الإثنين , نوفمبر 25 2024

مساعٍ أميركية لتهشيم «الائتلاف»: «تحرير الشام» تبدأ تصعيداً مضبوطاً

مساعٍ أميركية لتهشيم «الائتلاف»: «تحرير الشام» تبدأ تصعيداً مضبوطاً

علاء حلبي

على وقْع الاستدارة التركية نحو دمشق، تشهد مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري تغيّرات ميدانية وسياسية عديدة ضمن خطوط متوازية، لعلّ أبرزها التصعيد «الجهادي» المستمرّ منذ أيام، ومحاولة «هيئة تحرير الشام» إشعال الجبهات التي ظلّت هادئة طيلة السنوات الثلاث الماضية، في مسعًى منها لتثبيت حضورها عشيّة خطوات التطبيع المحتمَل السوري – التركي. ويأتي ذلك في وقت تُواصل فيه واشنطن خطواتها المدروسة على طريق تهشيم «الائتلاف» المُعارض، وتصعيد وجود معارِضة جديدة بدأت تحاول لعب دور أكبر على الساحة السياسية

تُواصل «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، التي يقودها زعيم فرع تنظيم «القاعدة» السابق في سوريا، أبو محمد الجولاني، تصعيدها على خطوط التماس مع مواقع سيطرة الجيش السوري، عبر هجمات ينفّذها «انغماسيون»، معظمهم من جنسيات غير سورية، تهدف بشكل أساسي إلى ضرب حالة الاستقرار التي يفرضها اتّفاق «خفض التصعيد» الموقَّع بين تركيا وروسيا، والذي يشمل المنطقة الممتدّة من ريف حلب وصولاً إلى ريف اللاذقية، مروراً بإدلب وحماة. اللافت في الهجمات، التي بلغ عددها وفق إحصاءات نشرتها «الهيئة»، 13 خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أن «الانغماسيين» حاولوا خلالها اختراق نقاط متقدّمة يسيطر عليها الجيش السوري لتنفيذ عمليات اغتيال، من دون العمل على إحداث أيّ تغييرات في خريطة السيطرة، في وقت ردّ فيه الجيش السوري على تلك المحاولات بتنفيذ كمائن لبعض المقاتلين، وقصْف مواقع تمركزهم وخطوط إمدادهم، بالإضافة إلى تكثيف عمليات المراقبة ورفْع حالة التأهّب، وفق مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار».

وبحسب المصادر، فقد برز خلال الفترة الماضية اتّباع «الجهاديين» أسلوب الهجمات المباغتة، من دون السعي إلى السيطرة على أيّ منطقة يهاجمونها، حيث يتمّ العمل عبر مجموعات صغيرة، تتولّى تنفيذ عمليات قصف عاجلة وسريعة والانسحاب إلى مواقع خلفية، وهو ما تفسّره المصادر باقتناع الفصائل بأن أيّ محاولة لتغيير خريطة السيطرة ستؤدي إلى عمل عسكري كبير ضدّها، ما يعدّ بمثابة «انتحار جماعي لها». وذكر «المركز الروسي للمصالحة» في سوريا، أمس، أن 3 جنود سوريين استشهدوا في محافظة اللاذقيّة إثر قصف نفّذه تنظيم «جبهة النصرة» بقذائف «مورتر» (هاون) من قرى إدلب على مواقع سيطرة الجيش السوري في قرية نخشبة في ريف اللاذقية. في المقابل، أفادت مصادر «جهادية»، تحدّثت إلى «الأخبار»، بأن «هيئة تحرير الشام»، التي تقود غرفة عمليات «الفتح المبين»، أصدرت تعليمات بمنع تداول أسماء قتلى هذه الهجمات، في ظلّ وجود «جهاديين» غير سوريين يشاركون فيها. وتداولت صفحات «جهادية» نعوات عدّة خلال الأيام الماضية لمقاتلين قضوا بنيران الجيش السوري، أبرزهم «أبو حمزة الفرنسي» الذي قتل في جبل الزاوية، علماً أنه ينتمي إلى «فرقة الغرباء» التي تشكّلت بعد عام 2013، وينحدر جميع عناصرها من أصول فرنسية وإفريقية، ويقودها السنغالي الفرنسي عمر أومسن أو عمر ديابي.

