العنوسة,جرائم تُرتكب بحق الذات والمجتمع والدين! شبحٌ يطارد الإناث قبل الذكور, وظاهرة زادتـها سنوات الحرب تعقيداً
لن نفشي سراً.. إذا ما قلنا إن ظاهرة تأخر سن الزواج أو ما يطلق عليه العنوسة، قد ازدادت بين الشباب والفتيات وبدأت تسبب قلقاً وهلعاً ليس من الأهل فحسب، بل أيضاً عند الباحثين والمختصين الذين توقفوا ملياً عند خطورتها وتأثيراتها في الأفراد من جهة وفي المجتمع من جهة ثانية، فهذه الإشكالية باتت -كما بينت الأبحاث- ظاهرة عالمية تصيب في حدتها جميع المجتمعات، ولكن تختلف نتائجها تبعاً للعادات والتقاليد التي تسيطر وتسود في الغربية منها والعربية، والمجتمع السوري حاله كحال غيره من المجتمعات، فهو كان ولايزال يعاني هذه الظاهرة المجتمعية، التي لم يعد يسوغ ارتفاع نسبتها لتصل بحسب إحدى الدراسات إلى حدود الـ70% وجود الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، فهناك عوامل ومظاهر تتعلق بالأزمة وسنوات الحرب أدت إلى تعقيدها، لتخلف وراءها شباباً يعاني آثاراً نفسية واجتماعية قد تؤدي به إلى الشعور بالإحباط الذي يوقعه في براثن مرض الاكتئاب وغيره من أمراض نفسية استعرضتها اختصاصية الصحة النفسية الدكتورة مرسلينا حسن شعبان، خلال وقفة لها مع «تشرين» تمحورت حول ظاهرة تأخر سن الزواج عند الشباب أو عزوف الشباب عن الزواج كما أحبت تسميتها، لتبتعد بذلك عن مصطلح «العنوسة»، وهو ما اتفقنا عليه معها كما العديد ممن أغنوا ملفنا هذا بآرائهم، فالنظرة لهذا المفهوم الشعبي الذي يرى أن العانس هي المرأة لا الرجل قد تغيرت، لتصبح العنوسة كما عرفتها الاختصاصية النفسية سلام قاسم صفة لا تختص بالنساء فقط، وإنما تطلق على الرجال أيضاً، وهي ظاهرة سلبية من صنع البشر أنفسهم، والمرأة مرآة تعكس تطور المجتمع، فهل لهذه الإشكالية أنواع، ما أسباب تفاقمها بين الذكور والإناث، وكيف تتمظهر نتائجها على كل منهم، والأهم هل من حلول يمكن طرحها على طاولة النقاش؟ تساؤلات كانت محاور حاولنا عبرها تسليط الضوء على هذه القضية، والبداية مع الأهل والشباب أصحاب المشكلة أنفسهم الذين انقسمت آراؤهم، فهناك من رأى أنها مسألة شخصية، بينما وجد آخرون أن نظرة المجتمع هي التي تسبب الأرق والتعب لكل من الشاب أو الفتاة.
