«ذي إنترسبت»: انشقاق داخلي في أبرز شركة مرتزقة أمريكية بأوكرانيا
نشر موقع «ذي إنترسبت» تقريرًا لمحرره بيتر ماس، يقول إنَّه بعد شهر من غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، أُنشئت شركة أمريكية خاصة تحمل اسمًا غير اعتيادي وهو «مجموعة موزارت»، وهدفها تدريب الجنود الأوكرانيين الذين كانوا يندفعون إلى الخطوط الأمامية دون الجهوزية اللازمة.
وجذبت مجموعة موزارت التي تكونت في البداية من حفنة من مشاة البحرية المتقاعدين التغطيات الإعلامية الواسعة، وصوِّرت بوصفها جهدًا نبيلًا من المتطوعين الأمريكيين لنقل مهاراتهم القتالية إلى الأوكرانيين المحاصرين.
«مجموعة موزارت».. على خطى فاجنر
يذكر الكاتب أنَّ اسم موزارت كان مثل رد ملفت للانتباه على مجموعة فاجنر، وهي شركة شبه عسكرية روسية سيئة السمعة متهمة بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا وأماكن أخرى. وبالمقابل، وصف المحاربون الأمريكيون موزارت بأنها مبادرة ممولة من المانحين لتقديم المساعدة الإنسانية إلى جانب التدريب العسكري، ولا ينخرط أعضاؤها في القتال، ويقولون إنهم حتى لا يحملون أسلحة.
وبحلول شهر أغسطس (آب)، نشرت موزارت ثلاث فرق من الجنود السابقين (فريقان للتدريب العسكري وواحد لإخراج المدنيين من الخطوط الأمامية) كل واحدة تكلف ما يصل إلى 100 ألف دولار شهريًّا، وفقًا لرسالة بريد إلكتروني لجمع التبرعات من ضابط البحرية آندي ميلبورن، القائد العام للمجموعة سابقًا.
متطوعون مع مجموعة موزارت في مقاطعة الدونيتسك
ويستدرك الكاتب بأنَّ الحرب عمل فوضوي، وفي الأسبوع الماضي انفجر لغم أرضي تحت قيادة مجموعة موزارت.
ويذكر الكاتب أنَّ آندي باين رجل أعمال في كييف وعنصر مشاة بحرية سابق، رفع دعوى قضائية في وايومنج (ولاية أمريكية)، حيث سُجلت موزارت شركةً ذات مسؤولية محدودة، متهمًا ميلبورن بالاحتيال المالي، وسوء السلوك الجنسي، والسطو، ومحاولة الرشوة، وتجاهل لوائح نقل الأسلحة الأمريكية، وتهديد جنرال أمريكي متقاعد.
وتطلب الدعوى من المحكمة إزالة ميلبورن من الشركة، وتأمره بدفع تعويضات تزيد على 50 ألف دولار. ووفقًا للدعوى المقدمة من باين، الذي يقول إنه المساهم الأكبر في موزارت، ترأس ميلبورن المجموعة بطريقة جعلت كبار ضباط الجيش الأوكراني يقولون ليته يعود إلى دياره ويتوقف عن إنقاذ بلدنا.
ووصف ميلبورن، الذي تواصل معه موقع «ذي إنترسبت» للتعليق، مزاعم الدعوى بأنها سخيفة تمامًا. وأضاف أنه وضع هذا الأمر في أيدي خبراء قانونيين.
شهدت العقود القليلة الماضية وفرة من الشركات العسكرية الخاصة التي لا تخضع للرقابة اللازمة، وقد اتهمت بالانخراط في انتهاكات واسعة النطاق. كان أكثرها شهرة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) شركة «بلاك ووتر» بقيادة عنصر البحرية الأمريكية الخاصة السابقة إريك برنس، التي كان مرتزقتها (الذين يتقاضون أجورًا عالية) معظمهم من المتقاعدين من الجيش الأمريكي، وينشطون في العراق، ومتورطين في جرائم حرب هناك. وعلى الرغم من أن برنس لم توجه إليه اتهامات شخصية، اتُهمت قوات فاجنر بارتكاب فظائع في كل منطقة حرب انخرطت فيها.
