بعد الغوطة الشرقية..أين سيضرب الجيش السوري وما هي وجهة النمور
نزار غطروف
معركة الغوطة الشرقية، والتي بلغت المساحة المحررة فيها ما تجاوز 80% من إجمالي مساحتها الكلية حتى الآن، هي معركة بحكم المنتهية، حيث نصب الرئيس بشار الأسد بزيارته أمس الأحد 18 مارس، شاهدة قبرها إلى الأبد، بقوله مخاطبا جنود الجيش السوري فيها: “إن كل رصاصة أطلقتموها لقتل إرهابي، كنتم تغيرون بها ميزان العالم، وكل سائق دبابة كان يتقدم متراً للأمام كان يغير الخريطة السياسية للعالم.”
وللإجابة عن سؤال ممتد بحجم مساحة المعركة، علينا أولا أن نعيد قراءة المشهد الميداني كاملا، لنجد أن أهم الجبهات الرئيسية الباقية حتى الآن هي ثلاث:
أولا – معركة الجنوب (القنيطرة ودرعا): معركة انخفضت بها حدة المعارك والتوتر، خاصة بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية فبراير الماضي، وبغض النظر عن بعض المحاولات الفاشلة، التي يحاول فيها أتباع إسرائيل حصد بعض المكاسب، فإسرائيل اليوم أكثر من ينشد الأمان بعد أن لمست جليا وبالنار، أي جهوزية بات محور المقاومة يمتلكها ويدخرها لأي معركة قادمة، سيكون وجه المنطقة بعدها حتما غير، فكتلة الصواريخ المنصوبة فوق رأس تل أبيب ستعيدها حتما لما قبل نكبة عام 1948، وما مخاطبتها الأمم المتحدة لإعادة انتشار قوات “الإندوف” إلا في هذا السياق.
ثانيا – معركة الشمال الغربي وهي جزأين: (إدلب): وتجمع الإرهابيين من مختلف الفصائل المسلحة، ومن ضمنهم من تم ترحيلهم من مناطق مختلفة، سيطر عليها الجيش السوري سابقا، وحررها من إرهابهم، وهي معركة كادت تنجز بحكم الانجازات التي سبقت حالة التصعيد على جبهة الغوطة الشرقية، والتي فرضت نفسها على واقع الحال، ودفعت نحو تأجيلها والتوجه لختم هذه الجبهة بالشمع الأحمر بشكل نهائي.
أما (عفرين): المدينة المنكوبة جراء الغزو التركي على شعبها وكل ما فيها، والتي انسحبت منها صبيحة الأحد 18 الشهر الجاري وحدات حماية الشعب الكردية، تاركة المدينة ومن فيها لإرهابيي تركيا من ما يعرف ( بالجيش الحر)، هذه الوحدات التي تنطحت لحماية المدينة، رافضة كل العروض التي دعتهم لتسليم الجيش السوري وقواته الرديفة مهمة حماية المدينة، مقابل انضوائهم تحت العلم الوطني السوري، فتصبح مهمة حماية الشعب السوري في عفرين على عاتق جيش البلاد، كما كل المناطق الأخرى في الوطن.
ثالثا – معركة شرق الفرات: وتشمل مناطق تواجد قواعد وقوات الاحتلال الأمريكي البالغ عددها (14) قاعدة، والتي تمتد من منبج شمالا إلى الرقة شرقا وصولا حتى التنف جنوبا، وتضم قرابة (2000) عسكري حسبما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في نوفمبر 2017، كذلك تشمل ما يعرف بقوات (قسد) ويبلغ قوامها حوالي (30) ألف مقاتل، ذات أغلبية كردية، وتضم أيضا معظم الإرهابيين الفارين من تنظيم داعش.