«الزواج قسمة ونصيب»
«الزواج قسمة ونصيب»، عبارة كانت خياراً أمام البعض من الشباب، ونقصد هنا الذكور منهم والإناث، لإنهاء أي كلام في هذا الموضوع، ومن بينهم المهندسة سهاد ماضي المؤيدة لفكرة الزواج المتأخر، فالطلاق في رأيها وتفكك الأسرة مشكلات تؤثر في المجتمع أكثر من تأخر الزواج لأنه مسألة شخصية قد تختلف أسبابها وخلفياتها، والحياة لن تتوقف إذا لم تتحقق، ولكن ما يؤثر فيها حقيقة ويجعلها مثاراً للجدل هو نظرة وثقافة المجتمع، وفي ذلك تلاقت مع فضل السالم خريج علم الاجتماع الذي قال: من الطبيعي أن يصل كل من الفتاة والشاب في أيامنا هذه إلى السنة التاسعة والعشرين من العمر من دون تحقيق معادلة الارتباط، فهناك أسباب كثيرة تقف أمام ذلك من أهمها حلم الفتاة أو الشاب بمتابعة مسيرتهم التعليمية العالية، أضف إلى تغير العادات والتقاليد التي اختلفت عن الماضي، وأدت إلى تخفيف تدخل الأهل في موضوع الزواج، وتركهم الحرية لابنهم أو ابنتهم في اختيار شريك العمر، وبالطبع لا يمكننا في كل الأحوال تناسي سنوات الحرب وما سببته من فقدان للاستقرار النفسي والاجتماعي في المجتمع بشكل عام وعند الشباب بشكل خاص، وهنا قالت إيناس الصفدي الطالبة في قسم اللغة العربية: بات اللقاء مع النصف الآخر حلماً عند الفتيات، ولاسيما الجامعيات، فالهجرة وغيرها من ظروف الحرب في سورية أخذت معظمهم، ومن بقي هنا فطلبه إما فتاة تصغره بسنوات قد تمتد عشر سنوات أو أحوالها المادية جيدة.
بدورها علا عامر- طالبة دراسات عليا في كلية العلوم رأت أن الدراسة الجامعية وما بعدها تضع الفتاة أمام خيارين، فإما أن تتزوج قبل أن يفوتها القطار، أو ترفض فكرة الزواج وتكمل دراستها الجامعية، وخاصةً في مراحلها العليا، وقالت: أغلبية من يتزوجن خلال الدراسة الجامعية يتركن الدراسة، ولنا من تجارب زميلات لنا عبرة في هذا الموضوع.
وفي السياق ذاته، ولكن بقسوة أكثر عبّر أحد الشباب عن رفضه فكرة الزواج حالياً، والسبب كما قال لا يعود إلى الحالة المادية وطلبات الأهل التعجيزية فقط، ففي ظل الوضع الراهن يمكن أن تنتهي حياتي بقذيفة أو تفجير، وتبقى أسرتي تعاني ما تعانيه من بعدي، وكان مؤسفاً حقاً أننا وجدنا خلال استطلاع الآراء أن هذه الفكرة قد حجزت لها مكاناً داخل تفكير العديد من الشباب -من الجنسين- وشكلت سبباً جديداً يضاف إلى أسباب تفاقم هذه الظاهرة.
أنواع واختلاف
حديث الشباب الذي لم يخلُ من نبرة الأسى والحزن على ما آل اليه حالهم وأحوالهم أمام هذه القضية، وأسبابهم في ذلك أكده أهل الاختصاص، وأمامه كان لابد من التساؤل عن أنواع العنوسة وهل تختلف بين الرجل والمرأة؟ وعن ذلك أجابت الاختصاصية النفسية سلام قاسم بالقول: لهذا المفهوم نوعان أولهما عنوسة اختيارية: أنا عانس لأنني لم أعثر بعد على شريك حياتي، أما الزوج، بمفهومه السلطوي، فهو موجود بكثرة، لكنني أبحث عن شخص يقدر اهتماماتي ويفهمني، أما ثانيهما فهو العنوسة الحتمية: وهنا يكون عدم الزواج نتيجة ظروف مفروضة مثل: الفتاة التي لم يتقدم لها أحد، ويرى علماء النفس أن العنوسة عند الرجل تختلف عـن عنوسة المرأة؛ فهي لديه مرتبطة بقراره الشخصي لكنها خارجة عن إرادة الفتاة، وهناك صفات شخصية يمكن أن تؤدي إلى وقوع الإنسان في مصيدة العزوف عن الزواج منها: الشخصية التمامية، وهي تلك التي لا ترضى إلا بالكمال كشروط للزواج بأي فتاة، والأمر كذلك لدى الفتاة، أما الشخصية النرجسية المغرورة فهي التي تنظر لشريك أو شريكة العمر من برج عاجي، والشخصية الانطوائية يتغلب عليها الخجل والانغلاق ليبقيها أسيرة العنوسة والعزوبية.
