في مناطق عديدة عبر العالم، هناك عدة جزر مهجورة وغامضة يمكن أن نطلق عليها اسم جزيرة الأشباح، أبرز هذه الجزر هي جزيرة بوفيليا الإيطالية التي كانت إحدى أكثر الجزر الإيطالية نشاطاً قبل 10 قرون من الآن، قبل أن تحوّلها الأحداث التي تلت ذلك التاريخ إلى جزيرة للموت، حتى إنّها هجرت منذ القرن الـ14 ولم تعد إليها الحياة.
كانت الجزيرة موضوعاً للعديد من التكهنات والأساطير التي ساهمت في بقائها مجهورة إلى اليوم، مثل استيطان الأشباح بها حتى لقبت بجزيرة الأشباح، كما أنّ تحوّلها إلى مكانٍ للعزل الصحي إبان عصف الطاعون بمدينة البندقية القريبة منها، جعل المؤرخين يطلقون عليها جزيرة الموت الأسود، نسبة إلى مرض العصر حينئذٍ والذي قتل 160 ألف شخص بالجزيرة الصغيرة الواقعة قبالة السواحل الإيطالية.
بوفيليا هي جزيرة تقع في جنوب البندقية، وتقع أمام مالاموكو، المنطقة الجنوبية من جزيرة ليدو الإيطالية، قبل اشتهار اسمها الحالي، تم ذكر بوفيليا في الخرائط القديمة باسم Poveggia أو حتى Popilia، وهو الاسم الذي يشير إلى أشجار الحور التي كانت تضمها أو إلى شارع Via Popilia-Annia القريب منها، وهو طريق بني بتكليف من القنصل الروماني بوبليوس بوبيليوس ليناس.
بحسب visitvenezia، في الواقع يُشار إلى جزيرة بوفيليا على أنها مجموعة من ثلاث جزر، وهي الجزيرة الرئيسية والتي تضم معظم المباني في الجزيرة، كما أنّ هذه الجزيرة تتصل بجزيرة أخرى أصغر منها في الحجم من خلال جسر، أمّا ثالث جزر بوفيليا فهي جزيرة اصطناعية مشهورة بشكلها الثماني، وتم بناؤها عام 1380 لأغراض دفاعية.
بوفيليا الجزيرة التي كانت مركزاً اقتصادياً مهماً قبل أن تهجر
بدأ تاريخ بوفيليا في النصف الأول من القرن الـ5، عندما استقبلت سكانها الأوائل الذين هربوا من الغزو الجرماني للجزر الإيطالية، والذي تسبّب في دمار كبيرٍ للمدن.
جعل الحجم الصغير نسبياً للجزيرة، بوفيليا بمنأى عن هجمات الجيوش الغازية، كونها كانت جزيرة لا تستحق عناء الغزو، من هذا المنطلق عاش سكان الجزيرة في أمان وتجنبوا دفع الضرائب لقرون.
بمرور الزمن، أصبحت بوفيليا مركزاً مزدهراً، اقتصاديًا وديموغرافيًا: اهتمت العائلات المحلية بصيد الأسماك والتمليح، كما ربطت الجزيرة علاقات قوية مع محيطها من الجزر الإيطالية، فيوماً بعد يوم كانت بوفيليا في طريقها إلى الصعود كقوة اقتصادية وتجارية كبرى في المنطقة.
مع ذلك، كان عدد سكان الجزيرة في انخفاض، بحكم أنّ المنطقة ككل كانت تعيش فترة لا استقرار سياسي، وعلى الرغم من بناء إحدى الحصون الثمانية التي تهدف إلى حماية مداخل بحيرة البندقية، تم التخلي عن بوفيليا لعدة قرون.
ففي عام 1378، وأثناء حرب كيودجا بين جنوة والبندقية، تم نقل سكانها إلى جزيرة جيوديكا، ومنذ تلك اللحظة ظلت الجزيرة مهجورة لثلاثة قرون.
في عام 1645، تم استخدامها كموقع دفاعي للسيطرة على السفن التي تحاول الإغارة على مدينة البندقية.
بوفيليا تتحوّل إلى جزيرة الموت الأسود
لم يُلتفت إلى جزيرة بوفيليا إلّا في القرن الـ18م، عندما وصل الطاعون البابوني إلى البندقية، وقتل رئيس الدولة دوجي جيوفاني موسينيغو، حينها برزت فكرة “جزيرة الموت الأسود”.
