الجمعة , نوفمبر 22 2024

“كوميرسانت”: هل ستتورط ألمانيا في مواجهة مباشرة مع روسيا؟

“كوميرسانت”: هل ستتورط ألمانيا في مواجهة مباشرة مع روسيا؟

كتب ألكسي زارودين ويلينا تشيرنينكو، مقالاً في صحيفة “كوميرسانت” الروسية، بعنوان “الدبابات تمر فوق شولتس”، في الإشارة إلى الانقسام الأوروبي حول تزويد أوكرانيا بدبابات ألمانية، ورفض المستشار الألماني إرسال هذه الدبابات حالياً خوفاً من الحرب المباشرة مع الروس أو للضغط على الأميركيين لإرسال دبابات أميركية أيضاً.

فيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:

طارد موضوع إمداد أوكرانيا بدبابات “ليوبارد” الألمانية الصنع المجتمع الأوروبي والعالمي لعدة أسابيع. بعد محاولة فاشلة لحل هذه المشكلة بصيغة رامشتاين، انتقلت المناقشات إلى بروكسل، فعقد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. يستمر النقاش النشط في برلين نفسها، بعدما تسبب الخلاف حول توريد الدبابات في حدوث انقسام خطير في الائتلاف الحاكم في ألمانيا. بينما يصر بعض السياسيين على الإسراع في نقل الدبابات إلى أوكرانيا، يخشى آخرون من تورط ألمانيا في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا. فيما تتابع موسكو التطورات عن كثب، معتبرة أن ما يحدث يشكل بوادر “حرب حقيقية” ضد الاتحاد الروسي.
“وحدة الموقف”

كانت المهمة الرئيسة لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في اجتماع عقد في بروكسل بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير الجاري، وفقاً لرئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل، هي الموافقة على دفعة جديدة من المساعدة العسكرية إلى كييف مقابل 500 مليون يورو من الصندوق الأوروبي.

وقد أفيد في وقت سابق أن المجر وقفت في طريق اقتطاع هذه الأموال، كما هي الحال عدة مرات مماثلة. ومع ذلك، لم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من إقناع بودابست برفع حق النقض. قبل انتهاء الاجتماع، ذكرت وكالة “رويترز” أن جميع وزراء دول الاتحاد الأوروبي، البالغ عددهم 27، وافقوا على إرسال مساعدات مالية إلى أوكرانيا.

بشكل منفصل، تمت الموافقة على اقتطاع 45 مليون يورو “للمعدات غير الفتاكة”، مخصصة لبعثة الاتحاد الأوروبي بهدف التدريب العسكري للجيش الأوكراني. في مؤتمر صحافي عقب الإعلان عن نتائج اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي، أشار جوزيب بوريل إلى أن المبلغ الإجمالي للمساعدة المقدمة إلى كييف في مختلف المجالات من الدول الأعضاء في الاتحاد بلغ 49 مليار يورو.

وبحسب وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو، فإن “جميع القرارات التي من شأنها إطالة أمد الحرب أو المؤدية إلى تصعيد محتمل” تتعارض مع مصالح بودابست. وقال: “لقد ثبت أن العقوبات تقود أوروبا إلى طريق مسدود”. في غضون ذلك، أشارت رويترز إلى أن الموافقة على الدفعة التالية من المساعدات لأوكرانيا تمت على خلفية الصعوبات في توريد دبابات “ليوبارد” الألمانية.

حتى قبل الاجتماع، اعترف جوزيب بوريل بأن وزراء الخارجية سوف يناقشون مستوى الدعم العسكري بعد اجتماع فريق الاتصال حول الدفاع عن أوكرانيا في “صيغة رامشتاين”، الذي عقد يوم الجمعة الماضي (20 كانون الثاني/يناير). كان اجتماع حلفاء كييف في قاعدة جوية في ألمانيا صادماً للغاية، حيث تم الإعلان عن شحنات كبيرة من الأسلحة، لكن لم يتم حل المشكلة الرئيسة في “رامشتاين”. حقق صيغة “رامشتاين” نتيجة جيدة من حيث عدد الأسلحة التي قررت الدول تقديمها لأوكرانيا، “حيث ستشارك ألمانيا في تقديم قدر كبير من المساعدات”، كما برر جوزيب بوريل بشكل استباقي قبل الاجتماع. في مقابلة مع صحيفة “آ.ب.س” الإسبانية، اعترف بأنه يدافع شخصياً عن توريد الدبابات، لكن مثل هذه القرارات متروكة لكل دولة على حدة.