المعايير اختلفت بين الأمس واليوم
وللدخول في تفاصيل الأسباب التي تقف وراء تفشي تلك الظاهرة يقول الدكتور بلال عرابي أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق: سن الزواج الطبيعي يتراوح ما بين 22 و25 عاماً عند الفتيات، أما عند الذكور فهو بين 24 و29 عاماً، ولكن هذه المعايير اختلفت اليوم وارتفعت وذلك يعود إلى أسباب متعددة فالرجل يؤجل القرار بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي جعلته غير قادر على تلبية متطلبات الحياة الزوجية، والمهور المرتفعة والمفاتيح الثلاثة التي لاتزال أسر عديدة تتمسك بها وهي البيت والسيارة والمكتب، أضف إلى انتشار البطالة وقلة فرص العمل، أما بالنسبة للفتاة فالتعليم الذي أدى إلى ازدياد روح الاستقلالية والحرية عندها يقف في مقدمة أسباب تأجيلها القرار، هذا من جهة، ومن جهة ثانية علينا ألا ننسى أن ظروف الحرب حوّلت الكثيرات إلى معيل أساسي لأسرهن، وهي رؤية تقاسمها مع الدكتورة مرسلينا حسن شعبان التي رأت أن قلق الشباب وخوفهم على المستقبل الذي سيبنيه لأسرته وأولاده في ظل الحرب ومعاناة البعض من التهجير وفقدان المكان الآمن، ناهيك بأن التفكير الدائم بالهجرة وغيرها شكّل ردّات فعل أدت إلى تأخير موضوع الزواج، أو العزوف عنه، كما يمكن أن يلعب سوء العلاقة بين الوالدين، أو فشل علاقة زواج أحد الأقارب أو الأصدقاء إلى رفض فكرة الزواج، ومما أضافته الاختصاصية النفسية قاسم من أسباب في هذا الجانب معارضة بعض الآباء في تزويج بناتهن الموظفات طمعاً في رواتبهن، عدم التشجيع على الزواج وفساد المجتمع، حيث يجد الشباب الطريق ميسوراً لإشباع شهواته وقضـاء حاجاتـه من دون التزام أو قيد، ميل الذكور للزواج ممـن هن أدنى منهم مستوى وتعليماً، وعلى العكس تميل الإناث للارتباط بذكور أعلى مستوى، غياب الوعي الديني، ومن الأسباب يمكن أن يكون الإعلام من الأطراف المهمة والمسؤولة عن انتشار هذه الكارثة، فهو يصور أن الحياة بلا زواج أفضل.
بين الشق الاجتماعي والنفسي
صحيح أن البعض يعدّ تأخر الزواج إلى حد معقول ظاهرة صحية، فالحرية في اختيار الطرف الآخر أساس لنجاح الزواج، ولكن مهما حاولنا تجميل صورة هذه الظاهرة، فلن نتمكن من التغاضي عن خطورة نتائجها الاجتماعية والنفسية، ففي الشق الاجتماعي يلفت الدكتور عرابي إلى أن تأجيل الزواج ينتج عنه فارق عمري بين الآباء والأبناء، وهو ما يجعل الهوة تكبر ونسبة التفاهم تصبح أقل، كما يؤدي هذا القرار إلى عدم القدرة على استقرار الحياة المنزلية أو إنجاب العدد المرغوب به من الأطفال، إضافة إلى أن العنوسة تنتج عنها أمراض مجتمعية، ولها تأثير في الجانب الأخلاقي، فيصبح أفراد المجتمع عرضة لمشكلة العلاقات غير الشرعية، وهي خلاصة تقاسم الرأي فيها مع الاختصاصية النفسية قاسم التي بينت أن كل طاقة مختزنة إن لم تصرف بشكل صحي وطبيعي ستنحرف، ومما ذكرته أيضاً أن من نتائج العنوسة المشتركة بين الشرق والغرب الشعور بالوحدة الذي يصيب العانس، ذكراً أو أنثى، حيث لا شريك يقف مع الآخر في لحظات الفرح والحزن، هذا الشعور يمكن تعويضه نسبيّاً بالكثير من العلاقات الاجتماعية والصداقات، أما النتيجة الثانية للعنوسة بالنسبة للذكور، في بلادنا تحديداً، هي عدم استمرار اسم العائلة ونسبها، أيضاً غالباً ما تؤدي العنوسة، ولاسيما عند البنات، إلى نوع من القمع الذكوري، وإلى كبت مشاعر الأمومة لأن مجتمعنا يرفض إشباع هذه الغريزة عن طريق التبني.
