هل تنجح خطة المعارضة التركية للإطاحة بأردوغان؟
بشكل متسارع تزداد وتيرة التنافس حول الانتخابات التركية كلما اقترب الوقت من موعد إجرائها المقرر حسب تصريحات رسمية في 14 أيار/مايو القادم، حيث تأمل الأحزاب المعارضة الإطاحة بالرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي يشغل المنصب منذ العام 2014، والذي يستعد بقوة لخوض الانتخابات القادمة وسط توقعات كبيرة بعدم نجاحه هذه المرة، حيث تظهر استطلاعات الرأي بأن الانتخابات قد لا تسير باتجاه ما يطمح له، لاسيما في الوقت الذي تمر به البلاد بأزمة اقتصادية قاسية، وتتحد المعارضة على عدم استمراره.
على الرغم من أنه حتى اليوم لم تستقر الأحزاب المعارضة بعد على اختيار مرشحها للانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس أردوغان، ولكن من المتوقع الإعلان عنه في شباط/فبراير الجاري، حسبما تشير المعلومات. إلا أن خطة الالتفاف حول مرشح واحد تبقى الاستراتيجية الوحيدة التي تسعى من خلالها الأحزاب المعارضة إلى الوصول إلى كرسي الرئاسة، وهو ما أكده ائتلاف المعارضة المكون من ستة أحزاب، حيث تعهّد بالتوحد وراء مرشح مشترك واحد لتحدي أردوغان.
التحالف المعارض الذي عُرف بالـ”طاولة السداسية” يضم حزب “الشعب الجمهوري” بقيادة كمال كيليجدار أوغلو، وحزب “الديمقراطية والتقدم” بقيادة علي باباجان، والحزب “الديمقراطي” بقيادة جولتكين أويسال، وحزب “السعادة” بقيادة تميل كارامولا أوغلو، وحزب “المستقبل” بقيادة أحمد داود أوغلو، وحزب “الخير” بقيادة ميرال أكشنر، وحتى الآن تبرز أربعة أسماء من التحالف الذي يُعرف أيضا بـ “تحالف الأمة” للترشح لمنافسة أردوغان، أبرزها زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كليجدار أوغلو.
سباق المعارضة وأردوغان
الأحزاب الستة وقادتها الحزبيون اجتمعوا في 26 كانون الثاني/يناير الماضي، لبحث التوافق بشأن المرشح الرئاسي، وأيضا خطة التحالف لحسم الانتخابات البرلمانية المقررة في 14 أيار/مايو المقبل بالتزامن مع الرئاسية، ومن المتوقع الإعلان عن المرشح الرئاسي خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي، وفق ما صرّح به قادة التحالف الذين سبق وأعلنوا برنامجهم السياسي المفترض اتباعه في حال الفوز في الانتخابات.
في ظل هذا المشهد، تواصل الحكومة التركية إنفاق مليارات الدولارات من أموال الدولة لدعم الرئيس أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” الحاكم، بالتزامن مع قيامها باستغلال القضاء لإطلاق مجموعة من التهديدات القانونية لملاحقة المنافسين المحتملين للرئيس، وذلك قبل أشهر فقط من الانتخابات التي قد تعيد تشكيل السياسة الداخلية والخارجية لتركيا، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
تقرير الصحيفة الأميركية نقل عن اقتصاديين القول، إن فورة الإنفاق هذه غير مستدامة وربما تكون ضارة، في وقت يحاول أردوغان تخفيف وطأة ارتفاع مستويات التضخم على العائلات التركية في الفترة التي تسبق عملية الاقتراع، وفي الأثناء الذي تبرز فيه أسماء اثنين على الأقل من مرشحي المعارضة المحتملين الذين يمكنهم التفوق على أردوغان بسهولة، لكن أحدهم يواجه أربعة دعاوى قضائية يمكن أن تمنعه من خوض السباق الانتخابي ما يتيح لحزب “العدالة والتنمية” السيطرة على إسطنبول التي تُعد أكبر مدن البلاد وتضم نحو خمس أعداد الناخبين.
