“كل ما يرتفع لا بد أن ينزل”، قاعدة شهيرة تظلّ صحيحةً بالنسبة لأي جسم يتم إلقاؤه أو إطلاقه من سطح الأرض ولا يتمكن من الوصول إلى الفضاء، حتى الرصاص الذي تُطلق في الهواء تنطبق عليها هذه القاعدة.
عندما يتم إطلاق النار، ففي لحظة إطلاق الرصاصة من البندقية يخرج غطاء الرصاصة ويسقط بالقرب من البندقية، بينما تكمل الرصاصة طريقها نحو الهدف، إذا أطلقت صوب أحد الأشخاص فستخترق جسده، ولكن ما الذي يحدث إذا أطلق المقذوف باتجاه الجو؟
الجواب، حسب ما نقله موقع how stuff works، أن الرصاصة ستسير على ارتفاع يصل إلى حوالي كيلومتر ونصف (حسب زاوية الإطلاق وقوة الطلقة)، وبمجرد أن تصل إلى ذروتها سوف تهوي الرصاصة سريعاً نحو الأرض.
لا شك أن مقاومة الهواء تحدّ من سرعتها، ولكن الرصاصة مصمَّمة إيرودينامياً إلى حد ما، لذلك تظل سرعتها مميتة للغاية إذا أصابت الخرطوشة شخصاً ما.
وفقاً للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يمكن للخرطوش المتساقط أن يضرب الأرض بسرعات تزيد عن 61 متراً في الثانية، الرصاص الذي ينتقل بين 46 و61 متراً في الثانية يمكنه أن يخترق الجلد، كما يمكنه اختراق الجمجمة.
في المناطق الريفية تكون فرصة إصابة شخص ما ضعيفة بالطبع، لأن عدد الأشخاص منخفض فيها، بينما ترتفع النسبة في المدن المزدحمة، التي يتعرض فيها الناس لإصابات في كثير من الأحيان بسبب المقذوف الطائش.
فإذا رأيت شخصاً يطلق النار في الهواء فاركض للاحتماء أولاً، ثم انكمش لاحقاً، لأنّ الخرطوش المتساقط يمكن أن يصيبك أو حتى يقتلك.
احذر من الرصاصة التي تُطلق في الجو
يمكن أن يتسبب إطلاق النار الاحتفالي في إصابات تتطلب علاجاً في غرفة الطوارئ، خصوصاً في احتفالات رأس السنة الميلادية، فمثلاً في عشية رأس السنة الجديدة 2022، واجهت امرأة من فيلادلفيا الأمريكية، تبلغ من العمر 87 عاماً، رصاصةً متساقطة، عندما شعرت بألم حاد في كتفها، بينما كانت تقف على شرفة منزلها الأمامية تنتظر في العام الجديد.
صدمت هذه السيدة عندما خلعت بلوزتها وسقطت رصاصة على الأرض. ووصفت الشرطة الأمريكية الحادثة بأنها “حادث إطلاق نار احتفالي مشتبه به”.
إليكم مثالاً آخر: في ليلة رأس السنة الجديدة 2017، خرج العضو الديمقراطي في مجلس النواب في تكساس، أرماندو مارتينيز، خارج المنزل، وشعر فجأة وكأنه قد ضُرب بمطرقة ثقيلة.
بعد نقله إلى المستشفى اتضح أنه أُصيب بمقذوف من عيار 223 في أعلى رأسه، اخترقت شظية من المقذوف الجزء العلوي من جمجمته، واستقرت في الطبقة العليا من دماغه، ما تطلب عملية جراحية لإزالتها.
أصبح مارتينيز، الذي تعافى من إصابته، ضحيةً أخرى للعادة الغريبة المتمثلة في إطلاق النار الاحتفالي، حيث أطلق المحتفلون الرصاص في الهواء عشوائياً ليعود أخيراً إلى الأرض، فيصيب أشخاصاً آخرين أحياناً.