أما في الشق النفسي فبينت الدكتورة شعبان أن هذه الظاهرة تؤدي إلى تأثيرات نفسية عند الجنسين تتمثل في نكرانهم حاجاتهم الفيزيولوجية وبقائهم أسرى مشاعر الكبت وما تنتجه من أمراض نفسية ولاسيما أننا مجتمعات محافظة لا تقبل بعلاقات جنسية خارج إطار الزواج الشرعي، وبالنسبة للفتاة فإن حدة نتائج تأخر الزواج تزداد عندها أكثر، فهي غالباً ما تواجَه بالانتقاد أو تجبرها الثقافة المجتمعية السائدة إلى انتقاد ذاتها لكثرة التعليقات الموجهة لها، والتي تعمل على إلغاء جميع إنجازاتها في الحياة العملية والعلمية، وحتى في الحياة الاجتماعية تجد أن هناك رفضاً مجتمعياً لوجودها من دون رجل بجانبها، وهو ما يعرضها لحالة من القلق والاكتئاب ويسبب لها صدمة وتوتراً ويجعلها في حالة دفاعية بشكل دائم لتسويغ موقفها، أيضاً من النتائج توجّه بعض الشباب إلى الزواج من أجنبيات بحثاً عن الاستقرار المادي والعاطفي، أو إلى الزواج غير المتكافئ فقط للتخلص من نظرة المجتمع.
الكل مسؤول عن الحل
الحديث في النتائج لابد من أن يفضي إلى التفكير في حلول تساهم في تخفيف وطأة تلك الإشكالية عن أصحابها، فمن وجهة نظر الاختصاصية النفسية قاسم أن الحل الأمثل لظاهرة تأخر الزواج هو في توافر الظروف الاقتصادية المناسبة، فعلى المجتمع حماية أفراده من تأثير الحرب الاقتصادية والاجتماعية أيضاً، مبينة أن ذلك من مسؤولية كل الجهات المعنية والوزارات، لأن الشباب الذين يتعرضون لكوارث الحرب هم غير قادرين على الاستقرار، وتالياً يكونون أكثر عرضة للاستغلال بكل أشكاله، كما يجب على الجهات الرسمية والأهلية غرس القيم الأخلاقية في المجتمع، ولاسيما في البيت والأسرة، والمساهمة في تشجيع إنشاء صناديق التعاون لمساعدة المقدمين على الزواج فهناك من الخبراء من يرى أن المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية يمكن أن تجند طاقاتها وجهودها لمواجهة تفشـي هـذه الظاهرة، وإعادة الاعتبار إلى شكل الزواج بوصفه رباطاً أسرياً وليس علاقة تجارية.
الدكتور عرابي أشار إلى أنه على الدولة المساهمة في الحل من خلال تدخلها في توفير أقساط مريحة للمسكن الزوجي وتكاليف العرس، والعمل على تشجيع المبادرات الرسمية ومبادرات المجتمع الأهلي لإقامة الأعراس الجماعية فهذه الفكرة خطوة من الخطوات التي تخفف عبء التكاليف المادية، أيضاً لابد من عودة الجدية في مسألة السكن الشبابي الذي توقف من جراء الحرب وتبعاتها، كما نوجه دعوة للأهل لتسهيل شروط الزواج ومتطلباته وإعادة النظر في مسألة ارتفاع المهور والمفاتيح الثلاثة.
