سيناريو الزلازل.. والسقوط المُدوّي لأردوغان!
جو حمورة
يعرف رجب طيب أردوغان، تماماً، أن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا، كما قضية اللاجئين السوريين وثقلهم الديموغرافي والإجتماعي، تُعرّضه وحزبه إلى وابل من الانتقادات اللاذعة، قد تخرجه من السلطة في الإنتخابات الرئاسية في الربيع الآتي. فيما أتت الزلازل لتزيد من حدّة المواجهة وصعوبتها أمام الرئيس التركي وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، خاصة أن الاستجابة الرسمية لم تكن سريعة أو كفوءة.
عاشت المناطق الواقعة جنوب شرق تركيا حالة هستيرية رافقها الكثير من الخوف والهلع الحقيقي، كما سقوط 10 آلاف ضحية على أقل تقدير، وفقدان عشرات الآلاف غيرهم. وذلك بعد أن ضرب زلزالان صباح الإثنين الواقع في السادس من شباط/فبراير مدينة كهرمان مرعش وولاية ملاطية بلغا على التوالي 7.8 و 7.7 درجة على مقياس ريختر، الأمر الذي أحدث خراباً مهولاً في المباني السكنية والمرافق العامة والبنى التحتية. في حين أدى شبه تزامن الزلزالين مع بعضهما البعض إلى ازدياد التعقيدات في جهود البحث والانقاذ، كما وقوع مئات الهزات الارتدادية وسط طقس بارد جداً.
وللزلازل قصة أساسية في حياة تركيا كما في مسيرة رجب طيب أردوغان. صحيح أن الرجل وصل إلى السلطة عبر حزب “العدالة والتنمية” عام 2002 بسبب ممارسات الدولة العميقة الفاسدة والقمعية وتدخل مؤسسة الجيش “الأتاتوركية” في الحياة السياسية، إلا أن كارثة طبيعية ساهمت، بدورها، في صعود نجم أردوغان ووصوله إلى السلطة.
ففي العام 1999، وقع زلزال ضخم عُرف بإسم “زلزال مرمرة”، وذلك في ولاية كوجايلي الصناعية القريبة من إسطنبول، وأودى بحياة 25 ألفاً على الأقل، فيما تقول تقديرات أخرى إن الرقم ناهز الأربعين ألفاً من الضحايا. حينذاك، كانت استجابة السلطات التركية سيئة وبطيئة للغاية، الأمر الذي خلق نقمة حقيقية على الحكم من طبقتين إجتماعيتين في تركيا. الأولى، كانت من أهالي الضحايا والعمال القادمين من كل الولايات التركية للعمل في مصانع ولاية كوجيلي؛ الثانية، كانت من أصحاب المصانع والمعامل والشركات الذين تحمّلوا تكاليف التعويضات على الضحايا والتأخير في استعادة القدرة على العمل والإنتاج.
هذه الظروف، وربما غيرها، تجمّعت في خدمة أردوغان الساعي للوصول إلى الحكم، فقد استفاد الرجل من النقمة الشعبية على السلطات الحاكمة، وراح يُغذي المشاعر المعادية لها ويُقدّم نفسه بديلاً حقيقياً وشاباً حيوياً أكثر اكتراثاً بحياة الأفراد ومصالح الشركات من السلطات الحاكمة. كان تأثير زلزال ولاية كوجايلي في المجال السياسي ضخماً، ليس لأن حجم الدمار وأعداد الضحايا كان كبيراً فحسب، إنما لأن الولاية هذه كانت، ولا تزال، المركز الأساسي لتجمّع الصناعات الثقيلة في تركيا.
مع حصول “العدالة والتنمية” على أكثرية برلمانية وتشكيله حكومة منفرداً في العام 2002، قام الحزب ورئيسه بمحاولات عديدة لإصلاح المؤسسات الحكومية المعنية بشؤون إدارة الكوارث. إلا أن الإصلاحات هذه لم تكن كافية لتأمين فعالية حقيقية لها، وذلك بسبب كثرة المؤسسات المعنية بإدارة هذا القطاع. قرر الحزب الحاكم، في العام 2009، إنشاء هيئة “رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ AFAD” التابعة لرئاسة الحكومة وكان يرأسها أردوغان في حينه، كما حلّ كل المؤسسات الأخرى المعنية بشؤون الإغاثة، فيما الأهم من ذلك كان رصد الأموال لها وتكثيف عديدها البشري وحضورها في كامل ولايات تركيا.
ومع تحوّل النظام السياسي في تركيا إلى نظام رئاسي، قام “حزب العدالة والتنمية” بتحويل إدارة الهيئة وشؤونها إلى وزارة الداخلية عام 2018، إلا أن أعمالها خلال الزلازل الحالية لا تشي، أقله إلى الآن، بقدرة كبيرة على إتمام ما أوكل إليها من مهام في ضوء التجربة السابقة المخيبة للآمال.