كم مرة أصاب الرصاص الذي يُطلق في الهواء الأشخاص على الأرض؟
لا توجد إحصاءات رسمية حول عدد حالات الإصابة بالرصاص الذي يطلق باتجاه الجو في أنحاء الولايات المتحدة، ولكن التقارير الإخبارية تذكر العديد من الوفيات بهذه الطريقة على مر السنين. على سبيل المثال، تصف مقالة نشرت عام 2015 في موقع The Trace حالتين للأطفال، قُتلوا بمقذوف سقط على ما يبدو خلال احتفالات الـ4 من يوليو/تموز في عامي 2011 و2012.
وجدت دراسة أخرى أُجريت عام 2004 من قِبل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، أنه في عشية رأس السنة الجديدة من ذلك العام، تسبب المقذوف الناجم عن إطلاق النار الاحتفالي في 19 إصابة ووفاة شخص. حيث أصيب 36% من الضحايا في قمة الرأس، و26% في أقدامهم، و16% في الكتفين، تلك هي مواقع الإصابة الأكثر شيوعاً.
يستشهد مقال في مجلة Miami Herald لعام 2017، بحالات عديدة بأعوام عدة، تتراوح ما بين 20 شخصاً على الأقل قُتلوا في العراق عام 2003 بنيران احتفالية، بعد وفاة ابنَي صدام حسين عدي وقصي، ناهيك عن الإصابات والوفيات الكثيفة في السنوات الأخيرة في سوريا ولبنان.
ما مدى الارتفاع الذي تبلغه الرصاصة في الجو؟
بغضّ النظر عن السؤال المحير: لماذا تظل هذه الممارسة المتهورة والمميتة شائعة جداً في العالم؟ قد تتساءل أيضاً: ما الذي يحدث بالفعل لرصاصة أُطلقت مباشرة في السماء؟ إلى أي ارتفاع ستصل؟ ومتى ستنزل؟ وأين تهبط؟
هذه ليست بالضرورة أسئلة بسيطة يسهل الإجابة عنها، فقد قضى باحثو المقذوفات الكثير من الوقت في دراسة سلوك المقذوف الذي تم إطلاقه أفقياً، لأن هذه معلومات مفيدة لتحسين دقة ومدى الرماة، ولكن عندما يتعلق الأمر بإطلاق النار مباشرة في الهواء، وهو أمر لا يفعله عادةً الجنود وضباط الشرطة أو الصيادون والقناصون، فليس هناك قدر كبير من البيانات.
يقول موقع “howstuffworks”، إن المقذوفة التي يتم إطلاقها في اتجاه رأسي إلى أعلى تقطع مسافة تتراوح بين 1.6 إلى حوالي 3 كيلومترات، وتختلف تلك المسافة بحسب زاوية إطلاقها، ونوع السلاح المستخدم.
مع ذلك، أجرى اللواء بالجيش الأمريكي، جوليان هاتشر، تجاربَ في فلوريدا، أطلق من خلالها الرصاص في الهواء من أسلحة مختلفة، تتراوح من البنادق إلى المدافع الرشاشة، وحاول قياس المدة المستغرقة حتى تسقط، وكذلك المكان الذي سقطت فيه.
كما ذكر في مجلده الصادر عام 1947 بعنوان “Hatcher’s Notebook”، أن رصاصة عيار 30 تم إطلاقها من بندقية موجهة بشكل مستقيم سترتفع إلى 9000 قدم (2743.2 متر) في 18 ثانية، ثم ستعود إلى الأرض في 31 ثانية أخرى، وخلال آلاف الأقدام القليلة الماضية ستصل لسرعة “شبه ثابتة” تبلغ 300 قدم (91.4 متر) في الثانية.
لكن الباحث في علم المقذوفات جيمس ووكر، الحاصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات، ومدير قسم ديناميكيات الهندسة في معهد ساوث ويست للأبحاث في سان أنطونيو، يقول إن الارتفاع الذي يحققه مقذوف أُطلق بشكل مستقيم سيعتمد على نوع السلاح والقذيفة، تماماً كحال إطلاقها أفقياً.
