لم ينتظر التجار طويلاّ ليؤكدوا لملايين السوريين:لن نُخفّض الأسعار،ونجزم بأن غرفة تجارة دمشق التي بشرتنا بانخفاض ملموس بالأسعار بعد ثلاثة أشهر على الأكثر بعد تحريرها، لم تتفاجأ بإعلان المستوردين الكبار بأن الأسعار لن تنخفض لاعاجلاً ولا آجلاً،بل ستشهد المزيد من “الرفع”والإرتفاع.
وها قد مرت ثلاثة أسابيع على صدور قرار تحرير الأسعار من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك دون أن يلمس المواطن أي نتائج في الأسواق، مايؤكد المؤكد: “التجار يأخذون ولا يعطون”.
ونجزم أيضاً بأن ما من مواطن صدّق أو سيُصدّق التجار بأنهم سيبادلون العطاء بالعطاء، فمهما قدمت لهم الحكومة من تسهيلات وإعفاءات، فسيطالبون بالمزيد، بل لانستغرب ما يُقال في أوساطهم بأن الحكومة رضخت لشروطهم وضغوطاتهم، بمعنى أنهم انتزعوا منها مايعتبرونه حقوقهم، وبالتالي لماذا سيخفضون الأسعار؟.
وبفعل النظرة السلبية للتجار تجاه الحكومة والمواطن معاً، فلم يتوقفوا عن احتكار المواد ورفع الأسعار في الأسابيع الماضية، فبعض المواد الأساسية مازالت قليلة وغير متوافرة بالشكل الكافي في الأسواق مثل مادة السكر التي ارتفع سعرها إلى 7 آلاف ليرة، وكان يمكن أن ترتفع أكثر لو لم تفتح وزارة التجارة الداخلية دورة جديدة لتوزيع مادتي السكر والأرز بالسعر المدعوم.
ولمن كان متفائلاً كثيراً أو قليلاً سواء من جهات حكومية، أو من منظّرين ومحللين بعد قرار تحرير الأسعار، شعروا بالإحباط الشديد بعد أن سارعت غرفة تجارة دمشق بالرد عليهم بقول جازم وحاسم: إن تحرير الأسعار لا يعني انخفاض الأسعار.
والسؤال: ماذا يعني تحرير الأسعار إن لم تنخفض أسعار المواد بفعل المنافسة؟
حسب غرفة تجارة دمشق فإن التحرير (يعني أن الفاتورة التي يستورد بها التاجر يجب أن تتضمن المصاريف المدفوعة وعلى ضوء هذه الفاتورة يتم تحديد نسبة أرباح التاجر لكل مادة مستوردة ومن ثم تسعر المواد حسب فاتورة المستورد والمصاريف).
الأمر الوحيد الذي وعد به التجار هو (أن كل المواد الغذائية الأساسية ستصل قريباً بالتدريج مثل السكر والزيت النباتي والشاي وغيرها ولن يكون فيها نقص خلال الأيام القادمة، وعقب وصولها ستكون الأيام القادمة أفضل من سابقاتها مع توفر كل المواد وخصوصاً الأساسية في السوق).
نعم، سيستورد التجار كل احتياجات السوق من السلع والمواد، وبفواتير نهائية بعد حساب التكاليف والمصاريف وهامش الربح، لكن دون أي تخفيض بأسعارها، وهذا ماقصدوه بأن (تحرير الأسعار يعتبر حالة صحية وإيجابية وستكون آثاره إيجابية على المستهلك)، ولا توجد توقعات أخرى على عكس تمنيات الحكومة والمواطنين.
ولعل هناك من سيستمر بالسؤال: لماذا تحرير الأسعار في سورية والدول التي تماثلها لايؤدي إلى تخفيض الأسعار؟
والجواب واضح جداً: لن تنخفض الأسعار في ظل الاحتكار.
وعلى الرغم مما تزعمه جمعيات حماية المستهلك، أو جهات حكومية، فإن هناك قلة من التجار،أو كارتلات صغيرة تحتكر استيراد المواد والسلع سواء أكانت أساسية أم كمالية، وقد سبق لأعضاء في غرفة دمشق أن اعترفت علناً وفي عدة مناسبات باحتكار الكثير من السلع.
ويمكن الجزم بأن الأسواق لن تشهد في الأمد المنظور أي انخفاض للأسعار، ليس بفعل الاحتكار فقط، وإنما للصعوبات التي تواجه التجار والجهات الحكومية باستيراد السلع والمواد مع مايترتب على ذلك من ارتفاع بتكلفة استيرادها، وهذا مايجعلها أغلى من الأسواق القريبة والبعيدة.
والسؤال: أما من حلول لتوفير السلع والمواد الأساسية بأسعار تناسب دخول ملايين الأسر السورية؟الحل ليس بما وعدنا به رئيس جمعية حماية المستهلك (أن تطبيق قرار تحرير الأسعار صعب حالياً لكن نتائجه على المدى الطويل ستكون إيجابية)، وإنما بقرار شجاع من الحكومة بتوزيع سلة غذائية من المواد المنتجة محلياً عبر البطاقة الذكية شهرياً.
وبمثل هذا القرار ستفرض الحكومة المنافسة مع التجار وترغمهم على البيع بهامش ربح بسيط، وبما يؤدي إلى إنهاء حالة الفوضى والتفلت التي تعم الأسواق.
الخلاصة: لايهم ملايين الأسر السورية ارتفاع تكاليف السلع والمواد الأساسية لعيشهم اليومي بفعل زيادة أسعار الطاقة، والنقل، وتعديلات أسعار الصرف، ولا يهمهم إن كان قرار تحرير الأسعار سيخفض الأسعار، ولا يهمهم إن كان التجار يرفضون تخفيض نسبة أرباحهم الفاحشة، مايهمهم هو أن يحصلوا عبر البطاقة الذكية على احتياجاتهم من السلع الأساسية شهرياً بما يناسب دخلهم، وهذه مسؤولية الحكومة، وليست مسؤولية التجار.
غلوبال – الكاتب علي عبود
اقرأ أيضا: نائب سوري : لا أرى ان استقالة الحكومة هي الحل و من المفترض ان يكون متوسط الراتب مليون ليرة