الجمعة , نوفمبر 22 2024
حلب لا تلتقط أنفاسها: الموت خلف الباب

حلب لا تلتقط أنفاسها: الموت خلف الباب

حلب لا تلتقط أنفاسها: الموت خلف الباب

ربّما لم يخطر في بال الطفلة نسرين، ذات الأربعة عشر عاماً، من حيّ طريق الباب في ريف حلب، أنها ستجد نفسها يوماً ما وحيدة في مركز إيواء العبابيد. تقول لـ«الأخبار»، والخوف يعتري وجهها الصغير بينما تحاول حبْس دموعها وكأنها شابّة عاركتها الحياة قبل أوانها: «خرجنا خائفين من منزلنا الذي تصدّع بشكل كبير وتشقَّق بسبب الزلزال، ولم نجد مكاناً نأوي إليه، حتى علمت عن مراكز الإيواء في حلب على إحدى صفحات فيسبوك، فقصدتُ هذا المركز مع أهالي الحيّ، كي لا ننام في الشارع أو في الحدائق، لكنني لم أجد عائلتي بعد، لا أعرف إذا كان أهلي على قيد الحياة أو ماتوا تحت الأنقاض». لكن مركز الإيواء الذي قصدَته «غير مجهّز بأيّ من احتياجات الإغاثة، من فرش وبطانيّات وحتى طعام»، بحسب ما تؤكد، مطالبة تزويده بهذه الاحتياجات، وبخاصّة في ظلّ وجود صغار وعجزة.

 

أبنية متصدّعة

فواجع أهالي حلب جرّاء الزلزال المدمّر يصعب أن تُروى؛ فهناك تنهار أبنية بكاملها، وخصوصاً في المناطق العشوائية التي أصابها الزلزال بنسبة 80%. وأمس، انهار عدد من الأبنية في أحياء الكلاسة، وبستان الزهرة، وبستان القصر، والشعار والمشارقة، التي يمكن اعتبارها مناطق منكوبة، وحيث الأهالي لا يزالون يفترشون الحدائق والشوارع خوفاً من سقوط المنازل فوق رؤوسهم، جراء تعرُّضها لتصدُّعات وتشقّقات تنذر بهبوطها فجأة، خصوصاً مع استمرار تكرار الهزّات الارتدادية. تتحدّث السيّدة الخمسينية شروق مجدلي، من حيّ المشارقة، إلى «الأخبار»، عن الوضع الصعب للحيّ، حيث انهار عدد من البنايات، وقضت عائلات بأكملها. تقول بحرقة من عرفت الضحايا وعاشت معهم: «عائلة بأكملها ذهبت جراء انهيار مبنى في الحيّ، ولم ينجُ منها سوى طفلة عمرها ثماني سنوات أُسعفت إلى المستشفى، إضافة إلى وجود أشخاص آخرين علِقوا تحت الأنقاض، فيما تواصل فرق الإنقاذ محاولة إخراجهم». وتضيف: «وضع حلب كارثيّ، وبخاصّة في ظلّ توالي انهيار المباني المتصدّعة. ففي الحيّ مثلاً، هناك عشرات الأبنية المتشقّقة التي قد تنهار في أيّ لحظة ما لم تُتّخذ إجراءات لتبيان مدى إمكانية السكن فيها، أو إيجاد مساكن بديلة وتأمين مستلزمات الإغاثة من الأغطية والطعام»، مشيرة إلى أن الأهالي بادروا إلى مساعدة بعضهم البعض، وسط نقص المواد الإغاثية، ووجود أطفال وعجزة يحتاجون إلى أدوية وأغذية وألبسة تقيهم البرد الشديد.

