لماذا لا يقاتل السوريّون الأميركيين؟
نبيه البرجي
هي سوريا أرض الثورة الكبرى، والبطولات الكبرى، ضد الانتداب الفرنسي. مسقط زنوبيا، ملكة تدمر، التي دقت أبواب روما. لماذا لا تتمثل بالنموذج الفيتنامي، أو بالنموذج الأفغاني، في القتال ضد الأميركيين الذين، اذ يضعون أيديهم على القمح والنفط، يراهنون على تقويض سوريا، وليس فقط انهاكها، ليتسنى لهم تفكيكها، ما يتيح للحاخامات، بالرؤوس العفنة، اعادة بناء الهيكل.
سفر أشعيا قال “ها أن دمشق تزال من بين المدن، فتكون ركاماً من الأنقاض”. رافاييل ايتان وصفها بـ”بلاد الذئاب المتفجرة” بسبب الغليان القومي فيها. أما المؤرخ الفرنسي جان ـ بيار فيليو فقال “سوريا تاريخنا”…
الاجابة تأتينا من أكثر من جهة سورية. “لقد تحدثنا كثيراً عن الحرب الكونية ضدنا. جغرافياً، لسنا فيتنام ولا أفغانستان. نحن نتاخم دولاً شاركت، عملانياً ولوجيستياً، في الحرب. حدودها شرّعت أمام كل شذاذ الآفاق، أجاؤوا من كهوف تورا بورا أم من ضواحي الكوت دازور. ما من دولة في العالم أو في التاريخ واجهت مثل تلك الظاهرة” !
“لقد خرجنا منهكين من الحرب، لنجد الأميركيين والأتراك، وحتى آلاف المسلحين، وبحماية أميركية وتركية، على أرضنا، ناهيك عن الحصار القاتل. كيف لجيشنا الذي حارب على 400 جبهة، وهذا لا نظير له منذ بداية الخليقة، أن يقاتل، بالامكانات المحدودة، ومن دون أي تغطية جوية، الأرمادا الأميركية؟”.
“ربما الأشد خطراً أن الذين صاغوا سيناريو الحرب، بالمليارات التي نثرت دون حساب، لتأخذ الحرب الكونية شكل الحرب الأهلية، تمكنوا من احداث تصدعات زلزالية في البنى السوسيولوجية لمجتمعنا. باقتضاب، أكثر من قنبلة في الخاصرة”…
نسأل لماذا لا يكون التمثل بالنموذج اللبناني الذي ساعدت سوريا على ارسائه في الجنوب، ومع اعتبار الترسبات التي تحكم بعض القوى اللبنانية؟ الرد أن “التضاريس الجغرافية هنا مختلفة الى حد بعيد. لا أودية، ولا جبال، من دمشق، وحلب، واللاذقية، الى دير الزور”.
“الأهم من ذلك، اذا كان المقاوم اللبناني مطمئن الى من يوجد الى يمينه، أوالى يساره، أو ورائه. هنا، وبعد كل الذي حصل، لا يدري المقاوم السوري أين، ومتى، تظهر الأشباح. ما نحتاجه الآن اعادة اعمار الانسان تزامناً مع اعمار المدن والقرى، ما يستغرق سنوات وسنوات”.
“…رهاننا على “الجنرال زمن”. نعلم أنه الرهان الخطر. نحن أمام حرب اقتصادية لا تقل هولاً في تداعياتها عن الحرب العسكرية. حلفاؤنا أيضاً محاصرون، وعندهم مشكلاتهم الصعبة. ماذا يمكن أن نفعل حين تغير القاذفات الاسرائيلية، وبتواطؤ عملاني مع واشنطن، على القوافل التي تنقل الينا الطحين والمازوت، ما دمنا لا نمتلك المنظومات الصاروخية المضادة؟ لسنا عاتبين على أحد. نحاول قدر المستطاع، وفوق المستطاع، لملمة جراحنا بأيدينا. كلام رومانسي؟ لا، هذه هي الحقيقة اليومية”.
…”استطراداً، لسنا عاجزين عن الوصول الى القواعد الأميركية، والحاق الخسائر البشرية، ولكن وصلتنا أكثر من رسالة بدكّ مدننا، ومنشآتنا الحيوية. وأنت تعلم الكثير من أين تدخل اسرائيل، وما يجول في رأس اسرائيل”.
نقول ألاّ مجال لتحرير الأرض من الغزاة الا بالتضحيات، وبالآلام، الكبيرة. الاجابة “هذا صحيح. قلنا اننا محاصرون حتى في رغيف الخبز. وان ظروفاً محددة، تحول دون تزويدنا بأنواع معينة من الأسلحة. في فيتنام كانت الترسانات السوفياتية، والصينية، مشرعة على مصراعيها أمام الفيتكونغ”…
حدثونا عن تفاصيل اخرى تكشف، لهذه الناحية، المأساة السورية. الدولة المنهكة اقتصادياً، الممنوعة من اعادة الاعمار، وتهديد كل من يتعاون مع دمشق، ما يجعل الحل محصوراً بحدوث تغيرات في المشهد الدولي، وفي المشهد الاقليمي. ولكن، ماذا اذا مضت الرياح في اتجاه آخر؟.
بالرغم من سوداوية الصورة، ثمة جهات فاعلة تتحدث “عن أبواب كثيرة، وحساسة، ستفتح قريباً”. هذه الجهات ترى أن مسلسل الزلازل على مدى 11 عاماً لم يسقط الدولة في سوريا. الأميركيون في حلقة مفرغة. ولكن ألم يستضيفوا مولود شاويش أوغلو ليسألوه ما الثمن الذي تريدونه مقابل منع روسيا من تأمين لقاء بين رجب طيب اردوغان وبشار الأسد؟
الديار