يما يبقى السؤال حول مدى فُرص نجاح المعارضة التركية في التفوق على أردوغان من خلال للالتفاف حول مرشح واحد في الانتخابات قائما، وما الخيارات المتبقية لدى الرئيس أردوغان للبقاء في السلطة، وإلى أي حد يمكن أن تؤثر الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد على نتائج الانتخابات، لاسيما في تقليل حظوظ أردوغان بالفوز.
المحلل السياسي علي البيدر، أوضح أنه على مستوى الانتخابات التركية فهناك الكثير من التغييرات التي طرأت على المشهد، بيد أنها تبقى محدودة التأثير.
البيدر وفي حديث لموقع “الحل”، أشار إلى أن هذه التغيرات بشكلها العام لا تصبّ بصالح الرئيس الحالي أردوغان، لكن مع ذلك تبقى حظوظه قائمة في المشهد لاسيما مع امتلاكه قاعدة جماهيرية كبيرة لا تعتمد بالضرورة على الإسلاميين والنُّخب والتيارات القريبة منه، مبيّنا أن أردوغان استطاع كسب ود العلمانيين من خلال إقامة دولة علمانية، مقابل إرضاء الإسلاميين والراديكاليين من خلال صناعة مزاج أو ثقافة دينية عامة، لذلك أصبح قريب من الجميع داخليا، إلى جانب خلق تواصل مع الجميع خارجيا وعلى ذات النحو، حيث يذهب إلى العرب ليقدم نفسه مسلما، ومن ثم إلى أوروبا ليقدم نفسه على أنه أوروبيا.
حظوظ أردوغان وسط تطلعات المعارضة
بالتالي يرى المحلل السياسي، أن هكذا رؤساء يستخدمون هذه السياسات يمكنهم الاستمرار داخل منظومة السلطة ويتكيفون مع المتغيرات، لافتا إلى أن من أبرز القضايا التي تضرّ بسمعة أردوغان والتي تقوض صعود خطه البياني، هي التدخلات الخارجية في ليبيا وسوريا والعراق وغيرها من الساحات الدولية والإقليمية، بالتالي هذه التدخلات خلقت رأي عام معارض ضده بقوة ومكّنت الرأي العام من توجيه الانتقادات له.
مع ذلك يعتقد البيدر، أنه على الرغم مما يواجه أردوغان في الوقت الحالي من نقد حول سياسته الخارجية وبعض المتغيرات الأخرى التي تعيشها تركيا، إلا إنها قد لا تؤثر بمسار أردوغان حول الرئاسة الأخيرة في تاريخه والتي استعد لها بقوة، مبينا أن تلك الأحداث ستضر بنتيجة الانتخابات وتقلل نسب الفوز، لكنها لن تؤثر على مستوى النتيجة العامة ما يعني أنها لن ترقى مع الاحتمالات التنافسية إلى إقصاء أردوغان من منصبه، والسبب في ذلك تمكنه من صناعة مناخ سياسي يُبقيه في المشهد.
في الأثناء، تعهدت المعارضة في برنامجها السياسي المؤلف من 240 صفحة، الذي أعلنت عنه في اجتماعات ما يعرف بـ”الطاولة السداسية”، بجعل مدة ولاية رئاسة الجمهورية 7 سنوات غير قابلة للتجديد، وإعادة مقر الرئاسة إلى قصر “تشانكايا” في أنقرة وفتح جميع الاستراحات والقصور الرئاسية أمام المواطنين والزائرين، فضلا عن بيع الطائرات الرئاسية كافة.