أما الدكتورة حسن شعبان فقد لفتت إلى أن الحرب ساهمت في اختلاف المعايير بالنظرة لهذا الموضوع ما بين الصحيح وغير الصحيح والمناسب وغير المناسب، ولذلك فإن الأمر يحتاج تقييماً في المرحلة القادمة، وإجراء دراسات بحثية جدية، منوهة بوجوب التوقف كثيراً عند نتائج ظاهرة العزوف عن الزواج للتعرف على كيفية التعامل معها، فيفترض أن تكون هناك مرونة ونظرة واقعية في موضوع المشكلات النفسية حتى لا تظل مقنعة وتفرز عقداً مختلفة، وهو ما يتطلب تفاعلاً بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، والعمل على تحفيز الشباب للتفكير بواقعية ،وبالنظر إلى أهمية الزواج، وتكريس وتعزيز وعي من نوع جديد في المجتمع يتناسب مع مفرزات الأزمة وتبعات الحرب وعدم الاستقرار الذي أدى إلى معطيات جديدة بالنظرة إلى الزواج، أضف إلى ضرورة إقامة حملات التوعية للشباب والصبايا اللواتي تقع عليهن مسؤولية جديدة تنقلهن من موقع المتطلب إلى موقع المشارك والمساهم في إتمام مرحلة مهمة في حياتهن، كما يجب عليهن طرح مشكلاتهن وألا يقفن في موقع المتهمات.
لتختتم د. شعبان حديثها بالرد على سؤال مفاده: هل الاكتفاء الاقتصادي للفتاة يجعلها في غنى عن وجود شريك إلى جانبها؟ بقولها: الإنجاز العلمي شيء مهم جداً، ولكن يجب ألا يبعد الفتاة عن التفكير بالزواج الذي يحقق الاستقرار العاطفي ويعمل على إشباع غريزة الأمومة لديها، فبناء الأسرة لا يعوضه شيء في الدنيا، وعدم وجوده يؤدي إلى خلل مجتمعي.
على طاولة البحث
الدكتور محمد أكرم القش- مدير الهيئة السورية للأسرة والسكان لدى سؤاله عن الرقم الإحصائي لهذه الظاهرة والاستراتيجية التي ستعمل عليها الهيئة في ملف عزوف الشباب عن الزواج قال:
لا يمكننا القول: إن ظاهرة العنوسة مرتفعة لأننا نفتقد إلى الدراسات الخاصة بذلك على صعيد الهيئة، لأن معرفة ذلك تتطلب إجراء الدراسات المسحية من حيث العدد والبيانات الميدانية، وحالياً يقوم المكتب المركزي للإحصاء بإجراء الدراسات بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والهيئة مشاركة في عملية المسح، ونحن بانتظار النتائج التي يظهرها هذا الواقع للتعامل معه، وأصبحت المسوحات في مراحلها الأخيرة، وأعتقد أن النتائج ستكون جاهزة مع نهاية نيسان القادم.
أما ما يقال عن نسبة الـ(70) في المئة في سورية والعراق فالاحتمال وارد لكن هل هو صحيح أم خاطئ؟ لا يمكن التعرف عليه إلا من خلال الدراسات كما أسلفت.
ويضيف الدكتور القش: عادة في ظروف الأزمات تنشأ حالتان الأولى الزواج المبكر بنسب أكبر من السابق، والثانية حالة العنوسة أو ما يمكن تسميته العزوف عن الزواج أو تأخره، وتالياً لا يمكنني كباحث اجتماعي القول: إنها أصبحت ظاهرة إلا من خلال المؤشرات التي نحصل عليها عبر التعداد السكاني، وقد كان من المقرر إجراء ذلك في عام 2014 لكنه لم يحصل.
ونحن كهيئة معنيون بقضايا الأسرة والسكان ومكوناتهم نعمل على قضايا المرأة بشكل عام والأسرة لتحسين وتطوير سبل معيشتها وتحسين ظروفها وتمكينها وتدريبها، وكذلك مع الشباب والمسنين، وهناك ظواهر نتصدى لها بشكل مباشر كعمالة الأطفال والمسنين والنساء ونعمل على البرامج والاستراتيجيات التي تساهم في تحسين الظروف المعيشية للأسر، ولا نقصد هنا زيادة الرواتب فقط، بل الظروف البيئية المحيطة من حاجات وخدمات وصحة.