فالمسدس الذي يحتوي على أنبوبة أقصر من البندقية، ويطلق ذخائر بخراطيش أصغر لا تحتوي على قدر كبير من البارود، لن يجعل الرصاصة ترتفع أعلى من البندقية. أنواع مختلفة من البنادق والذخيرة تعني اختلافات أخرى أيضاً.
يشرح ووكر قائلاً: “مع بندقية عيار 0.22، وهي ليست بندقية كبيرة، تكون الخرطوشة بنفس قطر الرصاصة، ولا تحتوي على بارود كثير، ولا تسير بسرعة، بينما تحتوي البنادق ذات الأعيرة الأعلى على خرطوشة أكبر بكثير، والتي ستحلّق بوتيرة أسرع؛ نظراً لوجود مزيد من البارود الذي سيزيد الاندفاع”.
عند إطلاق الرصاص أفقياً يميل إلى التباطؤ بسرعة، بسبب سحب الهواء، لذلك قد تنخفض مقذوفة البندقية إلى نصف سرعتها الأولية، بحلول الوقت الذي تصل فيه إلى 500 متر (1640.42 قدم)، كما يقول والكر “إذا اخترت إطلاق النار لأعلى فسوف تتباطأ بشكل أسرع بسبب الجاذبية، ولكن ليس بشكل كبير”.
بالنسبة لتقديرات الارتفاع، أشار ووكر إلى هذا المخطط على موقع الويب الخاص بشركة Close Focus Research، وهي شركة لاختبار المقذوفات، والتي توضح أن رصاصة مسدس ACP عيار 0.25 قد تصل إلى أقصى ارتفاع يبلغ 2287 قدماً (697 متراً)، بينما سترتفع رصاصة البندقية من عيار 30-06 إلى 10105 أقدام (3080 متراً).
ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع
ولكن بغض النظر عن مدى ارتفاع الرصاص في الهواء، فإنها تتباطأ في النهاية حتى تصل سرعتها إلى الصفر، وعند هذه النقطة ستبدأ في التراجع إلى الأرض، كما هو مفصل في مقال 2018 هذا حول إصابات الرصاص المتساقطة في مجلة الممارسة الريفية لعلم الأعصاب، والذي يرجع إلى ما يسمى الجاذبية القحفية Craniofacial gravity.
يوضح ووكر: “مرة أخرى، لا يمثل الارتفاع لأعلى مشكلة فيما يتعلق بالسرعة المنخفضة، حيث ستصطدم الرصاصة (إذا لم يعد الدوران مستقراً) بسرعة نهائية، بناءً على شكلها واتجاهها، وما إذا كانت تتدهور أم لا”.
والأهم من ذلك، أنه من غير المرجح أن تسقط المقذوفة مباشرة، لأن الرياح يمكن أن تغير مسارها، كما يقول والكر. وهذا يجعل من الصعب التنبؤ بمكان سقوط الرصاصة.
بالعودة إلى تكساس، سعى النائب مارتينيز إلى منع الآخرين من التعرض للرصاص المتساقط من خلال تقديم تشريع يرفع العقوبات المفروضة على إطلاق سلاح ناري دون هدف مقصود.
في أواخر عام 2022، قدم السيناتور أرماندو مارتينيز مشروع قانون لمجلس النواب الأمريكي (House Bill 1138)، للتصدي لإطلاق النار الاحتفالي.
في الوقت الحالي، يعد إطلاق النار الاحتفالي أو المتهور جنحة من الدرجة الأولى، يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى عام، وغرامة تصل إلى 4000 دولار، في مدن تكساس، التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة أو أكثر. إذا تم تمرير قانون مجلس النواب 1138، فسيوسع القانون الحالي ليشمل جميع مناطق تكساس، بغض النظر عن الحجم.
عربي بوست
اقرأ أيضا: 10 قصص غريبة لم يخبرونا بها من قبل وتم استبعادها من الكتب المدرسية