أصبحت بوفيليا، مثل العديد من الجزر الصغيرة الأخرى، مكاناً للحجر الصحي للمصابين، خلال تلك الفترة قتل الطاعون واحداً من أصل ثلاثة أوروبيين، وخوفاً من انتشار المرض، نفت البندقية العديد من مواطنيها الذين يعانون من أعراض المرض إلى جزيرة بوفيليا.
كان من الواضح أنه تم الحكم بالإعدام على المنفيين إلى بوفيليا، ففي وسط الجزيرة، تم حرق المرضى وقتلى الطاعون في محارق عملاقة، وشمل ذلك عشرات الآلاف من مواطني البندقية الذين نقلت جثثهم إلى الجزيرة.
يقال إن أكثر من 160 ألف شخص ماتوا في الجزيرة، وحتى اليوم يمكن العثور على طبقات من العظام تحت السطح، كما أن تراب الجزيرة يتكون من 60% عبارة عن رماد بشري، لهذا صار يطلق على بوفيليا اسم جزيرة الموت الأسود نسبةً إلى الطاعون.
بعدها تحولت الجزيرة إلى مخزن للأسلحة في عهد نابليون قبل أن تتعرض إلى التدمير بعد اكتشاف ذلك.
جزيرة للمصابين بالأمراض العقلية في القرن الـ20 تتحوّل إلى جزيرة للأشباح
وفقاً لبعض المصادر التاريخية، كانت الجزيرة في تلك الفترة أيضاً مسرحاً لإعدام المجرمين، الذين كانوا يقتلون عادة بالغرق.
لكن هذا ليس فقط الجزء الأكثر رعباً من القصة، ففي عام 1922، تم تشييد مستشفى للأمراض العقلية بالجزيرة، بحيث تم نقل جميع من تم تشخيصهم بمرض عقلي إلى الجزيرة.
ومثل الطاعون، كان الهدف الوحيد من الاستخدام الجديد للجزيرة هو عزل هؤلاء الناس وفصلهم عن المجتمع، خصوصاً أنّ خلال تلك الفترة كان ينظر إلى المصابين بأمراض عقلية نظرة سلبية تصل حتى سجنهم.
في ثلاثينيات القرن الماضي، ظهرت شائعات غريبة على الجزيرة، بعد أن أجرى أحد الأطباء تجارب غريبة على المرضى في الجزيرة.
في النهاية، أصيب الطبيب بالجنون وألقى بنفسه من برج الجرس الطويل في المستشفى، وأشيع أنه تعرّض للتعذيب من قبل الأشباح، وعلى الرغم من إزالة الجرس الموجود في البرج منذ عقود، لا يزال السكان المحليون يدعون أنهم يسمعون دقاتها من الجزيرة الوحيدة.
وانتشرت عدة قصص عن أشباحٍ لشخصياتٍ كانت تعيش منذ قرون في الجزيرة قبل أن يقضي عليها الطاعون، وتبقى أرواحها تتجوّل في بوفيليا، مثل قصة “ليتل ماريا”، وهي روح شوهدت في الجزيرة لأكثر من 400 عام، وحسب thelittle house of horrors، على الأرجح مات هذا الطفل الصغير من الطاعون.
وتبقى هذه القصص في خانة الأساطير التي تلقي هالة على غموض الجزيرة، وتبرّر سبب هجرانها اليوم إلى درجة أن سميّت بوفيليا باسم جزيرة الأشباح.
بوفيليا ممنوعة من زيارة إلّا بترخيص رسمي
بحسب موقع italicsmag الإيطالي، في عام 1969 تم إغلاق المستشفى نهائياً، وهُجرت الجزيرة للمرة الثانية، ومنذ سنوات، جذبت الجزيرة العديد من الباحثين الفضوليين، ففي عام 2009، وعلى سبيل المثال، خصصت برنامج المغامرات الشهير Ghost Adventure حلقة عن جزيرة بوفيليا.
بينما في عام 2016 تم إنقاذ مجموعة من الرجال الأمريكيين من كولورادو ليلاً من قبل رجال الإطفاء الذين، عند وصولهم، وجدوهم في حالة من الصدمة والذعر لأنهم رأوا وسمعوا كيانات خارقة.
في الوقت الحاضر، يحظر الوصول إلى جزيرة بوفيليا دون الحصول على إذن رسمي من البلدية، والمخالف سيتم توجيه تهم جنائية له.
ومع ذلك، يستخدم السياح القوارب الخاصة أو سيارات الأجرة المائية لزيارة هذه الجزيرة الغامضة والمخيفة قبالة ساحل البندقية لبضع ساعات.
اقرأ أيضا: مواد من بلدان بعيدة.. أخيراً كشف سر تحنيط الفراعنة