خاض الرجل التركي الأقوى سلسلة طويلة من الصراعات والنزاعات مع قوى الداخل. فاز على القوى “الأتاتوركية”. أخضع الجيش لسلطته. غلب العلمانيين في أكثر من منافسة. غيّر هوية بلده في الكثير من الشؤون، إلا أن الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة ستكون الإمتحان الجدي والأخير له، فإما يفوز ويحكم البلاد لخمس سنوات جديدة وأخيرة أو يعود إلى المعارضة
برز سوء إدارة الهيئة في اليوم الأول لوقوع الزلزالين، وذلك باعتراف أردوغان نفسه الذي قال إن “هناك تقصيراً وحالة من الضياع شهدها عمل الإغاثة في اليوم الأول من الكارثة، لكن الأمور في تحسن”. أما وزير العدل بكير بوزداغ فلم يكتفِ بتوصيف الأحداث كما فعل رئيس جمهوريته، بل ذهب بعيداً في تهديد كل مخالف أو مقصر أو مخطئ بعقوبات قاسية وأحكام قضائية.
يعرف الحزب الحاكم ورئيسه أن وقوع الزلازل خبرٌ سيئٌ لهم، ويدفعهم لعمل المستحيل من أجل تخطي الأزمة. لا بديل عن الإسراع في إغاثة الناس، وذلك لعلم أردوغان وحزبه أن أخصامه المحليين سيستخدمون الكارثة التي حلّت بالبلاد لمحاولة إزاحته عن السلطة. فعلى الرغم من موقفه المبدئي برفض المساعدات الأجنبية خلال معظم الأزمات السياسية والاقتصادية والطبيعية السابقة، إلا أن أردوغان وحكومته لم يمانعا، هذه المرة، في طلب كل أشكال المساعدات الأجنبية من أجل إغاثة الضحايا ومساعدة الإدارات الرسمية، فيما عرضت حوالى 80 حكومة ـ على الأقل حتى الآن ـ تقديم مساعدات إلى تركيا. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم أردوغان كل ما أوتي من إمكانات لتخطي الكارثة على شعبه وربما على مستقبله السياسي، بحيث أوعز إلى وزارة الدفاع أن تعلن عن نشر بضعة آلاف من الجنود للعمل على المساعدة في أعمال الإغاثة، وذلك بعد إعلان حالة الطوارئ في الولايات الجنوب شرقية المتضررة من الزلازل.
في المقابل، بدأ أنصار ومسؤولو الأحزاب المعارِضة بشن الحملات الدعائية والسياسية على أردوغان وتحميله المسؤولية، فيما تركيزهم هو على أعمال الحكومات الحالية، حيث لحظوا، على سبيل المثال، تخصيص 0.5 بالمئة فقط من الميزانية الحكومية العام الماضي لبرامج متعلقة بتحسين البنى التحتية وإدارة الكوارث في المدن والولايات المعرضة للزلازل.
أما زعيم المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو فذهب بعيداً في نقده، إذ شهر سيف القطيعة والمواجهة مع أردوغان وحزبه، معتبراً أن أردوغان “هو المسؤول عن الكارثة، وهذه الحكومة لم تجهّز البلاد لمواجهة الزلازل على الرغم من وجودها في السلطة مدة 20 عاماً. لهذا السبب لم أفكر مطلقًا في التحدث مع أردوغان، وأنا لا أرى هذه القضية فوق السياسة أبداً. إن سياسته هي التي أوصلتنا إلى الوضع الحالي”.
ويواجه أردوغان وحزبه تجمعاً من ستة أحزاب معارِضة تعمل سوياً منذ أشهر لتشكيل تحالف قوي في الإنتخابات الرئاسية التي باتت مُهددة بالتأجيل. هذا التحالف، المعروف باسم “طاولة الستة”، يحضّر نفسه لترشيح إحدى الشخصيات لمواجهة أردوغان رئاسياً كما تشكيل لوائح نيابية مشتركة، وذلك عبر الرهان على الأوضاع الاقتصادية السيئة في تركيا، كما على أزمة اللاجئين وغيرها من القضايا التي تراها مناسبة لمعارضة الحكم وإضعافه. أما قضية الزلازل، فتأتي مُكمّلة لهدف إسقاط أردوغان وإنهاء مسيرته السياسية وذلك عبر رهان المعارضة على فشل الحكومة في أعمال الإغاثة، تليها نقمة شعبية ضد الحكومة، وأخيراً السقوط المُدويّ لأردوغان.
طوال مسيرته السياسية، خاض الرجل التركي الأقوى سلسلة طويلة من الصراعات والنزاعات مع قوى الداخل. فاز على القوى “الأتاتوركية”. أخضع الجيش لسلطته. غلب العلمانيين في أكثر من منافسة. غيّر هوية بلده في الكثير من الشؤون، إلا أن الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة ستكون الإمتحان الجدي والأخير له، فإما يفوز ويحكم البلاد لخمس سنوات جديدة وأخيرة، أو يعود إلى المعارضة ويخسر كل الانجازات التي عمل طوال حياته السياسية لأجلها.
غالباً ما يفوز أردوغان في معاركه الداخلية متكلاً على جيش من الأنصار ورجال الأعمال والإعلاميين ومسؤولي الأمن، لكن الفوز على المنافسين الانتخابيين سهل جداً إن قورن الأمر بالفوز برضى من فقدوا أحبائهم تحت الركام أو من سويت منازلهم بالأرض.
يبقى السؤال: هل تتحوّل الزلازل التي ضربت تركيا إلى شرارة فعلية لإنهاء حكم الرجل الأقوى في البلاد؟
180 بوست