إريك برنس مؤسس شركة بلاك ووتر
يضيف الكاتب أنَّ مجموعة موزارت تضع نفسها في قالب مختلف، إذ تزعم أن أفرادها غير مسلحين ويساعدون المدنيين والجنود. وردَّ ميلبورن بغضب عندما وصفته مجلة أمريكية بأنه مقاتل أجنبي. ومع ذلك، وجدت الشركة طريقة فريدة كي تصبح موضع الجدل.
وبعد يوم واحد من رفع الدعوى، رد ميلبورن بوابل من الاتهامات المضادة في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، واصفًا باين بأنه المدير المالي السابق الساخط للشركة، وقال إن باين متهم بسوء السلوك المالي، والجنسي. وقال أيضًا إن باين يستثمر أموالًا كثيرة في روسيا، وهو اتهام خطير في زمن الحرب الحالية. وفي اتهام مفاجئ، زعم ميلبورن أن باين حاول بيع موزارت إلى طالبان. وحذف ميلبورن بعد ذلك تلك المنشورات، على الرغم من أنه أخبر موقع «ذي إنترسبت» بأنه لا يزال يتمسك بما قال.
وكتب ميلبورن على «تويتر»: «أعتذر عن السماح لهذا الفرد بالانتماء إلى مجموعة موزارت. نحن نعيد تقييم عملية التدقيق الخاصة بنا ولن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى».
وطلب باين الرد على اتهامات ميلبورن، وقال لموقع «ذي إنترسبت»: «لن أعلق على الدعوى الجارية، لكن المنشورات والتعليقات الأخيرة تضمن أن التشهير سيكون جزءًا أكبر بكثير من الإجراءات مما كان متصورًا في الأصل».
يؤكد الكاتب أن القصة الكاملة لما يحدث داخل موزارت ليست معروفة بعد. على الرغم من أنه من العادي أن يحدث خلاف بين الشركاء المؤسسين لشركة ناشئة، فإنه لا يحدث هذا غالبًا في منطقة حرب نشطة. وتشير معلومات مثيرة للاهتمام إلى وجود مساع لتحقيق الربح من أعمال موزارت البارزة في أوكرانيا من خلال تحويلها إلى شركة عسكرية خاصة ذات تطلعات عالمية.
بينما يؤكد ميلبورن باستمرار أن موزارت قائمة على التبرعات ومكرسة فقط لإنقاذ أوكرانيا، وتتهمه الدعوى القضائية بالسعي للحصول على عقود عسكرية في أرمينيا. ولا يبدو أن هذا الاتهام لا أساس له من الصحة، فقد ذكرت مقالة حديثة في «إنتليجنس أونلاين» أن موزارت تخطط الآن لتصبح مقاولًا عسكريًّا خاصًّا تقليديًّا، يسعى للربح والتوسع في مناطق أخرى مزقتها الحرب. وقالت المقالة إن كبير مسؤولي العمليات في موزارت، الضابط البحري السابق مارتن ويتيرور، أكد أنها تبحث عن عملاء جدد في مواقع أخرى في العالم.
ومهما كانت نتيجتها، فإن الدعوى القضائية تدعو إلى التشكيك في استقرار ومصداقية ما وصفتها صحيفة «نيويورك تايمز» قبل بضعة أشهر بأنها واحدة من أكبر الشركات العسكرية الخاصة في أوكرانيا. يبدو من المؤكد أن تضفي قوة على انتقادات روسيا الحادة ليس فقط لموزارت، ولكن أيضًا للجهود الأمريكية الشاملة لمساعدة أوكرانيا، حيث إن موزارت أحد أكثر المبادرات التي يقودها المواطنون وضوحًا في أمريكا.
من العراق إلى أوكرانيا
يوضح الكاتب أن موزارت منذ إنشائها ارتبطت ارتباطًا معقدًا بميلبورن، الذي يصف نفسه بأنه مؤسس المجموعة. وتقاعد ميلبورن، وهو أمريكي بريطاني المولد، من سلاح مشاة البحرية برتبة عقيد عام 2019 بعد أكثر من ثلاثة عقود من الخدمة التي شملت عمليات انتشار في العراق، والصومال، وأفغانستان. وكان آخرها نائب قائد قيادة العمليات الخاصة الأمريكية المركزية، التي تخطط لأعمال خاصة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وقد كتب مذكرات حول حياته المهنية بعنوان «عندما تجمع العاصفة»، وساهم بمقالات ذات طابع عسكري في عدة مواقع بارزة.
