الصين الصاعدة تُفشل حرب ترامب الاقتصادية
قحطان السيوفي
علاقات دبلوماسية متوترة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، قد يزيدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحاته وتصرفاته المُستفزة التي من الممكن أن تنقلب إلى مواجهة اقتصادية بين بلدين يعتبران بمنزلة «أصدقاء أعداء»، ترامب الذي تقف العقلية الاقتصادية الربحية وراء تصريحاته وقراراته، يهاجم الصين مدعياً أنها «تأخذ مبالغ طائلة وتجني ثراءً فاحشاً من الولايات المتحدة في التبادل التجاري».
الرئيس دونالد ترامب أطلق شرارة الصراع التجاري مع الصين وأصدر إيعازاً إلى ممثل الولايات المتحدة في المفاوضات التجارية لإجراء تحقيق بشأن مزاعم انتهاكات الصين حقوق الملكية الفكرية للشركات الأميركية.
من جانب آخر، أعلنت السلطات الصينية عن استعدادها لوضع الخيارات المناسبة للرد على الولايات المتحدة، في حال فرضت واشنطن عقوبات تجارية، محذرة من أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي وأنها ستتخذ كل التدابير المناسبة للدفاع بقوة عن حقوقها ومصالحها المشروعة»، وأعلن وزير التجارة الصيني منذ أسبوعين عن إجراء تحقيق لمكافحة الإغراق فيما يخص الصادرات الأميركية من الذرة البيضاء، وقال تشو هونجكاي من مركز الصين الفكري للتبادلات الاقتصادية الدولية: «لدى الصين كثير من المواضيع التي يمكن توظيفها في الصراع التجاري، لكنها ليست متسرعة في ذلك».
وزارة التجارة الصينية، حذرت بأنها قد تستهدف الصادرات الزراعية الأميركية الأكثر أهمية، مثل فول الصويا واللحم البقري ومنتجات الألبان في حال إقدام إدارة ترامب على فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الصادرات الصينية، وفي مؤتمر صحافي عقد في بكين منذ أسبوعين، قال رئيس غرفة التجارة الأميركية في الصين ويليام زاريت: «إن المسؤولين الصينيين حذروه من العواقب التي من المحتمل أن تترتب على اتخاذ مزيد من الإجراءات التجارية الأحادية الجانب من الولايات المتحدة، ضد الصين».
الحكومة الصينية قد تستهدف قطاعات لديها صدى سياسي في الولايات المتحدة، مثل المنتجات الزراعية التي تزرع في مزارع الولايات التي صوتت لمصلحة ترامب في الانتخابات الرئاسية وخاصة في ولايتي كانساس وتكساس، ويقول رئيس بنك مورغان ستانلي في آسيا سابقاً ومؤلف كتاب «العلاقة غير المتوازنة.. الاعتماد المتبادل بين أميركا والصين» ستيفن أس روتش إن «إدارة ترامب تلعب بذخيرة حية، تلتحم أميركا والصين في علاقة اقتصادية تقوم على الاعتماد المتبادل، فالصين تعتمد على الطلب من الولايات المتحدة على صادراتها، ولكن الولايات المتحدة أيضاً تعتمد على الصين».
الصين تملك ما تزيد قيمته على 1.5 تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية ومن أصول دولارية أخرى، وتعد الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الأميركية، وفي حين تدفع الإدارة الأميركية نحو تقييد الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة برسوم إضافية، ومحاولة زيادة الصادرات الأميركية إلى بكين لتحقيق بعض التوازن في الميزان التجاري، لا تزال الصين تتمسك باتفاقيات التجارة الحرة، وسط رفضها فرض أي قيود على وارداتها نحو السوق الأميركية، حتى الآن.
في المقابل، بلغ حجم تجارة البضائع والسلع بين بكين وواشنطن 636 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لإحصاءات أميركية، مع تمتع الصين بفائض قياسي بلغت قيمته 375 مليار دولار، قال «آيريس بانج» الخبير الاقتصادي لدى وكالة آي إن جي للصين العظمى: «ضعف الدولار اتجاه عالمي في الوقت الحالي وليس مقابل اليوان الصيني، فحسب.
يحاول الرئيس ترامب أن يستخدم الدولار سلاحاً في حربه على الصين. يتوقع محللون أن يستمر سعر صرف الدولار بالانخفاض مُستقبلاً. انخفاض سعر صرف الدولار يجعل السلع والخدمات الأميركية، والسياحة في الولايات المتحدة، والأصول الأميركية، أقل كلفةً لغير الأميركيين، على حين يجعل السلع والخدمات والأصول الأجنبية أغلى للأميركيين.
التخفيض المقصود لسعر صرف الدولار يتم اعتباره كـ«حرب عملات» حيث إن الصين تضخ مئات المليارات من اليوان سنوياً لإبقاء سعره ضعيفاً، ولإبقاء السلع الصينية رخيصة، وهو ما يثير جنون الرئيس الأميركي ترامب وتخفيض سعر صرف الدولار يتيح أيضاً لأميركا أن ترد ما استدانته من الخارج بدولارات قوتها الشرائية أقل، وهو ما يثير قلق الصينيين خصوصاً، لكونه يهدد بتآكل جزء من احتياطاتهم وقروضهم على بلاده، وهكذا فإن انخفاض سعر الدولار حالياً يأتي نتيجة لسياسة ينتهجها ترامب لإضعاف اقتصاد الصين، والصين بدورها تنتهج سياسة «خفض سعر صرف اليوان لزيادة صادراتها، ويعتبر ملف العلاقات الصينية الأميركية، أحد الملفات الأكثر إثارة لدى الإدارة الأميركية التي ترى في الصين خصماً اقتصادياً صلباً، نما دخله المحلي الإجمالي السنوي بخُطا مُتسارعة، وقد أصبح الثاني في العالم بعد أن تجاوز الـ9000 مليار دولار، منظمة التجارة العالمية أطلقت أخيراً تحذيرات من مغبة نشوب حرب تجارية.
في ظل حرب اقتصادية تجارية قد تنشب سيتم تدمير كل البناء التجاري التشريعي والقانوني العالمي، والمشكلة الحالية لا تختص بالصين والولايات المتحدة. فحتى حلفاء واشنطن الأوروبيون أعلنوا رسمياً أنهم سيتخذون إجراءات عقابية تجارية ضد الولايات المتحدة إذا ما قامت هذه الأخيرة بفرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية. وهذا يعني أن واشنطن نشرت الرعب حتى بين حلفائها، ومن هنا فإن الحرب الاقتصادية التجارية التي قد يشنها ترامب على الصين وغيرها… ستكون خاسرة وفاشلة بل قد تكون مُدمرة بالفعل.
الوطن