كيف ينظر المجتمع إلى العنوسة؟
أنس تللو: قيل حين تدخل الأنثى إلى قفص الكنار يتوقف عن التغريد، لأن هذا التغريد كان نداء لها بمعنى أن الحب يموت عند الزواج أو يتلاشى، ومع استخدام التكنولوجيا الحديثة وانتشارها بهذا الشكل سوف ينقضي أمران هما التعليم والزواج، وستغلق المدارس وينتهي الزواج وتزداد العنوسة.
الدكتور محمد علي الصيداوي: من واقع المحيط بنا والذي أعرفه تماماً أرى أن من تزوجن في سن صغيرة لا توجد بينهن حالات طلاق، لكن الخشية الآن تكمن بتصوري في إدخال مفهوم المواطنة العالمي إلى مجتمعنا، والتي من خلالها يتم ضرب الأسرة بمكوناتها الأخلاقية والتعليم وتالياً الأطفال، وبشكل عام العنوسة هي إشكالية على مستوى الفرد والمجتمع ولها تأثيراتها السلبية فيهما.
الدكتور محمد خضرا اختصاصي التخدير عرّف العنوسة من الناحية الطبية أنها السن التي تتجاوز فيه المرأة سن الزواج وهو خارج سن الإنجاب، وغالباً هذا السن هو 38 عاماً.
وضاح سواس عضو منظمة طلائع البعث وعضو اللجنة الوطنية للطفولة: هناك نسبة عنوسة كبيرة في سورية، وأيضاً أرامل عديدة مع الأطفال بسبب الحرب على سورية، وفي اعتقادي مادام أشار الشرع لإمكانية الزواج الثاني كحل، فإنني معه شرط أن يكون بشكل منظم وصحيح، ويجب أن تساهم الدولة في تنظيمه، فخلال زيارتنا كوبا قبل أربعة أشهر وجدنا أن الدولة تهيئ البيت وتفرشه كاملاً وتؤمن الضمان الصحي المجاني كحل للمشكلة، أما على صعيد التبني فأرفض ذلك لأنه سيؤدي إلى نوع آخر من الإباحية وظهور أطفال مجهولي النسب، وهم اليوم قد فاق عددهم الآلاف وتناقش قضيتهم في مجلس الشعب حالياً لإصدار التشريع المناسب لهم.
فائز إسماعيل مدرس إنكليزي متقاعد:العدالة الاجتماعية شيء نسبي ولن نستطيع تحقيقها إلا بنسب محدودة، وحلولنا لأي مشكلة غالباً ما تكون غير مثالية، لأن الرجل مجبر على كل شيء، مع إن الكثير من البنات يملكن المقدرة المادية للمساهمة في إيجاد الحلول على صعيد العنوسة من خلال تقديم بعض التنازلات المادية، فمن تملك المال ليست بالضرورة تنتظر ثرياً حتى تتزوج، ووفقاً لذلك نتجاوز الحاجز المادي الذي يؤدي إلى العنوسة، وعبر التاريخ المرأة المسلمة حصلت على الكثير من الحقوق، لكنها تريد أيضاً أن تضيف إلى ذلك حقوق المرأة الغربية، وهنا التناقض بعينة والمبالغة، وعندها لا تعرف ماذا تريد؟ وهذا في اعتقادي ساهم في زيادة نسبة العنوسة عند الجنسين.
بسام المؤذن: مشكلتنا في الكبت والخوف من حكي الناس والرعب من جراء ذلك، وآمل أن يسود الحوار ونبتعد عن التقاليد البالية، سعياً لتطوير أنفسنا ووطننا على المستويات جميعها، ونتجاوز المشكلات التي تعترضنا، والعنوسة إحدى أهم هذه المشكلات.