ثم سافر إلى كييف بصفته صحفيًّا مستقلًّا بعد أسابيع من الغزو الروسي في فبراير (شباط)، حيث قدم خمس قصص لموقع «تاسك أند بيربوز»، وهو موقع عسكري. كانت قصته الأخيرة، التي نُشرت في 2 أبريل (نيسان)، تدور حول جندي سابق في مشاة البحرية متهم بالاغتصاب في أوكرانيا، ولكن سُحبت هذه القصة لاحقًا وهي تحمل الآن ملاحظة من محرر تقول إنها «تخضع لمراجعة تحريرية للمعايير والممارسات ولن تكون متاحة حتى المراجعة كاملة». وبينما لم يرد المحررون في «تاسك أند بيربوز» على الرسائل الواردة من «ذي إنترسبت» حول المراجعة التحريرية؛ أخبر ميلبورن موقع «ذي إنترسبت» تمسكه بالقصة.
ينوه الكاتب إلى أنَّه بعد يوم واحد من نشر هذا المقال أدلى ميلبورن بما يبدو أنه أول إشارة علنية له عن مجموعة موزارت في تغريدة في 3 أبريل كشف فيها عن أنها «تضم أفراد قوات العمليات الخاصة الأمريكية السابقين الذين يقدمون القدرات المطلوبة بشكل حاسم لوحدات الخطوط الأمامية في أوكرانيا. تنطوي أنشطة المجموعة بشكل أساسي على تقديم المشورة والتدريب وتجهيز قوات العمليات الخاصة ووحدات المقاومة الأوكرانية».
وبعد يوم واحد قام بأول محاولة جمع التبرعات عبر خدمة «بايبال» لجمع 20 ألف دولار، وفي غضون ساعات، كما كتب على «تويتر»؛ حصل على نصف المبلغ من شركة مقاولات عسكرية. وبعد أسبوعين، أوضح ميلبورن في مقال لمجلة «نيوزويك» أن عمله في «تاسك أند بيربوز» بدا تافهًا مع اندلاع الحرب، لذلك قرر تنظيم تدريب عسكري بعد أن طلب منه أشخاص يعرفهم من زيارات سابقة مساعدة الجيش الأوكراني المساعدة.
ومع بقاء الأفراد العسكريين الأمريكيين إلى حد كبير خارج البلاد، ومغادرة الدبلوماسيين الأمريكيين في الأيام الأولى من الغزو الروسي، اجتذب ميلبورن قدرًا كبيرًا من اهتمام وسائل الإعلام، وكان أحد الأمريكيين القلائل على الأرض الذين لديهم خبرة قتالية ويعملون مع الأوكرانيين، وعلى استعداد للتحدث مع الصحافيين، وجرت مقابلته بشكل متكرر على القنوات الفضائية.
بينما نشرت الصحف الكبرى في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا مقالات عنه، حمل تقرير عن شخصيته في «نيويورك تايمز» العنوان الرئيسي «أميركي في أوكرانيا يجد الحرب التي كان يبحث عنها». ولكن لم تشر أي من هذه القصص إلى الاتهامات التي وجهها باين الآن إلى ميلبورن.
الأمريكي المجنون
يسهب الكاتب بأنَّ باين أعلن دعواه القضائية المكونة من 12 صفحة في منشور على موقع «لينكد إن» الأسبوع الماضي طعن في تصوير ميلبورن لنفسه على أنه مؤسس موزارت، وكتب باين: «في بداية الحرب، بعد أن عشت في كييف نحو 30 عامًا، وأدركت حاجة أوكرانيا الماسة للتدريب العسكري الأساسي، اتصلت بصديق متقاعد من مشاة البحرية الأمريكية وسألته عما إذا كان يعرف أي شخص يمكن أن يساهم في التدريب، فأحالني إلى آندي ميلبورن، الذي جاء إلى أوكرانيا بعد بضعة أسابيع». ووفقًا لما قاله باين: «لقد سجلت واخترت الاسم ورتبت التمويل لإطلاق مجموعة موزارت بهدف توفير التدريب والدعم وفق الحاجة للحرب».