البرنامج الذي أُطلق عليه اسم “نص اتفاق السياسات المشتركة”، تضمن الاتفاق على 9 عناوين رئيسة، ويحتوي على ما يزيد على ألفي قانون وتشريع ووعد انتخابي، منها خفض العتبة الانتخابية إلى 3 بالمئة أمام الأحزاب لدخول البرلمان، وتقديم مساعدة من خزينة الدولة للأحزاب التي تتمكن من الحصول على 1 بالمئة من الأصوات فما فوق، إضافة إلى إلغاء العمل بنظام الوصاية على البلديات.
أما على مستوى الاقتصاد والضرائب تعهدت الأحزاب المعارضة بالعمل على خفض التضخم إلى خانة واحدة بشكل ثابت خلال عامين مع العمل على إعادة الاعتبار لليرة التركية، إلى جانب مضاعفة نصيب الفرد من الدخل القومي على الدولار الأميركي إلى 200 بالمئة في غضون 5 سنوات، فضلا عن العمل على نقل فروع “البنك المركزي” التركي الموجودة في مدينة إسطنبول إلى العاصمة أنقرة، مع إلغاء مشروع “قناة إسطنبول”، وفحص الأعمال التي أُجريت في هذا الصدد حتى الآن من النواحي الاقتصادية والقانونية والتقنية.
إصلاحات المعارضة
وعود المعارضة تضمنت كذلك جملة تعهدات حول السياسة الخارجية وتركزت حول منطقتي الشرق الأوسط وشرقي المتوسط الذي يشهد توترا مطّردا مع اليونان، حيث وعدت كلها احترام السيادة والاستقلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع العمل على تحويل بحر إيجة إلى منطقة سلام وتعاون وحسن جوار، والعودة إلى المشاركة بمشروع صناعة طائرات “إف 35” الأميركية.
أما على صعيد الملف الأكثر حساسية، أكد برنامج المعارضة فيما يخص ملف اللاجئين والأجانب، بأنه سيتم العمل على إعادة اللاجئين السوريين الذين يحملون بطاقة الحماية المؤقتة، والذين يبلغ عددهم أكثر من 3 ملايين ونصف المليون، كما ستُعقد اتفاقيات مع البلدان المصدرة للاجئين في هذا الصدد، كما ستُعاد هيكلة المؤسسات المتعلقة باللاجئين وعلى رأسها مديرية إدارة الهجرة، مع عدم السماح بتشكيل تجمعات “غير منضبطة” للاجئين في الأحياء والمناطق والولايات التركية.
يضاف إلى ذلك، إعادة النظر في اتفاقية “إعادة القبول” المبرمة بين تركيا و”الاتحاد الأوروبي” عام 2016، المتعلقة بتوزيع اللاجئين الذين يدخلون دول “الاتحاد الأوروبي” عبر تركيا، فضلا عن إيقاف منح الجنسية للأجانب مقابل شراء عقار أو وضع ودائع بالعملات الأجنبية في البنوك التركية.
بالمجمل، يهدف برنامج المعارضة المكون من 2300 نقطة إلى التراجع عن العديد من الصلاحيات التي انتزعها أردوغان من البرلمان والوزارات، وإصلاح السياسات المالية والخارجية إضافة إلى الداخلية، إذ تلقي المعارضة باللوم في مشاكل تركيا، بما في ذلك الانكماش الاقتصادي وتآكل الحقوق والحريات على نظام أردوغان، الذي يقولون إنه يرقى إلى “حكم الرجل الواحد”.
عمليا سيطر أردوغان على السياسة التركية لمدة عقدين من الزمن، حيث أدخل نظاما رئاسيا في عام 2018، وألغى منصب رئيس الوزراء وركز معظم السلطات في أيدي الرئيس، فعندما تولى أردوغان منصبه لأول مرة في عام 2003 كرئيس لوزراء البلاد، كانت الأمور تتحسن، وكان الاقتصاد التركي مزدهرا ومعدلات البطالة آخذة في الانخفاض، لكن بدلا من ذلك فإن محاولة أردوغان إلى تأسيس “تركيا الجديدة” تحولت بشكل متزايد إلى الاستبداد.
الحل