بولندا، التي تنتقد ألمانيا بشدة لتأخرها في إرسال الدبابات، صرح نائب وزير خارجيتها أركاديوس مولارتشيك، الذي مثلها في الاجتماع، أنها مستعدة للتبرع بالدبابات التي بحوزتها من هذا الطراز، لأوكرانيا. “فإذا لم توافق برلين على توريد الدبابات، فسوف تقع في عزلة دولية”، على حد تعبيره.

في الوقت نفسه، كما اتضح، لم تهتم وارسو بعد بطلب الإذن رسمياً من برلين لنقل المركبات القتالية الألمانية إلى أوكرانيا. ولم يمنع هذا رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي من التهديد بتسليم الشحنات أو عدم تسليمها “بناء على تقديره الخاص”.

دعم وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس زملاءه من وارسو بنشاط، وأشار يوم الاثنين إلى أن ألمانيا، باعتبارها “محرك أوروبا”، تتحمل مسؤولية خاصة في مساعدة أوكرانيا، وبالتالي من المستحيل تأخيرها. حتى وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن حذر من أن موسكو يمكن أن تنجح في الصراع إذا “لم يساعد الأوروبيون أوكرانيا في ما تحتاجه الآن”.

من الغريب أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بوربوك أكدت أن برلين لن تضع عقبات في طريق الدول التي تقرر نقل الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا. كما قال جوزيب بوريل في نهاية الاجتماع الوزاري، لا تتدخل برلين حقاً في إمداد الدول الأخرى بالدبابات الألمانية الصنع. إلا أنه اضطر لمواجهة أسئلة الجمهور، التي وجهها إليه الصحافيون الأوروبيون، والتي عبّرت كلها، ​​بطريقة أو بأخرى، عن القلق من توريد دبابات “ليوبارد”.

كما لوحظ تطور الحديث حول تلك الدبابات في موسكو. وفق السكرتير الصحافي لرئيس الاتحاد الروسي دميتري بيسكوف: “سيتعين على الشعب الأوكراني أن يدفع ثمن كل هذه الإجراءات، مقابل كل هذا الدعم الزائف”. حتى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال يوم الاثنين إن ما يحدث في أوكرانيا “لم يعد حرباً هجينة، بل بات حرباً حقيقية، كان الغرب يستعد لها منذ مدة طويلة ضد روسيا”. كما أكد أن الاتحاد الروسي لم يرفض المفاوضات مع أوكرانيا، ودعا كييف لتوضيح موقفها من الحوار، الذي كان محظوراً قانونياً لبعض الوقت، أن تجريه مع الرئيس فلاديمير بوتين. في المناسبة، تحدث جوزيب بوريل أيضاً عن المحادثات يوم الاثنين. في مقابلته صحيفة “آ.ب.س”، ​​أوضح أن بروكسل يجب أن تدعم أوكرانيا “حتى تجلس إلى طاولة المفاوضات بأفضل مركز قوة ممكن”. حتى الآن، لم تأت مثل هذه اللحظة، بحسب السيد بوريل.
طعنة في الظهر

فيما يتعلق بمسألة تسليم دبابات “ليوبارد” إلى أوكرانيا، تعرض المستشار الألماني أولاف شولتز لانتقادات شديدة في ألمانيا نفسها. وليس فقط من ممثلي المعارضة، ولكن أيضاً من سياسيين من حزبين متحالفين مع حزبه الاشتراكي الديمقراطي. وهكذا، وصفت رئيسة لجنة الدفاع في البوندستاغ ماري أغنيس ستراك زيمرمان (من الحزب الديمقراطي الحر) الافتقار إلى إحداث اختراق بشأن دبابات “ليوبارد” بالكارثة. كانت تتحدث في مؤتمر لـ”أصدقاء أوكرانيا” في “رامشتاين”، معتبرة أن “ألمانيا، للأسف، فشلت”، وألقت باللوم على المستشار في ذلك.

