ساعات طويلة مرت كسنين عجاف طويلة، قضاها أشخاص تحت الأنقاض يطلقون أصوات الاستغاثة، من استطاع منهم سبيلاً، وهم يحاولون أن يستوعبوا هول ما جرى معهم في دقيقة من عمر الزمن، ويلملوا جراحاً نازفة تبكي من فقدوهم وهم يحاولون أن يهربوا ليفوزوا بحياة جديدة.
في مشفى تشرين الجامعي في محافظة اللاذقية، كان المصابون يشكون ألم معاناة الصدمة وفقدان الأحبة، أكثر مما كانوا يشكون ألم الجسد لإصابتهم أثناء انهيار منازلهم وهم يحاولون الهروب منها مع أفراد عائلاتهم.
يصعب على السيدة فاتن حمروش، أن تروي ما حدث معها، فصراخ ابنها وهي تحمله وتضمّه إلى صدرها وتهرب به، لا يزال يتردد في أسماعها، والنظرة الأخيرة إلى زوجها الذي فارق الحياة إلى جانبها، لا تزال ماثلة أمام عينها.
على مهل تستجمع حمروش، المصابة بكسر في الكتف وكدمات، قواها وتروي لـ”سبوتنيك” ما جرى معها أثناء حدوث الزلزال: أقطن في قرية الهنادي، كنا نائمين في المنزل عندما حدث الزلزال، حيث استيقظت أنا وزوجي على ميلان الجدران، فهرعت إلى حمل ابني الصغير، فيما حمل زوجي ابني الأكبر سناً، وخرجنا إلى منزل أقاربنا في البناء نفسه، لنيقظهم حتى يتمكنوا من الهرب..
وأضافت: “أثناء هربنا، أصبح البناء يزداد اهتزازاً، ومن ثم وقع باب حديد علي أنا وابني وباب آخر على زوجي وابني الثاني، ثم وقع السقف علينا”.
تصمت حمروش وتكفكف دمعها وتتلعثم بالكلمات التي كانت تحفر عميقاً في الذاكرة المشبعة بالوجع، وتضيف: مات ابني بين يدي ، شاهدته وهو يلفظ أنفاسه، وتمنيت حينها أن أعطيه عمري ليبقى حياً، ثم سمعت صراخ ابني الذي كان بجانب زوجي وهو يطلب مني أن أساعده، لأحرّك زوجي الذي كان هامداً ولم يستجب لمناداتي له.
وتتابع: “واصل ابني الصراخ طالباً العون لنا، حتى سمعنا أصوات المنقذين الذين أخرجوا ابني، ثم أخرجوني من تحت الأنقاض، وأردفت حمروش: فقدت زوجي وابني، ولم يعد لي مأوى، ولا أريد سوى مأوى لي ولابني”.
بعد خمسة أيام قضاها الشاب إبراهيم زكريا ووالدته تحت الأنقاض، تمكنت فرق الإنقاذ من إخراجهما ونقلهما إلى المشفى، إذ يروي زكريا لـ”سبوتنيك”: “في الساعة الرابعة فجراً، شعرت بهزة قوية، فخرجت من غرفتي إلى الصالون، لأجد أهلي يتجمعون في الصالون ويمسكون بأيدي بعضهم ويطلبون مني أن آتي للوقوف معهم تحت العامود الاسمنتي في الصالون، ثم بدأت تشتد الهزة وتشققت الجدران ثم انقسم المنزل نصفين، وهبطت الأرض بنا”.
ويضيف: “بقيت إلى جانب أمي وأختي، وأنا أحاول ان أهدىء من روعهما، وأدعو للرب أن ينجينا، وبعد مرور ساعات طويلة تحت الأنقاض، تمكنت فرق البحث من إنقاذنا”.
الوجع ذاته، يرويه أحمد: “كان ابني الرضيع ينام إلى جانب زوجتي في السرير، عندما استيقظنا على هزة قوية، حيث قمت على الفور بالارتماء على ابني وزوجتي التي وضعت يدها على رأس ابني، فيما وضعت يدي على رأسها ويدي الأخرى على رأسي”.
ويضيف: “رأيت أثاث المنزل وهو يقع على الأرض، وما إن استعدينا للخروج من المنزل، حتى هبطت بنا الأرض طابقين للأسفل، ووقعت جدران المنزل على رجليّ، وأنا لا أزال أحضن طفلي وزوجتي التي راحت تصرخ وتطلب المساعدة، في الوقت الذي كنت فيه لا أستطيع الحراك أو الصراخ نتيجة ضغط الأنقاض التي كانت تتركز على نصفي الأسفل”.
ويتابع: “الذي هوّن عليّ ماكنت أعانيه هو رؤيتي لطفلي وزوجتي سالمين، ووجود فتحة فوقنا نتنفس من خلالها، ونسمع أصوات الجيران الذين كانوا يطمئنوننا بأن فرق الإنقاذ آتية لإخراجنا، وأكثر ما شجعني على التحمّل هو سماع صوت أمي وأبي وهما ينادون باسمي، فتأكدت أنهما بخير”.
وأشار أحمد إلى أنه تم إنقاذ زوجته وطفله، ومن ثم تم اإراجه بعد قضاء عناصر الإنقاذ ساعتين برفع الأنقاض من فوقه، وأضاف: لم أشعر برجليي عندما تم إنقاذي، وعندما نزلت بواسطة الرافعة رأيت أبي وأمي يبكيان وهما ينتظران خروجي.
وأكد أحمد أنها تجربة مرّة جداً، لمجرد أن ترى أفراد عائلتك خائفون ويطلبون منك العون ولا تقوى على مساعدتهم.
سبوتنيك
اقرا ايضا: بيتها تحول إلى ركام.. أم سورية تروي كيف نجت وأبناؤها الثلاثة من الزلزال بـ”قدرة إلهية”