وتلفت مجدلي إلى تشكيل فرق تطوّعية لمساعدة الأهالي المنكوبين؛ فمثلاً، قامت هي مع مجموعة من المتطوّعين بتوزيع البطانيات من بيتها ومن بيوت أخرى على السكّان الذين قصدوا مراكز الإيواء، إضافة إلى محاولة تأمين أدوية لمَن يعانون أمراضاً خطيرة، كالقلب والسكري وغيرهما، لا سيما أن الدعم الإغاثي لا يزال خجولاً قياساً بكارثة حلب الجديدة.

حفر بالأيدي

في هذا الوقت، لا تزال عمليات إنقاذ الأهالي من تحت الركام مستمرّة، بالتعاون مع جميع الجهات الرسمية والخاصّة والمنظّمات الأهلية والدولية. لكن حجم الكارثة الكبير فرض على الجميع الحفر بأيديهم بين الركام للبحث عن أحبّتهم، علّهم يعثرون عليهم أحياء أو حتى موتى لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم، وهو ما رصدته «الأخبار» عند انهيار بناءين قرب كراج الحجز في بستان الزهرة، حيث يقول أحمد ياسين، وهو الابن البكر لعائلته، بينما يتابع الحفر بيديه أملاً بإيجاد ولو فرد واحد من أسرته حيّاً: «خرجنا أثناء هزّة الزلزال القويّة الأولى من المنزل، ونمنا في الحدائق والسيارة وبخاصّة مع استمرار الهزّات الأرضية، لكن بعد ذلك قرّرنا الصعود إلى البيت مجدّداً، ولكن الموت يبدو ملتصقاً بالسوريين، إذ انهار المبنى فجأة فوق رؤوس أهلي وغيرهم من الجيران»، متمنّياً الموت بدل البقاء وحيداً، ومواجهة هذه المأساة وحده.

واقع إغاثي صعب

واقع الإغاثة في الأحياء السكنية المتضرّرة، وبخاصّة الشعبية، يبدو صعباً، في ظلّ ضعف الإمكانات وحجم المأساة الكبير. وعن هذا، يتحدّث خالد عثمان مختار، من حيّ المشارقة الذي لا تزال فرق الإنقاذ تواصل البحث عن ناجين فيه بعد انتشال عشرة أشخاص أحياء، إضافة إلى عشرات الضحايا كون البناء مؤلّفاً من خمسة طوابق تضمّ 30 شقة، قائلاً: «يوجد خمسة مراكز إيواء في الحيّ، وهي عبارة عن مدارس وجوامع قصدها الأهالي الذين اقتنعوا بضرورة النزول إليها بدل البقاء في الأبنية المتصدّعة، التي تُعدّ خطراً حقيقياً، ويجب الكشف عنها من قِبَل الجهات المعنيّة لمعرفة مدى صلاحيتها للسكن وطمأنة الناس، أو إخبارهم بضرورة عدم إمكانية السكن فيها خشية انهيارها في أيّ لحظة». ويضيف: «مراكز الإيواء حاليّاً غير مجهّزة بمتطلّبات الإقامة فيها سواء من الفرش أو البطانيات مع أن الطقس بارد جداً، وهناك توزيع للمازوت ولكن ليس بالكميات المطلوبة، وأيضاً الطعام غير كاف، ما يتطلّب تقديم دعم أكبر للأهالي بغية تخفيف معاناتهم». لكن، برأيه، النقطة الأهم هي فحص الأبنية المتصدّعة تفادياً لكوارث أكبر تزيد حجم المأساة التي يعيشها أهالي حلب.

ويزداد، ساعة بعد ساعة، عدّاد الضحايا في حلب، حيث وصل عدد الوفيات، بحسب آخر إحصائية، إلى 390، و750 إصابة، فيما بلغ عدد الأبنية المنهارة 54، علماً أن العدد قد يفوق ذلك بكثير، في ظلّ وجود المئات تحت الأنقاض، واحتماليّة سقوط أبنية جديدة.

الاخبار

اقرأ ايضاً:مدير الدفاع المدني في اللاذقية : إخراج شخصين أحياء و33 جثمانا من مواقع منهدمة بالمحافظة