تابعت الولايات المتحدة العمل على خطّتها لتشكيل معارضة سورية جديدة تنشط من نيويورك وتكون بديلة لـ«الائتلاف»

كذلك، أفادت المصادر «الجهادية» بأن سلسلة لقاءات أجراها قياديون في «الهيئة» مع الفصائل التي تقودها الأخيرة، درست عواقب الهجمات التي يمكن أن تنفّذها ضدّ الجيش السوري، لتنتهي بالاتفاق على تنفيذ عمليات صغيرة بين وقت وآخر، تهدف بالدرجة الأولى إلى ضمان تصدّر «تحرير الشام» المشهد الميداني كبوابة للتوسّع في الشمال السوري والسيطرة عليه كاملاً، بعدما تمكّنت «الهيئة» وفصائل متحالفة معها من بسط سيطرتها الكلية على عفرين. أيضاً، تهدف «الهيئة» من وراء هذه الهجمات إلى البعث برسائل إلى أنقرة، التي أعلن الجولاني رفضه انعطافتها نحو دمشق، بأن «الهيئة لا تزال قوية ولا يمكن اقتلاعها بسهولة»، وخصوصاً أن اللقاءات السورية – التركية ركّزت على إدلب، في ظلّ اشتراط دمشق تسريع وتيرة حلحلة ملفّ «الجهاديين» وفتْح الطرق كخطوة أولى. وبالتوازي مع شنّ هجمات على مواقع الجيش السوري، أنشأت «هيئة تحرير الشام» مجموعة نقاط جديدة قرب الحدود مع تركيا، بهدف منْع أيّ موجات نزوح أو لجوء، وإغلاق جميع معابر التهريب إليها، الأمر الذي فسّرته المصادر بأنه يأتي لتخفيف الضغوط عن أنقرة، وسحْب أيّ ذرائع قد تدفع الأخيرة إلى الحدّ من هجمات «الهيئة» على مواقع الجيش السوري.
بدورها، تابعت الولايات المتحدة العمل على خطّتها لتشكيل معارضة سورية جديدة تنشط من نيويورك تكون بديلة لـ«الائتلاف»، مستغلّةً موجة الغضب ضدّ قيادته التي أعلنت المضيّ قُدُماً في خطّة الانفتاح التركية على دمشق. وفي هذا السياق، سارع «التحالف السوري الوطني» إلى إصدار بيانات مندّدة بـ«الائتلاف»، كما لوحظ انتشار وسوم عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تنادي بحلّ الأخير، وهو ما أعادتْه مصادر معارضة إلى حملة منظّمة تقودها شخصيات مدعومة من واشنطن، ضمن المشروع المُشار إليه. وبالتوازي مع ذلك، تتابع الولايات المتحدة عمليات تجنيد مقاتلين عرب في الشمال الشرقي، في محاولة لتحقيق توازن مع الأكراد يكون مقبولاً لدى أنقرة، وهو ما تعمل عليه من خلال«جبهة ثوار الرقة» التي أعادت إحياءها، وربطتْها بـ«التحالف السوري» الذي ينشط من نيويورك ويشكّل واجهتها السياسية، ضمن مشروع شراكة بينه وبين «قسد».
في هذا الوقت، تشهد خطوات التقارب السورية – التركية عثرات ومطبّات متوقّعة، في ظل الاستعجال التركي الواضح، والإصرار السوري على وجود أرضية واضحة لذلك الانفتاح تفضي إلى خروج القوات التركية من الأراضي السورية، ووقْف دعْم الفصائل. وأدّت هذه العثرات إلى تأخير لقاء وزيرَي خارجية البلدين، ودفْع أنقرة إلى طلب لقاء ثانٍ على مستوى وزراء الدفاع، توقّع الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن يتمّ في منتصف شهر شباط المقبل.

الأخبار