ينص منشور باين على أنه يمتلك 51% من أسهم المجموعة، بينما يمتلك ميلبورن 49%، وفي استجابة لطلب من «ذي إنترسبت» للتوثيق، قدم باين ثلاث صفحات من 35 صفحة تخص اتفاقية تشغيل لموزارت، وتعرض إحدى الصفحات مخططًا ينسب 51% من الشركة إلى باين و49% إلى ميلبورن.
بينما لم يعلن باين سابقًا ملكيته لموزارت إلا أن هناك سجلًا عامًا يؤكد تعاون الرجلين. وفي 10 أبريل، أطلقا قناة على «يوتيوب» تسمى «Two Marines in Kyiv»، والتي تستضيف الآن سبعة مقاطع فيديو، معظمها يتميز بمناقشات بينهما، وتصف صفحة «About» بالقناة ميلبورن رئيسًا تنفيذيًّا لمجموعة موزارت، وباين رئيسًا لصندوق الحرية الأوكراني «Ukrainian Freedom Fund»، الذي وفقًا لموقعه على الإنترنت منظمة غير حكومية جمعت أكثر من 3 ملايين دولار منذ فبراير للمساعدات العسكرية والإنسانية.
تدور أخطر مزاعم باين حول تعامل ميلبورن مع الأموال المتبرع بها، وهو ما تصفه الدعوى بأنه جهود «لتسهيل تحويل الأموال بعيدًا عن مجموعة موزارت»، وتزعم الدعوى أن ميلبورن كان «يصر على دفع تعويضات شخصية تتجاوز 35 ألف دولار شهريًّا من حسابات الشركة، والتي جرى استلامها في حسابات شخصية أو حسابات أخرى يسيطر عليها».
وعلى الأقل، لم تَخفَ بعض عمليات جمع التبرعات الشخصية لميلبورن عن المتبرعين: تضمنت طلباته للتبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي روابط واضحة بحساباته على «فينمو» و«بايبال»، التي قال إنها ضرورية لأن منصة تبرعات موزارت لم تكن تعمل في ذلك الوقت، ربما بسبب الاختراق الروسي. ولكن حتى دعوى باين، لم يكن متهمًا بإساءة استخدام الأموال المودعة في تلك الحسابات، أو غيرها من الحسابات التي يسيطر عليها.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد وفقًا للدعوى، فقد استأجر ميلبورن امرأة مساعدًا شخصيًّا له التقى بها على موقع مواعدة على وسائل التواصل الاجتماعي وكان على علاقة بها، ودفع لها راتبًا سنويًّا قدره 90 ألف دولار، الذي كان وفقًا للدعوى «أربعة أضعاف» متوسط الأجور. وتزعم الدعوى كذلك أن ميلبورن قدم «عروضًا جنسية غير مرغوب فيها لمديرة مكتب ما».
ويختتم الكاتب بأنَّ الدعوى القضائية تتهم ميلبورن بالتنظيم والمشاركة في عملية سطو على مستودع استأجره صندوق الحرية الأوكراني التابع لشركة باين. بالإضافة إلى ذلك، تدعي القضية أن ميلبورن كان مخمورًا، وخرق حظر التجول في كييف، مما أدى إلى أن السلطات الأوكرانية احتجزته مؤقتًا في أكثر من مناسبة. ووفقًا للدعوى، أرسل ميلبورن رسائل معادية ولاذعة إلى قائد عام متقاعد من قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في أوروبا بعد أن رفض الجنرال الانضمام إلى موزارت (لم يذكر اسم الجنرال المتقاعد)، وأضافت الدعوى أن سلوك ميلبورن أثار حفيظة كبار القادة الأوكرانيين، وتزعم الدعوى أن «المدعى عليه ميلبورن تُشير إليه الآن القيادة العسكرية الأوكرانية بأنه الأمريكي المجنون».
إقرأ أيضاً: سر نقش “محمد هو نبي الله” على صخرة في الولايات المتحدة!