نائب آخر من “الحزب الديمقراطي الحر” ألكسندر مولر، شكك علانية في مدى اطلاع بوريس بيستوريوس، الذي عينه أولاف شولتز وزيراً للدفاع في ألمانيا قبل يومين فقط من الاجتماع في رامشتاين. ذكر أنه بعد مفاوضات مع الشركاء، اعترف بوريس بيستوريوس يوم الجمعة بأنه لا يستطيع التنبؤ بموعد اتخاذ قرار بشأن الدبابات، لكنه أشار إلى أنه أصدر تعليماته بمراجعة مخزون هذا الطراز من الدبابات في مخازن الجيش الألماني. وحث بوريس بيستوريوس على الاطلاع بسبب إخفاء هذه البيانات عنه، ومن يمكن الوثوق بهم عموماً في الوزارة.

من جهتها، أعلنت أنيسزكا بروغر، النائبة في البرلمان عن حزب الخضر (جزء من الائتلاف الحاكم)، أن “تردد الحكومة الألمانية” يصب في مصلحة فلاديمير بوتين، الذي “يستعد لهجوم جديد رهيب واسع النطاق على الأبرياء في أوكرانيا”. وقالت في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل”: “نحتاج إلى اتخاذ قرار سريع وبالتنسيق مع شركائنا الأوروبيين بشأن توريد الدبابات القتالية إلى كييف”.

تتجلى خطورة الانقسام في الائتلاف الحاكم في أن المعارضين الديمقراطيين المسيحيين دعوا “الحزب الديمقراطي الحر” و”حزب الخضر” إلى رفض التعاون مع أعضاء حزب أولاف شولتز، وتشكيل حكومة جديدة معهم. وقال ثورستن فراي، المتحدث باسم “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” لصحيفة “بيلد إن”: “المشاهد التي تتكشف الآن في الائتلاف الحاكم تذكرنا بإجراءات الطلاق”، مضيفا أن حزبه مستعد لإظهار القيادة والمسؤولية. على عكس الاشتراكيين الديمقراطيين بالطبع.

كما صرح نوربرت روتغن، وهو عضو مؤثر آخر في “الاتحاد الديمقراطي المسيحي”، أن “ألمانيا تفشل في لحظة حاسمة في الاختبار التاريخي للحرب في أوروبا”. وأضاف: “ينبغي على أعضاء الحزب الديمقراطي الحر والخضر أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا مستعدين، خلافاً لمعتقداتهم، لتحمل المسؤولية عن هذا الفشل”.

أما داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، فلا يقل مستوى الغضب والانتقادات عن شركائهم في التحالف والمعارضة. يخشى أعضاء حزب أولاف شولتز من أن إمدادات دبابات “ليوبارد”، ستؤدي إلى تصعيد الصراع على أوكرانيا وجرّ ألمانيا إلى صدام مباشر مع روسيا. قال رولف موتزينيتش، زعيم فصيل هذا الحزب في البوندستاغ، لوكالة “د.ب.أ”: “إن ستراك زيمرمان وآخرين يحاولون إقناعنا بالدخول في مواجهة عسكرية. اليوم يدعوننا إلى الهجوم بمفردنا بالدبابات القتالية الثقيلة، وغداً سيطالبون بإرسال طائرات أو قوات بريّة” (إلى أوكرانيا).

من جهته، حث رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغبيل قيادتي “الحزب الديمقراطي الحر” و”حزب الخضر” على إجراء محادثات مع أولئك الذين سمحوا لأنفسهم بتصريحات علنية قاسية حول المستشار. وبحسبه فإن الاشتراكيين الديمقراطيين “يؤيدون 100% النهج المتوازن لأولاف شولتز، لأنهم لا يريدون أن يصبحوا حزب حرب. إن ذلك يستغرق وقتاً”.

وفقاً لمصادر مجلة “دير شبيغل”، لا يعارض أولاف شولتس بشكل عام نقل الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، ولكن من المهم بالنسبة إليه أن تشارك الدول الأوروبية، والولايات المتحدة أيضاً في التحالف، من أجل توريد دبابات قتالية ثقيلة إلى كييف. إلا أن الأميركيين ليسوا في عجلة من أمرهم لإرسال “إم أبرامز” إلى الأوكرانيين. فالمركبات الأميركية، كما يقولون في واشنطن، تصعب قيادتها وتتطلب صيانة.

ألكسي زارودين ويلينا تشيرنينكو

نقله إلى العربية: عماد الدين رائف / الميادين