الجمعة , مارس 29 2024

في ظل النرجسية الاميريكية كم ستحافظ الكرة الأرضية على توازنها؟!

في ظل النرجسية الاميريكية كم ستحافظ الكرة الأرضية على توازنها؟!
فايز شناني
الحكمة تقول : الوقاية خير من قنطار علاج ، وكل الوقاية والحيطة والحذر ، لم يمنعوا وقوع القدر ، ذلك الذي وصل إلى ابنة ملك بصرى من خلال حشرة صغيرة في عنقود عنب ، والقدر ليس معناه أن نتوقف عن الحياة ، أو المبادرة والمغامرة ، وألا نتكلف عناء البحث عن مكتسبات تحصن ذواتنا ، وتمنعنا من السقوط في هاوية الملل والعبث والفوضى . وفي علم النفس الذي نخشى الخوض والبحث فيه ، وقاية ناجعة وفعالة من نشازات سلوكية ، غالباً ما تؤسس لأمراض نفسية تقصٌر العمر وتحوله جحيماً .
سؤال لابد وأن يخطر على بال أي منا ، لماذا جاء الرسل والأنبياء ؟! والاجابة الأولية : أنهم لهداية البشر الذين ضلوا وعاثواً في الأرض فساداً ، أي أن الله اضطر إلى علاجات متأخرة بعد أن خرج الناس عن فطرتهم ، تلك العلاجات النبوية شكلت في الوقت نفسه وقايات وارشادات نفسية ، لم يتبعها البشر ، بل زادوا في سقوطهم وانحدارهم في شرك الوثنية والهجمية . عدد كبير من الفلاسفة قدموا نظريات مختلفة عن كينونة الانسان والعلاقات الانسانية ، وفسروا الكثير من الظواهر الطبيعية والبشرية للإرتقاء ما أمكن بالحياة الانسانية ، من خلال الأخلاق والقيم والمبادئ السامية ، ” كانط ” حض على نظرية أخلاق العقل أو الواجب ( واعتبارها ذروة الأخلاق الوضعية ) ، بينما اعتبر آخرون أن الأخلاق الوضعية ” العقل ” يجب ألا تكون نقيضاً للأخلاق السماوية ” الإيمان ” ، و يعرٌف ” اريك فروم ” الشر قائلاً : هو فقدان الانسان ذاته في خضم مبادرة مأساوية ، هرباً من مسؤوليته الانسانية ، أي أنه ترك الانسان الفضاء الانساني ودخوله في الفضاء اللاإنساني . بينما يقول ” كارل ساغان ” : أن الحب حاجة طبيعية ، تتطلب اتخاذ موقف لا إرادي بشكل حر ، ويتحدث عن انتفاء الحب ( لقد نشأنا وتربينا على مفاهيم غريبة ، لدرجة أننا إذا التقينا بشخص أو مجتمع مختلف عنا بعض الشيء ، شعرنا بعدم الثقة فيه لإختلافه عنا قليلاً ، وربما نكرهه ، في حين أن ثوابت كل حضارة وثقافتها ليست سوى طريقة ، ووجه آخر للانسانية ) . وعبر التطور البشري على مدار قرون نلحظ أن القيم العليا التي سعى لنشرها الرسل والأنبياء وباقي الصالحين ، كانت بطيئة الاستيعاب والقبول ، واستمر الواعظون على الدوام من خلال المدارس أو دور العبادة ، الحث على الفضيلة والخير والمحبة والمعرفة ، والتمسك بالخصال الحميدة والفطرة السليمة والإيمان ، ومع ذلك يستمر الشر ويتعاظم ، فتأتي الحروب لتفريغ شحنات متعاظمة من الحقد والكراهية .
تبنت الغالبية العظمى من المجتمعات الغربية مبادئ المدرسة الميكافيلية ، وفصلت بين السياسة والأخلاق ، واعتبار إذا كان الفرد كاذباً أو مرواغاً أو مخادعاً ، وهي صفات غير حميدة وغير أخلاقية ، فإنها ليست كذلك بالنسبة للسياسي ، الذي قد يضطر لممارستها إذا اعتقد أنها من أجل الصالح العام . ومما لاشك فيه أن الأخلاق وجدت قبل الأديان ، والأخلاق نتاج الانسان والفعل الانساني ، والأديان التوحيدية كانت أكثر من التزمت بالقوانين الأخلاقية ، وكانت أكثر تعبيراً عن الفطرة السماوية ، ووصايا موسى العشر مزجت بين الأخلاق الانسانية والآداب العامة ، ومن أجل الوصول إلى أسمى درجات النضج الانساني يعلمنا ” بوذا ” أنه يجب ألا نشتهي ملكية شيء ، ومن تعالين السيد المسيح : إن الذي يرديد أن يخلٌص حياته يفقدها ، أما الذي يفقد حياته في سبيلي فإنه يخلٌصها ، فماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله ، وفقد نفسه أو خسرها ( انجيل لوقا 9 ) . ومن تعاليم المعلم ” ايكهارت ” : أن شرط تحقيق القوة والثراء الروحي ، هو ألا يملك الانسان شيئاً ، وأن يجعل نفسه منفتحة خالية ، وألا يدع ذاته تقف عقبه في طريقه ، أما ” ماركس ” فيقول : أن الترف لايقل رذيلة عن الفقر ، وأن الهدف من الحياة هو تحقيق مزيد من كينونتنا وليس الاستزادة من ملكيتنا ، بينما يقول ” سيبنوزا ” : تكمن سعادة الشخص في أسلوب التملك ، في تفوقه على الآخرين ، وفي قوته ، وهي في التحليل الأخير – تكمن في قدرته على أن يغزو ويسرق ويقتل ، أما في أسلوب الكينونة فإن السعادة هي المحبة والمشاركة والعطاء . ابن خلدون يرى أن الدول قامت على العصبية والغلبة ، وليس على مقدار ممارسة المبادئ الأخلاقية في الحكم ، ولطالما اندثرت حضارات وفنيت أمم بسبب الحروب ، و لطالما تعاظم شرور الدول العظمى ، فإن الحروب لن تتوقف وستسمر إلى ما لانهاية ، طالما بقي الانسان كفرد والمجتمعات ككل تواقين للإمتلاك ، والبحث عن ملكيات جديدة . وفي هذا الصدد هل يمكن أن نخمن مدى ضرر النرجسية الأميركية ؟ وفي ظل هذه العنجهية كم ستحافظ على توازنها الكرة الأرضية ؟! .

شام تايمز
شام تايمز
شام تايمز

اترك تعليقاً