له نهاية، وأمام أردوغان اليوم فرصة تاريخية لركوب موجة تغيير واضح المعالم في مزاج الشارع التركي بدلا من أن يصبح ضحية لهذا التغيير.
واستطرد: “لديه بنفس القدر الفرصة لمنع تفاقم الأزمات الحالية والحيلولة دون تحولها من أزمات سياسية مؤقتة ومرحلية إلى مرض مزمن وصداع طويل الأمد يصيب الدولة التركية، ويتسبب بزعزعة استقرارها الداخلي، وما لم يدرك أردوغان أنه استنفد حدود السيطرة على الداخل التركي بالأساليب القسرية والبوليسية، وأنه بحاجة إلى تجديد شعبية حكمه المصاب بالشيخوخة، فلن يحصل هو وحزبه على ولاية قادمة، أو أنه سيحصل على ولاية انتخابية سمتها الأساسية الاضطراب الداخلي وغياب الاستقرار واليقين السياسي.
ولفت إلى أن التعويل على الخطاب العقائدي المتهالك وتجاهل واقع الشعب التركي سيتسع بصورة خطيرة، وربما لا يمكن تداركها لاحقا.
شروط سورية
بدوره اعتبر غسان يوسف، المحلل السياسي السوري، أن الشروط التي أعلنها الرئيس بشار الأسد من أجل المصالحة مع تركيا، لخصت كل المطالب السورية في هذا الشأن، والتي تتمثل في إنهاء الاحتلال وتفكيك المجموعات الإرهابية.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، فإنه “عندما يذهب الاحتلال يذهب معه كل الإرهابيين الذين جاءوا مع أنقرة، وإنهاء ما يعرف باسم الجماعات المسلحة والمعارضة المعتدلة وغير المعتدلة كما يطلق عليها البعض، وفي مقدمتها “جبهة النصرة” الإرهابية والجبهة الوطنية للتحرير وما يسمى بالجيش الوطني، وكل هذه المجموعات يجب ترحيلها وترحيل الإرهابيين الأجانب خارج الحدود السورية”.
ولفت إلى ضرورة فتح المعابر وعودة الحياة الاقتصادية وسيطرة الجيش العربي السوري على جميع الأراضي السورية، لتصبح الدولة هي المسؤولة عن حماية الحدود بين البلدين، وهذا مطلب سوري، خاصة أن تركيا تقول إنها لا تملك أية أطماع في الأراضي السورية وأن وحدة سوريا واستقرارها يفيدها”.
ويرى غسان يوسف أنه عندما يتم تنفيذ هذه المطالب السورية ينتقل الطرفان لمنع قيام “كانتون” كردي في الشمال الشرقي وإحراج الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بالتعاون مع روسيا ومع الدول المتضررة من المشروع كالعراق وإيران.
وأشار المحلل السياسي السوري إلى البيان الذي صدر في موسكو الشهر الماضي بعد اجتماع وزراء الدفاع الثلاثة، الذين قالوا إن “قوات “قسد” عميلة لإسرائيل وأمريكا، مضيفا: “إذا كان هذا التوصيف من الدول الثلاث، فإن المصالح التركية والسورية تقتضي أن يكون هناك تعاون ضد “قسد”، ولكن مع تنفيذ الشروط السورية المتمثلة في انسحاب الاحتلال التركي، وعودة السيادة السورية على كافة أراضيها”.
وفيما يتعلق بإمكانية تنفيذ تركيا لهذه الشروط، يعتقد المحلل السياسي السوري أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يناور، وأنه لن يقوم بهذه الخطوات، مؤكدا أن السياسة تقتضي من الدولة السورية السير في طريق المحادثات مع تركيا لتحقيق ما يمكن تحقيقه، خاصة أن الأراضي السورية هي المحتلة، ودمشق لم يكن لديها أي رد فعل عدائي تجاه أنقرة.
وقال الرئيس السوري بشار الأسد، إن اللقاءات مع تركيا يجب أن تقوم على تنسيق وتخطيط مسبق بين دمشق وموسكو من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا.
كما أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إنه قد يجتمع مع نظيره السوري فيصل المقداد، في أوائل فبراير/ شباط المقبل.
يذكر أن لقاء ثلاثيا تم عقده، نهاية عام 2022، جمع وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، في موسكو، بحثوا خلاله سبل حل الأزمة السورية، ومشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمحاربة الإرهاب في سوريا.