استيقظت صباح يوم الأحد على صراخ جيراننا المعهود في حي المشارقة وما فهمته أن هذه الضجة، لقيام لص بسرقة دراجة نارية كانت مركونة أمام البناء، خرجت لأرى ما الأمر فأرى صديقي غسان يصرخ ويتوعد الفاعل بالقضاء والشكوى، والحديث هنا لعلاء وهو طالب في السنة الثالثة بكلية الهندسة المدنية العامة بجامعة حلب.
أمنية
يكمل علاء حديثه لمرسل صحيفة سنسيريا “أدخلت غسان إلى بيتي وفهمت منه الأمر ثم توجهنا إلى مركز الشرطة وفي الطريق أخبرني غسان أنه يجب أن نحضر لامتحان مادة من السنة الثانية سيتم في يوم الغد، وهو ما أثار حفيظتي كونه لم يخبرني قبل بموعد الامتحان، فقلت في نفسي “كم أتمنى أن يحدث شيء يلغي الامتحان وكلية الهندسة وغسان في آن واحد، وليتني لم أتمنى ذلك “.
دعاء أمي
بعد العاشرة صباحاً عادت أمي وأختي الصغيرة غادة من زيارة أبي في المشفى كونه يعالج من حدوث نزيف داخلي له نتيجة سقوطه من الطابق الثالث حينما كان يضع آخر حجر في واجهة البناء.
أخبرت أمي أنني سأذهب للعمل وأعود مساء لأدرس قليلاً قبل الامتحان، فكانت وصيتها لي: (يا ابني اتقي ربك بشغلك ولا تزعل معلمك، خلي لقمتك حلال قد ما ضاقت فيك الدنيا، روح الله يرضى عليك، انشالله تمسك التراب بيدك يصير ذهب).
ما قبل الزلزال
عدت من عملي (أعمل عتالاً في سوق الهال) وكنت قد طبعت محاضرات مادة الامتحان في طريقي، وكانت أمي تعد الكبة المشوية، وهذا حدث استثنائي في هذه الأيام ولكنها تحتفل بخروج أبي من المشفى، وبعد الغداء ذهبت للدراسة حتى اتصل صديقي غسان يبشرني بأنه استعادة دراجته المسروقة، ولنحتفل خرجنا بجولة على الدراجة في أحياء وأسواق حلب وكأن القدر أرادني أن أراها بزهوتها قبل وقوع الكارثة، وعند عودتنا للمنزل، توجه غسان لمنزله في الطابق الذي يلي طابقنا، وهو يقول “الله يستر” كونه كان متأخراً بالعودة للمنزل.
القيامة
يتابع علاء بأنه عاد إلى المنزل في وقت متأخر وأراد التحضير للامتحان وتفقد والديه وأخته وهم نائمون بسلام، وحين بدء بتحضير قهوته لمتابعة الدراسة، بدأت الهزة الأولى ومن بعدها لم يعد يسمع سوى أصوات التكسير في المطبخ والصراخ في البناء والانفجارات وكأن القيامة قد قامت .
مضيفاً “أول ما فكرت بأخذه محاضراتي ولا أعلم لماذا لقد أحسست أني بحاجتها وهرعت مذعوراً إلى غرفة أهلي فوجدتهم مازالوا نائمين، ايقظتهم وبدأنا سباق النجاة”.
الذهب تحول تراب
يتذكر علاء ما حدث في صباح اليوم التالي فيقول “كان الدمار قد تكشَّف، والجو مشحون بالصراخ والنحيب وبكاء الأطفال، ومما أتذكره أني رأيت دراجة غسان قد وقع عليها جدار فأصبحت فتاتاً، أما غسان فلا يوجد أي أثر له، وتورمت يداي وأنا أبحث عنه بين الأنقاض وأبكي بحرقة على تلك الأمنية التي زفرتها يوم أمس وليتني لم أتمناها”.
متابعاً “وأنا أبحث عنه وجدت شيئاً يلمع بين الركام فإذا به مصاغ أمي، فناديت: أمي أمي لقد استجيبت دعوتك يا أمي وتحول التراب إلى ذهب وتحول كل ما كان ذهباً إلى تراب “.
ويختم علاء حديثه لصحيفة سنسيريا “لقد ذهب الامتحان وذهب معه غسان والدراجة وتهدمت أحياء حلب، وبدلاً من الامتحان الجامعي وجدنا أنفسنا أمام امتحان إلهي جعلنا نعيد حساباتنا من جديد، والشكر لله بأن أمي وأختي مازالوا بخير في مركز الإيواء، أما أبي فعاد للمشفى مرة أخرى بعد سقوطه عن الدرج أثناء هروبنا، وأنا أساعد بإزالة الأنقاض علني أجد غسان”.
سنسيريا
اقرأ أيضا: الرئيس الأسد: حجم كارثة الزلزال أكبر بكثير من إمكانياتنا المتاحة