بعد قراءة المشهد الميداني كاملا، واستعراض أهم الجبهات الرئيسية المتبقية على الساحة السورية، نرجح بأن الأولوية بوجهة المعارك الآن، قد تكون بالعودة إلى معركة الشمال الغربي أي: إدلب ومن ثم عفرين، وليس باتجاه الجنوب السوري، فهي المعركة الأولى بالحسم، لسبب أن إدلب حاليا تضم أكبر تجمع للإرهابيين المتطرفين، بالنسبة لباقي البؤر الإرهابية الأخرى، وهذه الجماعات الإرهابية، هي:
“هيئة تحرير الشام”: فرع تنظيم القاعدة وجبهة النصرة سابقا، عملت على إقصاء شركاءها من الفصائل المعارضة في يوليو 2017.
“جيش البادية والملاحم”: ولاؤه الأول والأخير لتنظيم القاعدة الأم، انشق عن هيئة تحرير الشام في أواخر عام 2017.
“الحزب التركستاني الإسلامي”: جماعة من الموالين القدماء لتنظيم القاعدة، نشأ في مقاطعة شين جيانغ شمال غرب الصين.
“تنظيم الدولة الإسلامية”: الفرق بينها وبين الجماعات الأخرى أنها منافس قوي لهذه الجماعات الجهادية والمتمردة في إدلب.
جماعات إرهابية أخرى من بينها “حركة أحرار الشام”، “حركة نور الدين الزنكي”، “جيش الأحرار”، “فيلق الشام”، “وجيش العزة”، بالإضافة لفصائل أخرى أصغر.
وهذه الفصائل جميعها مفككة متصارعة، وكل طرف يعمل بمفرده، مع إغفال تام لدور باقي الفصائل.
لذا نرجح التوجه للقضاء على هذا الكم الكبير من تجمع الإرهابيين في هذه المدينة، وذلك لإضعاف فرص استخدام هذه الجماعات في تغذية الصراع القائم، كأوراق ضغط على المناطق المتاخمة لهم أو غيرها من جديد.
ولا نرجح أن يكون التوجه إلى الجنوب، لسبب أن جبهة الجنوب السوري المحاذية لإسرائيل، هي أصلا جبهة مفتوحة، والرد على أي تطور فيها ليس مرتبط بأي تطورات أخرى في الميدان، فهي معركة أساسية جوهرية ضمن الصراع العربي – الإسرائيلي، بدليل أن الهجوم الذي قام به إرهابيو “جبهة النصرة” المدعومة من إسرائيل في 24 فبراير الماضي – على نقاط عسكرية في محور “منشرة الحجر – ومشتل الزهور” في محيط مدينة البعث محافظة القنيطرة-، بهدف تشتيت الانتباه عن معركة الغوطة الشرقية، تم إحباطه بالكامل مباشرة.
بالنسبة لمدينة عفرين، فهي غالبا سوف تُحل بتسوية سياسية برعاية الحلفاء موسكو- طهران، وإلا ستجد القوات التركية ومرتزقتها الإرهابيين أنفسهم بمواجهة الجيش السوري وقواته الرديفة والشعبية، الذي سيحررها منهم، بحسب ما تقوله الوقائع السابقة عنه، والتي كان أخرها الغوطة الشرقية، أكبر بؤرة إرهابية خطيرة في خاصرة العاصمة دمشق، فأين هي اليوم من ذلك؟
أما بالنسبة للقوات الأمريكية المحتلة في شرق الفرات، إذا لم تخرج من تلقاء نفسها أو بتسوية ما، ستجد نفسها أيضا بمواجهة الجيش السوري وقواته الرديفة والشعبية، حيث سيتم تفعيل عملية المقاومة الشعبية، لإدخال كل من الأمريكي والتركي والإسرائيلي في حالة حروب استنزاف، هم أضعف من أن يحملوا تبعاتها.
إذا، هذا هو المرجح لوجهة المعارك من حيث القراءة الميدانية لخرائط الصراع في سورية، من وجهة نظر تحليلية، مع التنويه أنه في العمق جميع المعارك وعلى جميع الجبهات، هي أصلا مفتوحة بشكل أو بآخر، ولكن تختلف حدة الصدام فيها، حسب ارتفاع أو تدني حرارة الحالة السياسية لأطراف الصراع، ويبقى القرار والحكم لقادة المحاور على ضفتي هذا الصراع العالمي… ” كاتيخون “